لم يعد مقبولا أن يكون العالم مهتماً بمد يد العون والمساعدة للفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة، بينما الصراع ممتد بين فتح وحماس بسبب تمترس كل منهما خلف موقعه وتمسكه بشروطه، فلا حل لهذا الصراع إلا بالمصالحة الوطنية لإعادة القضية الفلسطينية إلى الصدارة، ولن يتحقق ذلك إلا بتحلى قادة الحركتين بالحكمة والشجاعة والالتزام بما يتفقون عليه، حتى لا يصدق فيهم قول العجوز الفلسطينية: «إن قياديى فتح وحماس يبدلون آراءهم- بشأن المصالحة الفلسطينية- مثلماً يبدلون معاطفهم وأربطة أعناقهم». فقد فشلت – كما كان متوقعا- مباحثات الدوحة، فى يونيو الماضى بين فتح وحماس وحققت «صفر نتائج» كغيرها من المباحثات التى عقدت بينهما، فى التوصل إلى حل لتحقيق المصالحة لعدة أسباب من أهمها غياب الإرادة السياسية لإنهاء الانقسام وإصرار كل منهما على المكاسب التى حققها ذلك الانقسام وتغليب مصالحه الحزبية والشخصية على المصلحة العليا الوطنية، وعدم رغبته فى دفع ثمن للمصالحة بتقديم بعض التنازلات. فلا تكاد تمر ساعات من تحديد موعد للقاء بين الرئيس محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، حتى يسارع عدد من قيادات الحركتين بتبادل الاتهامات بينهما وإطلاق تصريحات استفزازية لا توحى بأى أمل فى النجاح، حدث ذلك قبل لقاء المصالحة بالقاهرة بعشرة أيام. وإذا كان اتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية الذى وقعته الحركتان برعاية مصرية عام 2011، بمشاركة باقى الفصائل الفلسطينية – الذى كان شاملاً لكل التفصيلات والتخوفات والتحوطات والآليات – قد نص فى أول بنوده على تشكيل حكومة توافقية خلال شهر من توقيعه وإجراء انتخابات عامة بعد عام، فإن الحركتين قد اختلفتا بشأن رئيس الحكومة التوافقي، مما تسبب فى تعطيل بدء تنفيذ الاتفاق، وكأن الجانبين مصران على الفشل فى تنفيذ الاتفاق من أول بند فيه، ليصبح كغيره من الاتفاقات التى لحس الفلسطينيون بعدها ما اتفقوا عليه من مبادئ عامة سرعان ما تم الاختلاف عليها عند التطبيق انطلاقاً من مقولة «الشيطان يسكن فى التفاصيل» حتى قيل حينذاك إن توقيع حماس وفتح على اتفاق القاهرة لم يكن مشروعا للمصالحة الوطنية الحقيقية، ولم يعبر عن قناعة وإرادة حقيقية للجانبين، وما هو إلا اتفاق تكنيكي، فحماس لجأت للمناورة بالتوقيع عليه لسببين: أولهما كسب رضا مصر بعد نجاح ثورة 25 يناير وفتحها معبر رفح بشكل دائم وثانيهما أفول نجم الرئيس بشار الأسد (مؤيد حماس وحاضنها على طول الخط) وتفجر ثورة شعبه لإسقاط نظامه، أما فتح فقد وافقت على الاتفاق كورقة تكتيكية داعمة لها فى المفاوضات وكسب المزيد من التأييد الدولى للقضية الفلسطينية وكورقة أيضاً من أوراق الاعتماد للتوجه بها للأمم المتحدة لقبول فلسطين دولة (مراقب بها). وإذا كانت فتح وحماس شريكين متصارعين ومتشاكسين يعانيان من اختلافات أيديولوجية حادة وأزمة عميقة متبادلة فى الثقة بينهما، ومن التدخلات الخارجية فى القرار الوطنى الفلسطيني, فإن المطلوب منهما إدراك الأسباب والمعوقات التى تسببت فى تعطل المصالحة وإن كل يوم يمر على الانقسام الفلسطينى يخدم اسرائيل ويدفع ثمنه باهظاً الشعب الفلسطينى. واستطيع القول إن أمام فتح وحماس- إذا توافرت الإرادة والجدية لديهما- فرصة سانحة لتحقيق المصالحة الوطنية بقبول دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى التى أطلقها فى شهر مايو الماضى إلى الفلسطينيين بضرورة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية من خلال حوار شامل تشارك فيه كل القوى الفلسطينية التى وقعت اتفاق القاهرة فى 4 مايو 2014 برعاية مصر التى خاضت 4 حروب وقدمت التضحيات الجسام وأكبر قدر من الاهتمام والدعم للقضية الفلسطينية، فمصر إذا قالت نعم فاتبعوها وإذا قالت لا فاسمعوها، فمصر منزهة فى الأرب (الهدف) ومصر العلا وضمير العرب. لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين