أول يوم دراسة.. مدارس الإسكندرية تتزين وتستقبل طلابها بالهدايا    بالعمة والكاكولا.. معاهد المنيا الأزهرية تتزين بطلابها في أول أيام الدراسة -صور    وكيل تعليم الفيوم: غياب الطالب بدون عذر أمر مرفوض    محافظ بورسعيد يحيل 10 مدرسين ومدير للنيابة الإدارية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه في 5 بنوك خلال تعاملات اليوم الاحد    أسعار البيض اليوم الأحد تنخفض في الأسواق (موقع رسمي)    كامل الوزير يبحث مع محافظ سوهاج تحديات المناطق الصناعية وسبل حلها    محافظ كفرالشيخ يتابع أعمال رفع كفاءة وتمهيد الطرق بقرى الحامول    طرح 70 ألف وحدة سكنية ضمن مبادرة "سكن لكل المصريين"    صعود جماعى لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الأحد    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا حيويا في إسرائيل    مقتل وإصابة 47 شخصًا جراء انفجار منجم فحم في إيران    قمة بين مانشستر سيتي وأرسنال.. وإنتر يصطدم بميلان في ديربي الغضب بيوم المواجهات الكبرى في أوروبا    موعد مباراة كأس السوبر الأفريقى بين الأهلي والزمالك فى السعودية .. تعرف عليه    "مش هيجيب كرة في العارضة".. نجم الأهلي السابق ينصح الزمالك بعدم السفر للسعودية    وزير الشباب والرياضة يشيد بحرص القيادة السياسية على تطوير المنظومة الرياضية    ضبط أكاديمية وهمية تمنح الدارسين شهادات "مضروبة" في القاهرة    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 54 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    الداخلية: ضبط 618 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    «الداخلية»: ضبط 161 قطعة سلاح و349 قضية مخدرات وتنفيذ 84176 حكمًا خلال 24 ساعة    محافظ الدقهلية يتفقد مجمع مدارس طلخا في أول يوم دراسة..صور    بداية فصل الخريف 2024: توقعات الطقس والتقلبات الجوية    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 5 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    قصور الثقافة تسدل الستار على مهرجان مسرح الهواة في دورته 20 وطقوس إيزا يحصد المركز الأول    السوبرانو داليا فاروق وعازف الجيتار موريلياس يتألقان في "رودريجو.. روح إسبانيا" بدار الأوبرا    جامعة قناة السويس تشارك فى منتدى بكين الثقافي بالصين    متحور كورونا الجديد إكس دي سي.. ماذا تفعل إذا أصبت بالفيروس بعد وصوله ل27 دولة؟‬    مبادرة بداية جديدة تطوف محافظات مصر.. فحص 475 من كبار السن وذوى الهمم بمنازلهم فى الشرقية    لترشيد الكهرباء.. تحرير 148 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    مزاجك من أمعائك- إليك السر    موعد مباراة العين الإماراتي وأوكلاند سيتي في افتتاح بطولة كأس القارات للأندية 2024    تخليدًا لذكراه.. وزير التعليم يفتتح مدرسة محمود بكري الإعدادية بقنا    انتظام الدراسة في 2374 مدرسة بكفر الشيخ    مدارس دمياط تكرم أبناء شهداء الشرطة في أول يوم دراسي "صور"    ذكرى رحيل هشام سليم .. عامان على غياب عادل سليم البدري (تقرير)    أفلام معهد السينما في برنامج ندوات مهرجان الغردقة.. اليوم    "كلامه منافي للشرع".. أول تعليق من على جمعة على تصريحات شيخ الطريقة الخليلية    خطيب المسجد النبوي يُحذر من الشائعات والخداع على وسائل التواصل الاجتماعي    ساعات برندات وعُقد.. بسمة وهبة تكشف كواليس سرقة مقتنيات أحمد سعد في فرح ابنها (فيديو)    أسعار الخضروات اليوم الأحد 22 سبتمبر 2024 في الأقصر    "دعونا نواصل تحقيق الإنجازات".. كولر يوجه رسالة لجماهير الأهلي    الشيخ أحمد ترك لسارقي الكهرباء: «خصيمكم 105 ملايين يوم القيامة» (فيديو)    موجود في