تزايدت الاتفاقات غير المكتوبة وغير المعلنة فى سوريا وتداخلت وتشابكت، والدور الإسرائيلى فى المعادلة بات أكثر فجاجة؛ ففى الوقت الذى تصر فيه الولاياتالمتحدة على أن تبقى بنود الاتفاق الأمريكى الروسى فى سوريا سرية، وتزعم مرارا وتكرارا أن هجماتها على الجيش السورى من جانب وإلقاء أسلحة وذخائر لداعش يتم عن طريق الخطأ!! بات الدور الإسرائيلى فى إفشال جهود إحلال السلام والتوصل لتسوية مرضية لكل الأطراف توقف نزيف الدم فى سوريا.. صريحا صداميا، مما جعل رد دمشق «بالتنسيق مع موسكو» هذه المرة مختلفاً أيضا! على مدار السنوات الماضية قبل 2011 وبعدها عمدت تل أبيب كسر هيبة الدولة السورية وإحراجها والبرهنة على عدم قدرتها على السيطرة المركزية على كامل أراضيها فتم تسريب تقارير مفادها تمكن الطائرات الإسرائيلية من التوغل حتى أحد قصور الرئاسة (يونيو 2006) فضلا عن هجمة فى ذكرى حرب أكتوبر (أكتوبر 2003)، وعملية أوركاد (سبتمبر 2007) ارتكازا على تقارير استخباراتية أمريكية «ثبت أنها خاطئة على غرار مزاعم خاطئة شبيهة فى العراق ثم كوريا الشمالية» وكانت الحجة الإسرائيلية أنها تضرب مفاعلا نووياً سورياً، فى حين أنها تركت النشاط النووى الإيرانى العلنى دون موقف ميدانى عدائي! بغض النظر عن تقرير صحفى فى صنداى تايمز تحدث منذ نحو عشر سنوات عن خطة إسرائيلية لتفجير المفاعل بكلاب مفخخة» يتم تهريبها عبر تركيا! التدخل الإسرائيلى فى سوريا لمصلحة المعارضة المسلحة ولمصلحة داعش والنصرة (جبهة فتح الشام بمسماها الجديد) رصدته قوات الأممالمتحدة فى الجولان؛ فبعد نجاح المخطط الإسرائيلى الرامى لسحب الأممالمتحدة لقواتها من الجولان، بدءاً من عام 2013 انتقلت قوات الأممالمتحدة إلى الجانب الإسرائيلى المُحتل من الحدود.. وسعت تل أبيب إلى إفشال اتفاق وقف إطلاق النار الذى تم قبيل عيد الأضحى بتفاهمات روسية، وسارعت تل أبيب بقصف متكرر لمواقع الجيش العربى السورى بحجة أنه االمسئول عن أى قذائف تجتاز الحدود فى الجولان حتى ولو كانت بطريق الخطأ، حتى ولو كانت من جانب جبهة النصرة (فتح الشام) وغيرها من الميليشيات المسلحة فى ذات المنطقة!! وهو منطق مغلوط يكشف أن القصف المزعوم هو مجرد ذريعة. وعلى رأس الأهداف الإسرائيلية اسقاط حل اسوريا المفيدة (الاكتفاء بالسيطرة على المدن الرئيسية والساحل وترك المناطق غير المأهولة خاصة فى الشمال) الذى سبق لبشار الأسد أن لوح به ويبدو أن الاتفاق الروسى الأمريكى أقره سرا. وبشكل موازٍ حدث متغير من جانب الجيش السورى بإطلاق صواريخ تجاه الطائرات المغيرة مما أسفر «حسب دمشق» عن إسقاط مقاتلة وطائرة دون طيار.. وهو ما لم يكن يحدث سوى بتنسيق كامل مع موسكو.. التى تنسق منذ أكتوبر 2015 مع الطيران الإسرائيلى حتى لا يحدث اشتباك غير مقصود بين الجانبين. وتمثل الرد الغربى على تلك الخطوة السورية فى ضربة شاركت فيها أربع طائرات من أربع دول (هى أمريكا والدنمارك واستراليا وبريطانيا) ضد موقع تتمركز فيه قوات بأسلحة ثقيلة للجيش العربى السورى فى دير الزور أسفرت عن سقوط أكثر من 80 شهيداً ونحو مائة مصاب. «خطأ» واشنطون المزعوم ساعد «داعش» على التقدم مجدداً فى دير الزور!! دمشق من جانبها أعلنت انهيار الهدنة. ويبدو أن «إدارة سوريا» فى المخابرات الحربية الإسرائيلية (أمان) ومراكز الأبحاث التابعة لها مهدئا للهجمات المتتالية والمكثفة بغطاء إعلامى يزعم بأن سكان المستوطنات فى الجولان باتوا فى خطر ويطالبون اليمينى المتشدد أفيجدور ليبرمان بصفته وزيراً للدفاع برد قوي. وفى الوقت ذاته حذر محلل إسرائيلى من أن الصاروخين اللذين تم إطلاقهما على الطائرات الإسرائيلية كانا بمثابة رسالة مفادها أن الطائرات الإسرائيلية قد يتم اسقاطها فعلا فى المرات القادمة. والملاحظ أن الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع الجيش السورى تمت حتى فى ذروة الهدنة، بحجة أن الهدنة لم تشمل جبهة النصرة (جبهة فتح الشام) وبالتالى الاشتباكات دائرة طوال الوقت. وهو ما لا يمكن تفسيره بمعزل عن عمليات موثقة بالفيديو لتسلم عناصر النصرة لصناديق طعام وذخيرة وطلب «داعش» من إسرائيل إنقاذ حياة أحد عناصرها فى الجولان بعد تعرضه لاصابة على يد الجيش العربى السوري..واستجابة إسرائيل الفورية فى مايو 2015 وحوادث أخرى مماثلة. ويبدو أن الهدف التكتيكى العاجل بالنسبة لإسرائيل هو افساد بند الاتفاق الأمريكى الروسى المعنى بفصل «داعش» والنصرة وبقية الفصائل الأكثر دموية عن صفوف المعارضة التى تصفها أمريكا بأنها معتدلة..وكان هذا سيعجل بسقوط الميليشيات بالكامل، لأن النصرة، و»داعش« يسيطران على أغلب المناطق التى تسيطر عليها الجماعات المسلحة، والهدف الاستراتيجى هو ترسيخ مفهوم الدولة الفاشلة فى سوريا، مما يجعل الرأى العام العالمى يتقبل حق إسرائيل فى السيطرة على الجولان بالكامل بحجة الدفاع عن تجمعاتها السكنية هناك. وبقى أن يبادر الجانب العربى بخطوات مراجعة تاريخية تعلن مساندتها للشعب السورى ودعمها لوقف نزيف الدم بإعطاء الأولوية لاجتثاث الإرهاب والإرهابيين من سوريا وفضح من يشترون منهم النفط ويوردون لهم السلاح حتى يستمر التفتيت إلى ما لا نهاية ويجر لخانة الدول الفاشلة دول عربية أخرى كما تتمنى إسرائيل. لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور