لا أحد من المستهلكين في مصر، يمكن أن يتوقع ثبات سعر سلعة أو منتج، سواء كان مستوردا بالكامل، أو كان يعتمد على مكونات مستوردة تدخل في تصنيعه محليا، أو سواء كانت تلك السلعة أو المنتج، مصنوعا من خامات محلية 100%، فالواقع يقول إن الأسواق المصرية بلا ضابط ولا رابط، والأسعار ترتفع بمبرر أو بدون مبرر.. سواء ارتفع سعر صرف الدولار أو انخفض، أو استقرت أوضاعه عند سعر محدد، ولو لفترة من الوقت.. وهنا يبقى المواطن ضحية حمى الأسعار التي تضرب الأسواق باستمرار ليظل ملايين المصريين من محدودي الدخل- وهم يمثلون السواد الأعظم من المواطنين - في حالة شقاء دائم، لتلبية احتياجات أسرهم البسيطة! فى النهاية، لا أحد يعرف سببا محددا لارتفاع الأسعار: هل هو بسبب جشع التجار نتيجة ضعف الرقابة على الأسواق؟.. أم بسبب ارتفاع الأسعار العالمية؟.. أم بسبب ارتفاع أسعار الخامات المستوردة؟!.. ويبقى السؤال: كيف يمكن مواجهة ظاهرة انفلات الأسعار؟ داخل أحد محلات الخضر والفاكهة بمنطقة الهرم، التقينا محمود الحسيني «موظف »، وسألناه عن الأسعار، فإذا به يصرخ من الارتفاع الجنوني في الأسعار، وارتفاعها باستمرار، لدرجة أنه لم يعد قادرا على تلبية احتياجات أسرته المعيشية من تكاليف الطعام، والملبس، والعلاج، وغيرها من احتياجات أسرته البسيطة، مؤكدا أن الأسعار ترتفع بدون ضوابط، وتواصل ارتفاعها يوميا، بسبب جشع التجار. ويتساءل: لماذا ترتفع أسعار الخضر والفاكهة بهذا الشكل الجنوني؟. فمن يصدق أن اقل صنف من الفاكهة يصل سعر الكيلو منه إلى 10 جنيهات أو يزيد.. باختصار التجار يرفعون الأسعار « بمزاجهم»، وبلا رحمة، لأنه لا أحد يتدخل لمحاسبتهم. مستلزمات الإنتاج بينما يبرر راضي محمد « تاجر خضروات وفاكهة» ، ارتفاع أسعار الخضر والفاكهة بسبب ارتفاع مستلزمات الإنتاج، كالتقاوي والمبيدات وأجور العمال، والنقل، بالإضافة إلى تراجع الإنتاج، بسبب التعدي على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية. اللحوم والدواجن أما اللحوم والدواجن والأسماك، فأسعارها كما يقول عبد الغني محمد موظف في إحدى الشركات تواصل ارتفاعها دون أي ضوابط، حيث يبلغ سعر كيلو الدجاج الأبيض 22 جنيها، أما الدجاج « البانيه» ، فقد ارتفع سعره في بعض المحلات إلى 52 جنيها للكيلو، بينما تراوح سعر كيلو اللحوم بين 80 و120 جنيها ، ما يضطرنا لشراء السلع والمنتجات من السيارات المتنقلة التابعة لجهاز الخدمة الوطنية، أو من المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين، هربا من جشع التجار واستغلالهم المستمر، حيث يرفعون الأسعار باستمرار. معدلات التضخم ومنذ أيام، كشفت تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع معدل التضخم الشهري خلال أغسطس الماضي بنسبة 2%، ليبلغ 194.9 نقطة مقابل 191.1 نقطة خلال يوليو الماضي، كما ارتفع معدل التضخم السنوي خلال الشهر الماضي بنحو 16.4% مقارنة بشهر أغسطس من عام 2015، وتحدث هذه الزيادة لأول مرة منذ ديسمبر 2008، مشيرا إلى أن معدل التضخم ارتفع في الفترة من يناير إلى أغسطس 2016 ليبلغ نحو 12.4% مقارنة بالفترة المناظرة من العام الماضي كما أن أسعار الطعام والشراب، قد ارتفعت خلال الشهر الماضي بنسبة 1.6%، وعلى أساس سنوي ارتفعت أسعار الطعام والشراب بنحو 20.1% مقارنة بشهر أغسطس من العام الماضي. أما معدل التضخم في الحضر ، فقد ارتفع في أغسطس الماضي بنحو 1.9% مقارنة بشهر يوليو السابق عليه ليسجل 190.1 نقطة مقابل 186.5 نقطة في الشهر السابق عليه، كما ارتفع على أساس سنوي بنحو 15.5% مقارنة بالشهر المناظر من العام الماضي، وفى الريف ارتفع معدل التضخم الشهري في أغسطس الماضي بنحو 2% ليبلغ 