كل مطبخ.. حل سحري لمشكلة الإمساك بمنتهى السهولة    اليوم.. إسماعيل الليثي يتلقى عزاء نجله في «شارع قسم إمبابة»    وليد صلاح عبد اللطيف: مباراة السوبر ستحدد مصير جوميز مع الزمالك    حرب غزة.. الاحتلال يقتحم عنبتا شرق طولكرم ويداهم عدة منازل    اليوم.. محاكمة 9 طلاب في قضية «ولاية الدلتا الإرهابية»    اللهم آمين | دعاء فك الكرب وسعة الرزق    وزير الخارجية يلتقى المفوض السامي لحقوق الإنسان بنيويورك (صور)    زلزال بقوة 6 درجات يضرب الأرجنتين    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 10 صواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل    أمامك اختيارات مالية جرئية.. توقعات برج الحمل اليوم ألحد 22 سبتمبر 2024    حزب الله يستخدم صواريخ «فجر 5» لأول مرة منذ عام 2006    أضف إلى معلوماتك الدينية | حكم الطرق الصوفية وتلحين القرآن.. الأبرز    سعر الذهب الآن في السودان وعيار 21 اليوم الأحد 22 سبتمبر 2024    لاعبو الأهلى يصطحبون أسرهم خلال الاحتفال بدرع الدورى 44.. صور    وزير الخارجية: نرفض أي إجراءات أحادية تضر بحصة مصر المائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكتوبر.. بعد 43 عاماً من الانتصار
الفكر المصرى فى الحرب عبر عن جوهر التطوير والتحديث فى مختلف المجالات العسكرية جميع المعاهد العسكرية حول العالم اعتبرت الدروس المستفادة من «أكتوبر» جزءا لا يتجزأ من مناهجها الدراسية

بعد كل هذه السنوات، التى مرت على انتصارنا فى حرب أكتوبر 1973.. مازالت جميع مراكز الدراسات الاستراتيجية، والكليات والمعاهد العسكرية، تؤكد أن ما قدمته هذه الحرب، فى العلم العسكرى الحديث، هو، بالفعل، الركيزة الأساسية لعمليات التطوير فى مجالات التسليح، والتنظيم، والتكتيكات، وأساليب القتال.
ولقد كانت العقيدة القتالية العسكرية الغربية، هى أكبر المستفيدين من دروس تلك الحرب ... فقد كان الجانب الإسرائيلى يتبنى فكر العقيدة الغربية، بينما تتبنى القوات المسلحة المصرية فكراً جديداً، فى مفاهيم القتال، عبارة عن مزيج بين الفكر الشرقي، التابع للعسكرية السوفيتية، مضافاً إليه خبرة قتال المصريين، فى هذه الحرب الحديثة.
وتمثل تأثير حرب أكتوبر 73، على العقيدة العسكرية الغربية، فى عدة مجالات، أهمها ما يلي:
أولاً: بالرغم من تصنيف نوعية أعمال القتال بين الجيش المصرى وجيش الدفاع الإسرائيلي، بأنها حرباً تقليدية، إلا أن كلاهما كان مزوداً بأحدث الأسلحة والمعدات، إضافة إلى منظومات جديدة، لم تكن قد استخدمت من قبل فى ميادين القتال الحقيقية ... إذ استُخدم فى هذه الحرب، ولأول مرة، الأسلحة الإلكترونية Electronic Warfare (EW)، والأسلحة الإلكترونية المضادة Counter Electronic Warfare (CEW)، من الجانبين، على أعلى مستوى من التقنيات العلمية.
ثانياً: أن الجيش المصرى كان يقاتل، متبعاً العقيدة الشرقية، متسلحاً بمعدات، أغلبها سوفيتية، بينما يطبق جيش الدفاع الإسرائيلى مبادئ العقيدة الغربية، وبالأسلحة والمعدات الغربية ... فكان واضحاً، لكل المحللين، أنها معركة بين فكر وتسليح العقيدة الشرقية، ضد فكر وتسليح العقيدة الغربية.
ثالثاً: أن ميادين القتال لم تشهد حرباً تقليدية، منذ الحرب العالمية الثانية فى عام 1945، إذ تغيرت، بعدها، مفاهيم القتال ... وتغيرت الأسلحة والمعدات، وبدأت التكنولوجيا الجديدة تدخل فى كل سلاح ومعدة. حتى أن الحروب التى قامت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، سواء فى كوريا أو فيتنام أو غيرهما، كانت كلها من طرف واحد قوي، يستخدم معداته وأسلحته، دون وجود مقاومة منظمة من الجانب الآخر. فلم يظهر فكر جديد فى أساليب القتال، أو فى استخدام معدات القتال.
