عجزت الحكومة عن إيجاد حلول جذرية للارتفاع الجنوني الذي تشهده الأسواق المصرية, ولم تنجح أفكار الحكومة الاسترشادية في تحقيق العدالة الاجتماعية التي خرج من أجلها المصريون في ثورتين خلال الأعوام الثلاثة الماضية. أصابت أسعار السع الغذائية والخضراوات والفاكهة الجنون, ولم تنجح قرارات وزير التموين الدكتور محمد أبوشادي وجولاته في السيطرة علي الأسواق, وظلت الفاتورة دائمًا يدفعها المواطن الفقير. وصل سعر الكيلو من البطاطس 'غذاء الغلابة' لأكثر من سبعة جنيهات ولم يعد باستطاع الأسر الفقيرة اقتناؤها!! وامتد الارتفاع إلي جميع السلع وظل المسئولون كعادتهم يلقون اللوم علي التجار وجشعهم وغياب الرقابة, وعدم قدرة شرطة التموين علي إقامة حملاتها في ظل حالة الاحتقان التي يشهدها الشارع المصري. طالب البعض بتفعيل القانون ومحاسبة التجار المحتكرين, إلي جانب العودة للعمل بنظام المجمعات الاستهلاكية إلا أن هذه الحلول تبقي في حيز التنفيذ لحين وجود مسئولين يشعرون بمعاناة المصريين ويسارعون بالحل، إما مسئولون يحلون المشكلات الحيوية من مكاتبهم الوثيرة وبجولات من أجل الشو الاعلامي فلن تحل المشكلة. ارتفاع غير مسبوق تشير مها أحمد موظفة بإدارة الأوقاف إلي أن المرتب أصبح لا يكفي عشرة أيام فقط، وهذا الارتفاع في الأسعار لم تشهده مصر منذ نصف قرن، ولابد ان ينظر المسئولون للغلابة لأن انفجارهم هذه المرة لن يأتي بخير أبدًا. كيلو البسلة وصل 12 جنيهًا غير الطماطم والبطاطس، وطبعًا اللحوم والدواجن أصبحت رفاهيات لا نقدر عليها، غير ميزانية الدروس الخصوصية والأدوية إذا وجد مريض بين أفراد الأسرة حرام. وتضيف هالة عبد الله ربة منزل: مع انني زوجة طبيب والمفروض ان دخلنا معقول فإننا أمام غلاء الأسعار لا يكفي الدخل خمسة أيام من الشهر، أصبحنا نعيش علي الأقل ونتنازل عن الضروريات ولكن لابد من حل سريع ينقذ المصريين الذين أصبحوا علي وشك الانفجار. أما محمود عبد العاطي موظف بشركة الحديد والصلب المصرية فيقول خمسة آلاف جنيه شهريا لا تكفي أسرة مكونة من خمسة أفراد رغم ان نصف هذا المبلغ كنا ندخر منه منذ سنوات قليلة، تنازلنا عن الضروريات ورغم ذلك نعاني لابد من إحكام السيطرة علي الأسواق حتي يرتدع التجار ويرحمونا!! التجار كان لهم رأي مغاير حيث يقول حامد سلامة تاجر خضر: التاجر مضرور من ارتفاع الأسعار لأنه تسبب في تراجع حركة البيع والشراء، حيث أدي إلي انخفاض معدل بيع الخضر بشكل ملحوظ خاصة أن زيادة الأسعار ستستمر, والتاجر معذور لأنه يريد الربح وليس الخسارة والخضر تأتي إلينا بأسعار مرتفعة وتتم إضافة مصاريف التخزين والنقل عليها مما يؤدي إلي وصولها للمستهلك مرتفعة. اختفاء الرقابة حدد الدكتور محمود عبد العال أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أسباب الارتفاع الجنوني للأسعار الذي تشهده مصر في اختفاء الرقابة علي الأسواق، وأكد أن وزارة التموين ليست لديها سيطرة علي ضبط الأسواق مما سهل عمل التجار الجشعين، وللأسف قد يقول البعض إن ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع سعر الدولار، وهذا كلام غير صحيح، ومخالف تمامًا للحقيقة, لأن جميع مدخلات الزراعة محلية, ولا تؤثر تكلفتها في رفع سعر الخضراوات والفاكهة بشكل مؤثر. وحذر عبد العال من ارتفاع معدلات التضخم حيث ارتفع بنسبة 1.2% مقارنة بشهري سبتمبر وأكتوبر، كما ارتفع معدل التضخم السنوي مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي ليسجل 11.5 في المائة ليصل إلي 143.3 نقطة ليبلغ أعلي مستوياته خلال العام الجاري. وطالب بوضع أطر تنافسية تشارك فيها الدولة عبر شبكات التوزيع والمجمعات الاستهلاكية، والتوسع في الهايبر ماركت، ويجب ألا تفرض الحكومة التسعيرة بقدر ما تتحكم في السوق الذي يحكمه العرض والطلب في جانب العرض وأن تفرض رقابتها علي السوق. وأشار إلي انخفاض الأسعار في العديد من بلدان العالم فقد وصل انخفاض أسعار اللحوم إلي 11.5%، بينما ارتفعت في مصر بمقدار 5.5% وكذلك الدواجن انخفضت بمقدار 8.5%، وارتفعت محليًا بمقدار 28% والسمك ارتفع محليًا بمقدار 5%، بينما تراجع في العالم بمقدار 20%، ويكفي أن سلعة مثل الأرز ننتجها محليًا ارتفعت أسعارها محليًا 23%، بينما تراجعت عالميًا بمقدار 18.5% وهذا يعني اننا أمام عصابة من التجار تتحكم في الأسواق وتذيق المصريين الأزمات دون سبب ومواجهتها تكمن في إحكام الرقابة. فاتورة الغلاء تؤكد الدكتورة سعاد صالح أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة ان من يدفع فاتورة الغلاء للأسف هو المواطن المصري الكادح، لأن لدينا حكومة تدير الدولة بنظام 'اليوم بيومه' ولا تتجه أبدًا إلي النمو واتخاذ خطوات تنافس بها الدول المتقدمة. كما ان التضخم هو القاتل ال صامت الذي يتوغل في صمت حتي يصل إلي عمق العمق، وإن ترك دون علاج ستدخل بالاقتصاد الكلي ثم الجزئي علي مستوي الشركات والقطاعات إلي غياهب الجب. وطالبت صالح بأن تكون هناك فاعلية لجهاز حماية المستهلك من خلال مقاطعة هذه السلع لإجبار التجار علي خفض الأسعار والعمل علي زيادة الرقعة الزراعية حتي يمكن الوفاء بارتباطاتنا تجاه السوق الخارجي وكذلك سد احتياجاتنا المحلية منها. وانتقدت سياسة الحكومات السابقة في تخصيص ما يقرب من 5 مليارات جنيه لشراء القمح سنويا من دول أخري وأكدت ان الفلاح المصري كان هو الأولي بتلك المليارات لتشجيعه علي زراعة هذا المحصول وزيادة الإنتاجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي منه.