200.6 نقطة مقارنة ب 196.6 نقطة في الشهر السابق عليه، كما زاد على أساس سنوي ليرتفع بنحو 17.5% مقارنة بشهر أغسطس من العام الماضي. الحرب على الأسعار تسعى وزارة التموين لمواجهة أزمة ارتفاع الأسعار، والتصدي لجشع التجار من خلال تكثيف الرقابة من خلال الحملات المفاجئة على الأسواق، وكذلك من خلال تكثيف المعروض من السلع الغذائية الأساسية وتشمل السكر، والأرز، والدواجن المجمدة، والمسلى، والدقيق، والزبدة وغيرها من السلع فى فروع المجمعات الاستهلاكية، فضلا عن طرح كميات كبيرة من اللحوم البلدية والمستوردة، الطازجة والمجمدة، بأسعار مخفضة فى فروع المجمعات الاستهلاكية، وشركتى الجملة، ومنافذ البيع التابعة للشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، ومن خلال السيارات المتنقلة المبردة التى تجوب الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية، وليس بها فروع للمجمعات الاستهلاكية. وقد خصصت وزارة التموين والتجارة الداخلية الخط الساخن «19805» للإبلاغ عن شكاوى امتناع محطات الوقود عن البيع أو أي مخالفات بمحطات الوقود ، كما يستطيع المستهلك الإبلاغ عن شكاوى رفع أسعار كروت الشحن، عن طريق الخط الساخن رقم 19588 ، والخاص بجهاز حماية المستهلك، إلى جانب الخط الساخن رقم 16528 للإبلاغ عن مخالفات بيع كروت الشحن المحمول بأكثر من سعرها الرسمي، وتغريم المخالف 10 آلاف جنيه، وكذلك يستطيع المستهلك التقدم بشكاوى بيع الدواء بأكثر من السعر الرسمي بعد الزيادة المقررة مؤخرا، من خلال الهاتف رقم 25354150 بوزارة الصحة. الأسعار بلا ضابط ولا رابط! يروي الدكتور صلاح الدين فوزي أستاذ ورئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة المنصورة وعضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، تجربته الشخصية مع الأسواق مؤخرا، حيث يقول إن إجازة عيد الأضحى المبارك، كانت بمثابة فرصة حقيقية للتعامل المباشر مع الأسعار، حيث وجدت أن كروت شحن المحمول قد ارتفعت بنسبة 10% تلقائيا، ودون صدور قرار رسمي بذلك، فضلا عن استيلاء العاملين في محطات الوقود على 5 جنيهات عنوة، ودون وجه حق، بينما تطرح بعض معارض السيارات سعرا مبدئيا ، خشية ارتفاع سعر صرف الدولار، وبعضها يؤجل التسليم لشهرين، وبين يوم وليلة يزيد سعر المنتج بفعل جشع التجار، دون سند من القانون، وتلك في تقديري ظاهرة خطيرة، سيترتب عليها نتائج كارثية منها استعداء المستهلك على الدولة باعتبارها المسئولة قانونا عن ضبط الأسعار، ومراقبة الأسواق، فضلا عن بث بذور الكراهية تجاه الدولة، وتكريس العدوانية في العلاقة بين مواطني الدولة( البائع والمشتري)، وسيادة مشاعر الاستعداء بين المستهلك والتاجر. تفعيل القانون ويلزم لمواجهة تلك الظاهرة والكلام مازال للدكتور صلاح الدين فوزي- عدة بدائل، منها نشوب مشاجرات ونزاعات قضائية بين التاجر والمستهلك، وانتقال الصراع لساحات المحاكم، في إطار منازعة قضائية قد تستغرق سنوات، وتسود مشاعر العداء بين المواطنين، وتضيع المسئولية، وهذا أمر استبعد حدوثه، إذ ليس من المعقول أن يقوم المستهلك بتحرير محضر عن السلع التي تباع بأسعار مخالفة عدة مرات يوميا، أما البديل الثاني فهو مقاطعة الشراب والطعام ومحطات الوقود، وهذا يعني مقاطعة الحياة بأكملها، فيما ينحصر البديل الثالث- وهو ما أميل إليه- في أن تقوم الدولة مؤسساتها وأجهزتها الرقابية، بتنفيذ ما يمليه عليها القانون حماية للمواطن، بحيث يتم فرض سطوة القانون دون الاحتكام لضمائر التجار التي غابت عن معظمهم بصورة تامة، مشيرا إلى أن تنفيذ القانون لن يكلف الدولة وأجهزتها ومؤسساتها شيئا، ومن ثم ينبغي تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، حيث