رابعاً: أن الجيش الإسرائيلى دخل هذه الحرب، معتمداً على انتصاراته فى عمليات 1967، سواء على الجبهة المصرية أو الأردنية أو السورية. فقد حقق سمعة لا بأس بها، قياساً بكافة المدارس العسكرية، التى أعتبرته مثالاً، يمكن الاحتذاء به، وتطبيقه، وتنفيذه فى حالات أخرى ... ولعل الضربة الجوية الإسرائيلية، ضد مصر، عام 1967، كانت، من وجهة النظر العسكرية، أكبر دليل على ذلك. إلا أن ما أظهره الجيش المصري، خلال حرب 1973، من أداء عسكرى متميز، أجبر، جميع المراكز البحثية، ومعاهد الدراسات الإستراتيجية، والمحللين العسكريين، أن يدرسوا، وأن يحللوا كيفية نجاح هذا الجيش، فى إلحاق هذه الهزيمة بجيش الدفاع الإسرائيلي، ويقطع اليد الطولى (الطيران الإسرائيلي)، التي، طالما، تغنت بها إسرائيل بعد حرب 1967.
خامساً: عنصر المفاجأة، الذى حققته القوات المسلحة المصرية، على المستويين الإستراتيجى والتكتيكى... أما على مستوى الأداء.. فقد دفع ذلك «حاييم هيرتزوج» الرئيس الأسبق لإسرائيل، ومدير استخباراتها الأسبق، أن يكتب فى مذكراته عن حرب أكتوبر، والتى نشرت فى كتاب، «أن على جيش الدفاع الإسرائيلي، مستقبلاً، أن يكون قادراَ على التشبه بنبات البانتا، الذى ينحنى أمام الضربات الأولى، المخططة، والمنظمة للقوات المسلحة المصرية... ثم ينهض بعد ذلك ليكيل له الضربات ... فالضربات الأولى، المخططة، للجيش المصري، دائماً ما تكون قوية .. وسريعة ... ومؤثرة.»
سادساً: ما حققته القوات المسلحة المصرية، من إنجازات، خلال حرب الاستنزاف ... ولعلنا نذكر عملية إغراق المدمرة «إيلات»، تلك العملية التى أدت إلى تغيير نمط التسليح وأسلوب القتال للقوات البحرية فى العالم بأسره. كذلك بناء حائط الصواريخ المصري، غرب القناة، فى فترة الاستنزاف ... ودوره الرائع، أثناء الحرب، فى تحييد القوات الجوية الإسرائيلية، ومنعها من التدخل فى عمليات عبور القوات المصرية للقناة.
سابعاً: التكتيكات، وأساليب القتال الجديدة، التى نفذتها القوات المصرية فى هذه الحرب، مما دفع المحللين العسكريين، إلى دراستها، والاستفادة منها.
ولعل ما يدعوني، ويدعو العسكرية المصرية، للفخر ... هو أن جميع المعاهد العسكرية، حول العالم، وخاصة ذات العقيدة الغربية منها، اعتبرت الدروس المستفادة من حرب أكتوبر 73، جزءاً لا يتجزأ من مناهجها الدراسية فى دورات قادة السرايا، والكتائب، والألوية، وكلية أركان حرب، وكلية الدفاع الوطني، فقد كان تفوق القوات المسلحة المصرية، سبباً فى تغيير العديد من مفاهيم القتال فى العقيدة القتالية الغربية.
وجاءت بشائر تأثيرات التغيير أثناء حرب الاستنزاف المصرية، وذلك بعد إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات» ... حيث بدأت القوات البحرية، فى كافة الدول، فى التوقف، تدريجياً، عن بناء المدمرات الكبيرة ... وحاملات الطائرات ... والطرادات، ويبدأ الاعتماد على اللنشات السريعة ... الصغيرة ... ذات السلاح المتطور، لتأمين السواحل، والمياه الإقليمية. وشرعت الدول فى تطوير التدريع لهذه اللنشات، وتسليحها، مع التركيز على وسائل الحرب الإلكترونية بها ... والأجهزة الإلكترونية المضادة ... وأجهزة الرادار والتشويش ... الخ. واليوم، أصبحت اللنشات الصاروخية، هى القوة الضاربة للقوات البحرية، فى معظم الدول الغربية، وخاصة فى أعمال تأمين القطع البحرية الكبيرة. وهكذا، ومع انتهاء حرب أكتوبر 1973، قامت الدول الغربية بإعادة تنظيم وتسليح قواتها البحرية، إنطلاقاً من الفكر الجديد، المعتمد على الخبرة والتجربة المصرية. ومع بداية عصر إلغاء حاملات الطائرات الكبيرة، ظهر بناء حاملات المروحيات، ذات الحجم الصغير ... والقوة النيرانية الكبيرة.
