وسط الأفراح الأسطورية التي تستمر أسبوعا في أحد مراكز محافظة القليوبية تزوج «بكر» من الفتاة التى أحبها رغم الصراعات العائلية التى كادت أن تحول بين زواجهما فهو ابن لأحد الأعيان ودائما ما يتم التزويج بناء على تزاوج المصالح أو في أحسن الأحوال بين العائلات الكبيرة في القرية، الا أن هذا الشاب المصري الأصيل انتصر لأحكام الهوى وحطم العاهات والتقاليد على بوتقة القلب . رضخ كل أفراد العائلة لهذه الزيجة ومضت الأمور على مايرام بعدما بذلت العروس كل ما في وسعها للفوز بمحبة هذا المحيط العائلي ، ولكن دراما القدر نغصت حياتهم حين تأخر «الحمل» ولم ييأس الحبيبان، وبعد طول انتظار والسعي والطواف على كل ما تيسر من الأطباء تم المراد من رب العباد وأنجبا ولدهما «إسلام» الذي توج هذا الحب وبذلا كل ما يمكن من رعاية واهتمام وتعليم لإنبات هذا الزرع الطازج الذى وصل الى نهاية المرحلة الثانوية . ونتيجة طبيعية للحالة التعليمية في مصر فإن طقوس شبح الثانوية العامة تبدأ قبل بداية الموسم الدراسي فيغرق الطلبة والأهالي معا في ساقية الدروس الخصوصية مع بداية الإجازة الصيفية، وذات صباح استيقظ «إسلام» منتشيا يوزع ابتساماته المجانية على جميع أفراد أسرته ودخل حجرة جدته لأبيه وقبلها واستئذنها للخروج الى الدرس مع صديقه ثم عاد وعانقها وطلب منها أن تطربه بدعواتها التى تشحن طاقته ، ثم فتح هاتفه المحمول ودخل على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك كعادة الشباب وكتب: «أشتاق الى الراحة يا رب فأرحني» ، وخرج الى منزل المدرس في القرية المجاورة وكان عليه هو وصديقه أن يعبرا «مزلقان» السكة الحديد الذي كان مفتوحا للمشاه على مصرعيه فمر صديقه وفجأة «فرمل» قطار غاشم دون سابق إنذار قذف ب «إسلام» صريعا على قضبان السكة الحديدة ونجا صاحبه !، وقد يعجز قلمي عن وصف حالة ذويه الذين كتب عليهم الموت وهم أحياء ، ربما لم يكن «إسلام» أول ضحية لحوادث القطارات في مصر التى وصلت الى العالمية خصوصا بعد قطار العياط 2012 م والذي راح ضحيته 500 فرد على الأقل ، وربما تكون تلك الحوادث ليست خاصة بمصر فقط فلن ننسى قطار سانت ميشيل دي ماوريني بفرنسا عام 1917 والذي راح ضحيته 1000 جندي نتيجة خطأ في الفرامل، ولا قطار توري ديل بييريزو الأسباني عندما اصطدم قطار فحم مع قطار نقل البضائع عام 1944 م وراح ضحيته 500 شخص، ولا بالفانو بإيطاليا في نفس العام حينما تحطم القطار في نفق نتيجة تحمله كمية ضخمة من الفحم وراح ضحيته اكثر من 600 شخص وكذلك قطار جوادالاخار في المكسيك عام 1915 .... الخ لكن اللافت للنظر يا سادة أن غالبية الحوادث العالمية كانت منذ أكثر من 10 عقود ولم نر في الألفية الثالثة حوادث قطارات على مستوى العالم كما يحدث في مصر . وكيف لمنظومة كهيئة السكك الحديدية الأقدم أن تسمح لقضبان القطارات أن تشق طرق تحفها المدارس والسكان بلا ضوابط أمنية ! كلنا يعي تماما أن الموت علينا حق وأن الأقدار حتمية ولكن دون أن نلقي بأنفسنا وشبابنا الى التهلكة ، فبعد أن كان القطار أكثر وسيلة مواصلات آمنة أصبح الأقرب الى المقابر !، ويا ترى كم أب وأم فقدا فلذات أكبادهم نتيجة لإهمال المسئولين أو سوء تخطيط المؤسسات أو التعليق على شماعة «إرث الفساد» !، ولا يسعنا الآن الا أن نترحم على شبابنا وعلى أنفسنا في انتظار قطار التغيير الذي تأخر طويلا .