لا توجد مشكلة ليست قابلة للحل إلا في أذهان من يحلو لهم هذا الاعتقاد، كما أن الرقابة الصارمة وتطبيق القانون ستحول دون جشع التجار ومخالفتهم للأسعار المقررة. أسباب عديدة ولابد أن نؤكد منذ البداية أن هناك عناصر رئيسية وراء ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، ومن ذلك كما يقول أحمد خزيم الخبير الاقتصادي- الانخفاض في مخزون القيمة الشرائية للجنيه نتيجة تحرره، فضلا عن العجز في الموازنة بين الصادرات والواردات والذي يقدر بنحو 60 مليار دولار، فضلا عن السياسة النقدية المصرية والتي تحتاج إلى مراجعة عاجلة، هذا من ناحية العملة، أما من ناحية السوق، فنحن نلحظ عدم مرونة في الاقتصاد المصري الإنتاجي، والزراعي، بأن يكون صاحب إنتاجية أعلى، وسبب ذلك يرجع إلى قوانين مقيدة وإجراءات عقيمة، اعتمدت لمدة 30 عاما على تعظيم قيمة الاقتصاد الريعي، والاقتصاد الذي يعتمد على جلب العملة الصعبة من السياحة، وعائدات قناة السويس، وتحويلات المصريين بالخارج، ما أدى لتعطيل قواعد الاقتصاد الزراعي بشقيه ( الإنتاج والتصنيع)، إضافة إلى عدم استغلال الاقتصاد البحري المصري، فضلا عن تباطؤ قواعد الإنتاج، كما أن تم الاقتصاد المصري انتقل خلال المائة سنة الأخيرة- من النظام الاشتراكي إلى اقتصاد السوق دون تغيير آليات منظومة التشريعات والإدارة. الحل كما يراه خزيم- يكمن في ضرورة إصدار حزمة قوانين، منها تعديل قانون تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار، وكذلك إصدار قانون هامش الربح الذي يسمح للمنتج بالحصول على نسبة ربح قدرها 25%، وتجريم ما يتجاوز تلك النسبة، وإقرار نظام حق الانتفاع للمنشآت المغلقة التابعة للحكومة وقطاع الأعمال والمحليات، وإنشاء هيئة للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، بحيث تتولى مسئوليتها من حيث التمويل والإشراف، حتى لا يتم تفريقها بين 5 وزارات كما هو الحال حاليا، وكذلك ينبغي مراجعة النظام الضريبي بشكل متكامل وليس عشوائي، ولدينا قطاع مهم في مجال ضبط الأسعار ولم يحظ بالاهتمام الكافي من الدولة والقطاع التعاوني الزراعي والإسكاني، والذي يضم نحو 40% من الاقتصاد المصري، مشيرا إلى أن الأسواق لا تحتمل إجراءات عنيفة، لأن مثل هذه الإجراءات العنيفة تسهم في تعقيد الأزمات ولا تحلها، وإذا كنا نعترف بأن الجشع قد أصاب العديد من التجار، وسماسرة الأزمات، ، فهؤلاء يجب أن نواجههم بالقانون، كما ينبغي تضييق الفجوة بين المنتج والمستهلك، وتاجر الجملة والتجزئة، والاعتماد بشكل أكبر في منظومة النقل على النقل النهري، حيث يسهم النقل النهري في تخفيض تكلفة النقل، ومن ثم تخفيض سعر السلع، كما ينبغي تكثيف الرقابة على الأسواق، وتقديم الدعم الفني لجمعيات حماية المستهلك، وتفعيل دورها في توعية المستهلك، والرقابة على الأسواق، وكذلك تفعيل دور جهاز حماية المستهلك، لضبط التجار، والمحتكرين، وسماسرة الأزمات، وضبط إيقاع الأسعار. تكثيف الرقابة أما لماذا ترتفع الأسعار بهذا الشكل الجنوني ، فالإجابة تأتى على لسان الدكتور عبد النبي عبد المطلب الخبير الاقتصادي- والذى يرى أن ارتفاع الأسعار محليا يرجع لأسباب عديدة منها ، عدم استقرار سعر صرف الدولار، وارتفاع تكلفة نقل البضائع، بسبب رفع الدعم عن الوقود، الأمر الذى أدى إلى تحميل هذه التكاليف على السلع المبيعة، إلى جانب غياب الرقابة الفعلية على الأسواق، ما يستلزم تفعيل دور أجهزة الرقابة على الأسواق، وكذلك تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك، واتحادات المستهلكين، وتوعية المستهلك بضرورة الإبلاغ عن أي محاولات لرفع الأسعار، والتصدي لجشع التجار.