أما التأثير الثانى فى تغيير المفاهيم القتالية فى العقيدة الغربية، فكان فى مجال القوات الجوية، حيث أنه طبقاً لمفاهيم مبادئ القتال، فإن عمل القوات الجوية كان يعتمد من قبل على عنصرين هما «السيادة الجوية» Air Supremacy، بمعنى أن القوات الجوية تسيطر على ميدان القتال الجوى بالكامل، ولا تسمح للقوات الجوية المعادية بأى نشاط. والعنصر الثانى كان «السيطرة الجوية» Air Superiority، وهذه السيطرة تكون على ميدان القتال بالكامل، أو على جزء منه، أو لوقت محدد، وفيها يمكن أن تنشط القوات الجوية المعادية بتنفيذ بعض الأعمال. وخلال حرب أكتوبر، أضافت القوات المسلحة المصرية عنصراً ثالثاً، فى مفاهيم أسلوب استخدام القوات الجوية، وهو «تحييد القوات الجوية المعادية» Neutralizing Enemy Air Force، وهذا المفهوم الجديد، يعنى أنه بالرغم من أن القوات المعادية، لديها قوات جوية ... قوية ... ذات كفاءة عالية ... وبأعداد كبيرة، تحقق لها السيطرة الجوية ... إلا أنها لا تستطيع المشاركة فى ميدان القتال ... فقد ظلت القوات الجوية الإسرائيلية عاجزة عن تقديم أى عون جوى لقواتها الأرضية، نتيجة لنجاح المصريون فى بناء حائط للصواريخ على الضفة الغربية للقناة، يمنع القوات الجوية الإسرائيلية من توفير غطاء جوى لقواتهم البرية، فى الهجمات المضادة ضد القوات المصرية، التى اقتحمت قناه السويس. ولعل أبلغ دليل على ذلك، كان التحذير الذى أطلقه قائد القوات الجوية الإسرائيلية، أثناء الحرب، لقواته، بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلومترا، وجاء هذا التحذير فى رسالة مفتوحة ... غير مشفرة ... لضمان سرعة وصولها لجميع قواته! وظلت محاولات القوات البرية الإسرائيلية بتسديد ضرباتها المضادة للقوات المصرية، التى عبرت القناة، دون أى مساندة جوية. وهكذا نجح حائط الصواريخ المصري، فى بتر «اليد الطولى» لجيش الدفاع الإسرائيلي.
وامتدت التأثيرات إلى تأثير ثالث، وهو إمكانية قتال عناصر المشاة المترجلة، دون قوة الصدم (الدبابات). فقد كان المفهوم قبل حرب أكتوبر 73، أن قوات المشاة لا يمكنها التمسك بالأرض، منفردة، دون قوات مدرعة لأكثر من 3-4 ساعات، وهو ما كان ينطبق، غالباً، على قوات المظلات، أو على القوات المبرة جواَ، والتى تسقط بعيداً عن القوة الرئيسية. ولذلك كان من الضرورى أن تلحق بها القوات الرئيسية، وخاصة المدرعات، فى مدة لا تزيد عن 3-4 ساعات. ولكن جاءت حرب أكتوبر، وبتخطيط رائع وضعه المصريون، فى التوجيه رقم 41، الذى تم إعداده بمعرفة لجنة رأسها الفريق/ سعد الشاذلي-رئيس الأركان، الذى أتاح لقوات المشاة العبور، بدون دعم، لمدة 12 ساعة، هى مدة إتمام إنشاء الكباري، وعبور الدبابات. وهو ما تم التخطيط له باستخدام الأسلحة المضادة للدبابات، وبحسابات دقيقة للموجات الأولى من المشاة المترجلة، فتمكنت من صد، وتدمير الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية شرق القناة فى «خط بارليف». وهذا أمر، لم يكن لأى مخطط عسكرى أن يقبل به، قبل حرب أكتوبر 1973. فقد تم التخطيط لدعم كل كتيبة مشاة مترجلة بعدد من قواذف «أر.بي.جي»، ومعها الذخيرة الكافية ... حملها الجنود المشاة، ومعهم، لأول مرة، صواريخ المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، المالوتيكا الروسية. وبالرغم من أنها كانت من الجيل الأول، الذى كان يوجه بالسلك، وتتعرض دقة الإصابة لقدرة الجندى على التوجيه تحت نيران العدو، إلا أن كتيبة المشاة المترجلة، فى رأس الكوبري، نجحت فى صد الهجمات المضادة للمدرعات الإسرائيلية. أما المفاجأة الأخيرة، فى التوجيه 41، تمثلت فى أن كل جندى كان يحمل على صدره وظهره لغم مضاد للدبابات، فتكونت، لأول مرة فى تاريخ الحروب الحديثة، ما يعرف باسم «الستارة المصرية المضادة للدبابات». ويمكن الرجوع لقانون القتال البريطاني، فى بند القتال فى الأراضى الصحراوية، والأراضى المفتوحة، لتجد هذا البند ينص على استخدام «الستارة المصرية المضادة للدبابات»، مشيراً لأنها نتاج فكر المصريين فى حرب أكتوبر.
أما التأثير الرابع، فكان «الحصار البحرى عن بُعد» Distant Naval Blockade، حيث أشارت المراجع العسكرية الغربية، إلى أن المصريين نجحوا فى غلق مضيق باب المندب ضد الملاحة الإسرائيلية ... فيما يعد أكبر مفاجأة من مفاجآت حرب أكتوبر ... حيث استخدم المصريون قواتهم البحرية فى باب المندب، بعيداً عن القوات الجوية لجيش الدفاع الإسرائيلي. فقد كانت كل تقديرات جيش الدفاع الإسرائيلى تعتمد على أن أى تفكير مصرى لإغلاق الملاحة الإسرائيلية فى البحر الأحمر، سيتم من خلال مضايق تيران وصنافير، واثقة بأنها ستكون، حينئذ، فى مدى القوات الجوية الإسرائيلية. وبذلك أظهر المصريون براعتهم فى إغلاق الملاحة، بإعلان تواجد قواتهم البحرية فى مضيق باب المندب، ليقف الإسرائيليون عاجزون، طيلة أيام القتال، عن أى رد فعل ضد هذا العمل، وظل ميناء إيلات مغلقاً تماماً. وعليه، فقد كانت أهم نقاط المباحثات، بعد توقف القتال، فى «مباحثات الكيلو 101»، أن طلب الإسرائيليين فتح مضيق باب المندب. وهكذا، ولأول مرة، بعد حرب أكتوبر، يظهر فى قوانين القتال البحرية، فى العقيدة الغربية، ذلك الفكر الجديد ... بعنوان «الحصار البحرى عن بُعد» Distant Naval Blockade .
وتمثل التأثير الخامس فى عنصر المفاجأة ... الذى يعد واحداً من أهم مبادئ القتال، فى جميع العقائد القتالية الغربية. فقبل حرب أكتوبر 1973، كانت كل المراجع العسكرية تشكك فى إمكانية تحقيق المفاجأة بكامل أبعادها ... المفاجأة الاستراتيجية، أو المفاجأة التعبوية، أو حتى المفاجأة التكتيكية، فى ظل التقنيات الحديثة ... ووسائل الاستطلاع والكشف المبكر ... والأقمار الصناعية. ولكن جاءت حرب أكتوبر، لتحطم كل هذه الافكار والمفاهيم؛ فحشد القوات المصرية كان موجوداً على القناة، ونجح المصريون فى إدخال قوات، وإخراج قوات من جبهة القتال. كما كانت أكبر المفاجآت، التى حققها المصريون، هى الهجوم على خط المواجهة بالكامل، بخمس فرق مشاة، فوجد الإسرائيليون، يوم السادس من أكتوبر فى تمام الثانية ظهراَ، المصريين يقتحمون القناة، الأمر الذى جعل من الصعب عليهم تحديد اتجاه الهجوم الرئيسي. لذلك عند شرح العقيدة القتالية الغربية، فى كتب علم فنون القتال «التكتيك» عن فترة المفاجأة، تجدها تؤكد إمكانية تحقيق المفاجآت، مرة أخرى، مع التطور الحديث فى التكنولوجيا للأسلحة، والمعدات الحديثة. وهو ما أكده نجاح المصريون فى حرب أكتوبر 1973، من مفاجأة الإسرائيليين بالحرب على كل جبهات القتال، وبعد اختيار منتصف النهار لبدء الهجوم، خاصة أن كل المراجع وقوانين القتال، كانت تؤكد أن أنسب توقيتات الهجوم يكون مع أول ضوء، أو آخر ضوء، وهذا ما حقق به المصريين المفاجأة مرة أخرى. فضلاً عن إجراءات المصريين الأخرى، مثل فتح باب العمرة للضباط قبل الحرب، وتسريح دفعات من الاحتياط، وغيرها، والتى كانت، كلها، من أعمال الخداع التى حققت المفاجأة.
وكان التأثير السادس فى إضافة بند جديد فى مبادئ القتال؛ حيث كانت مبادئ القتال، فى جميع العقائد القتالية، هى ... المفاجأة ... الحشد ... السرية ... الخداع ... المناورة ... الخ، فكان البند الجديد الذى تمت إضافته، بعد حرب 73، وهو استخدام «أساليب غير تقليدية فى الحرب الحديثة» Non-Conventional Methods in Modern Warfare. وعندما عرضت قوانين القتال الغربية هذا البند، فإنها بدأت منذ حصار طرواده، وصولاً إلى ما حققه المصريين فى حرب 1973، من فتح الساتر الترابى باستخدام خراطيم المياه، وهو ما لم يتوقعه الإسرائيليون، إضافة إلى إغلاق أنابيب النابالم فى خط بارليف.
أما التأثير السابع، فتمثل فى التأكيد على بعض مفاهيم القتال فى العقيدة الغربية، والتأكيد على صلاحيتها للتطبيق. فقد تم التركيز على مفهوم By-Pass Policy، وهى أحد أساليب الاختراق فى العقيدة القتالية الغربية، والتى تتلخص فى أنه خلال العمليات البرية، وفى حالة التوقف أمام أى دفعات لمدة طويلة، فإن القوة البرية لا تتوقف ... بل تستمر ... تاركة خلفها قوات لتثبيتها حتى تسقط، وتستمر باقى القوات فى الهجوم. وهو ما فعله المصريون فى حرب 1973، عند اقتحام خط بارليف ... فلقد اندفعت الخمس فرق المشاة المصرية، لعبور القناة، متقدمة إلى عمق سيناء، تاركة وراءها نقاط خط بارليف، تتساقط تباعاً. ولا شك أن وصول القوات المصرية المهاجمة خلف خط بارليف، قد أحبط القوات المدافعة الإسرائيلية، فى هذه النقاط؛ فمنها من تم اقتحامه بالقوات المصرية بعد ساعات، ومنها من استسلم ... وكانت أهمها نقطة لسان بور توفيق، التى استسلمت تماماً ... بكامل قواتها ... وأسلحتها ... وعتادها.
أما التأثير الثامن، فكان إضافة جديدة لمبادئ القتال فى العقيدة الغربية، وهو «النوعية»، حيث كان الاتجاه فى مقارنة القوات قبل حرب أكتوبر، يعتمد على أعداد الدبابات، والمدفعية، والطائرات، والغواصات، والمدمرات. ولعل أشهر هذه الدراسات ما يقدمه معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن (IISS)، فى تقريره السنوى الشهير «التوازن العسكري» The Military Balance. حيث كانت تتم المقارنة بين القوات العسكرية، لكل دولة، وفقاً لعدد المعدات والأسلحة التى تمتلكها ... إلا أن حرب أكتوبر 73، قلبت هذه الموازين تماماً. فقبل حرب أكتوبر، ظهر هذا التقرير ليوضح التفوق الكامل لإسرائيل ضد مصر وسوريا ودول الطوق ... وكانت هذه الحسابات لصالح إسرائيل ... وهو ما أقنع العديد، بأن مصر لن تغامر، قطعاً، بالحرب والهجوم على إسرائيل.
وجاءت حرب أكتوبر ... وظهر عامل جديد، لم يكن فى الحسابات قبلها ... وهو الجندى المصري، الذى قال عنه شارون، فى مناظرة عن حرب أكتوبر، أجراها معى شخصياً، وأذاعها التليفزيون البريطانى ... فعند سؤال الجنرال شارون عن وجهة نظره، فيما يراه المفاجأة فى حرب أكتوبر، هل كان توقيت الهجوم فى الثانية ظهراَ؟. هل كان اختيار موعد الهجوم، وهو عيد الغفران فى إسرائيل؟ هل كان الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية فى وقت واحد؟ ... هل ... هل ...؟؟ فجاءت إجابته أن المفاجأة الحقيقية، فى حرب أكتوبر، كانت الجندى المصرى فى عام 1973، الذى اختلف عن الجندى فى عام 1967، أو عام 1956! فالجندى المصرى عام 1973 كان من المؤهلات العليا (حاملى البكالوريوس) ... وروحه المعنوية عظيمة، وهو ما اعتبره أقوى من حساباتهم وتوقيتاتهم، ضارباً مثال اثناء هجوم منطقة الدفرسوار، إذ كان هو يقود سرية دبابات مكونة من 10 دبابات إسرائيلية ... فى اتجاه الإسماعيلية، و فجأة ظهر أمامه خمسة من «الكوماندورز» مصريين (يقصد من قوات الصاعقة)، ومن الطبيعى أن الخمس جنود، أمام عشر دبابات يعنى الموت المحقق لهم، إلا أن الكوماندوز الخمس نجحوا فى تدمير خمس دبابات إسرائيلية!!! وبالطبع استشهد هؤلاء الأبطال الخمس المصريين، وأصيب شارون فى هذه المعركة، وتم نقله لإسرائيل بعد ذلك. وأضاف شارون ... «أن هذا الجندى الذى قابلته فى حرب 1973 ... ليس الجندى المصرى ... الذى قاتلته فى حربى 1967 وفى 1956. وعليه، فإن مفاجأة هذه الحرب هى ... الجندى المصرى ... وليس غيره». مضيفاً «أنه يجب على إسرائيل أن تضع فى اعتبارها فى أى حرب قادمة ... نوعية هذا الجندى المصرى الجديد». ومن هنا، بدأت معاهد الدراسات الاستراتيجية فى إضافة بند جديد عند حسابات القوى ومقارنتها، وهو حساب «النوعية القتالية» ... و يقصد بها الفرد المقاتل، وكان ذلك بسبب ما حققه المقاتل المصرى فى حرب 1973 ... والذى كان عاملاَ غائباَ عن كل الحسابات والتقديرات السابقة، التى قادت إلى نتائج خاطئة. أما التأثير التاسع والأخير، فكان تغيير مفهوم «الدفاع المتحرك» Mobile Defense، فقد كان الأسلوب الدفاعى الذى تطبقه إسرائيل للدفاع عن خط قناة السويس، هو الأسلوب الأساسى فى الدفاع فى العقيدة الغربية، والذى يعتمد على وجود نقاط قوية على الخط الأمامى للدفاع، ثم تواجد احتياطيات قوية فى العمق، تواجه القوات المهاجمة فى مناطق احتواء، ومناطق قتل لتدميرها. وجاء هجوم القوات المصرية على المواجهة بالكامل، واختراقها للدفاعات الإسرائيلية ... فوجدت الاحتياطيات المدرعة الاسرائيلية نفسها حائرة فى العمق، لا تستطيع توجيه أى ضربات، وتشتتت الاحتياطيات الاسرائيلية أمام المواجهة بالكامل، وخسرت معركتها. وبانتهاء الحرب، بدأت قيادات حلف الناتو تطبيق مبدأ «الدفاع النشط» Active Defense، وهو الشكل الجديد للنظم الدفاعية، فى قانون القتال الأمريكى والبريطاني. أما فرنسا فلقد لجأت إلى تطوير الدفاع المتحرك بشكل جديد هو «الدفاع المتحرك العنكبوتي»، بما يثير الإعجاب والاحترام للقوات المسلحة المصرية ... إذ جاءت كل هذه الافكار الجديدة، فى تطوير قوانين القتال فى العقيدة الغربية، نتاجاً لخبرة قتال القوات المصرية فى حرب 1973.
خلاصة القول، أن ما حققه الفكر العسكرى المصري، فى هذه الحرب، هو جوهر التطوير والتحديث، فى مختلف المجالات العسكرية، فى العقيدة الغربية، سواء فى مجال التسليح، أو فى أساليب القتال. وسوف يظل الفكر العسكري، فى انتظار حرب جديدة ... تقليدية، يتم فيها اختبار كل ما تم الاستفادة به من حرب أكتور 73.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.