بهدوء شديد جلست هيلارى رودهام كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطى لخوض الإنتخابات الرئاسية فى الولاياتالمتحدة، مع فريق إدارة حملتها الإنتخابية لبحث سبل مواجهة المنافس دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى وتم استعراض عدة ملفات من أهمها ذلك المتعلق بأعمال ترامب واستثماراته الخارجية. وفى الملف بدا من الواضح أن هناك «شيئا ما» يربط مصالح ترامب بتركياوالصين وغيرهما. وعندها أخذت السياسية المحنكة هيلارى قرارها بشن هجومها المكثف على الجوانب الإقتصادية والإستثمارية لمنافسها ترامب من جانب والإستعانة ب «الكرافتة الصينى» لخنقه و«الغرف التركية» لحرق أهم وأبرز أوراق حملته الإنتخابية. وضعت هيلارى خطتها بناء على عدة عوامل وعناصر أساسية تتمثل فى: 1 إدراك كل أمريكى أن تفوق أمريكا الاقتصادى هو حجر الزاوية كى تظل بلاده صانعة القرار الدولى، وهو ما يعنى من وجهة نظر أى مواطن أمريكى المزيد من النفوذ الدولى والمزيد من الأسواق والتصدير ومن ثم المزيد من فرص العمل والدولارات التى يتحصل عليها. 2 أن الولاياتالمتحدة تعانى من عجز هائل فى تجارتها مع العالم الخارجى. فقد صدرت بما يقدر ب «تريليون» ونصف التريليون دولار فى عام 2015 بينما استوردت من الخارج فى ذات الفترة بما يقدر ب 2 تريليون و347مليار دولار. 3 زيادة الإستيراد من الخارج تعنى المزيد من البطالة للأمريكيين وزيادة الصادرات تعنى المزيد من فرص العمل. 4 رصدت حملة هيلارى الأنشطة التجارية والإستثمارية لترامب فى الخارج. فهناك استثمارات لترامب فى مجال صناعة الملابس فى فيتناموالمكسيك، وهناك تشكيلة فاخرة من الكرافتات (رابطات العنق) لترامب يتم إنتاجها فى الصين. وفى بنجلاديش وهندوراس يستثمر ترامب فى إنتاج القمصان. أما تركيا فهناك استثمارات كبيرة له مع شركة «دوريا» التى تنتج أثاث الغرف وقطع الأثاث الثمينة. كما يتم تصنيع المكونات المعدنية الفاخرة لقطع الأثاث التى تنتجها الشركة فى ألمانيا. 5 رصدت هيلارى كلينتون ارتباط مواقف ترامب الخطابية السياسية بأعماله وتجارته الخاصة. وقد بدا الأمر شديد الوضوح عندما أشاد ترامب برئيس تركيا،أردوغان، وبالإجراءات القمعية التى اتخذها فى بلاده عقب محاولة الإنقلاب الفاشلة فى يوليو الماضي! وأشار فى حديث له إلى أنه فى حال فوزه بالانتخابات الأمريكية، لن يضغط على أنقرة، بشأن حملات التطهير أو ملاحقة المعارضين أو انتهاك الحريات المدنية. 6 بدأت اعمال ترامب فى التأثر سلبيا بخطبه الإنتخابية. فخلال شهر ديسمبر 2015 دفعت خسائر اقتصادية ترامب إلى التراجع عن حدة موقفه تجاه المسلمين، ومحاولة ظهوره أكثر اعتدالاً، وتوضيح تصريحاته المثيرة للجدل. فقد توالت ردود الفعل المستنكرة والغاضبة لتصريحاته، وتوقفت بعض المشاريع المشتركة مع ترامب فى الخليج. 7 تدرك هيلارى وفريقها أن المواطن الأمريكى فى حاجة إلى كل فرصة عمل ممكنة وبالتالى فإن أى مستثمر أو رجل أعمال يقوم بالإستيراد من الخارج أو يقوم بالتوسع فى «التعهيد» بالخارج سيمنع المواطن الأمريكى من فرصة عمل وسيحمل البلاد بأعباء المزيد من فواتير الإستيراد الخارجى. هيلارى تهاجم وعندما حل شهر اغسطس 2016 بدأت هيلارى فى توجيه ضرباتها الموجعة لترامب باستخدام الإنتقادات اللاذعة له ولكيفية إدارته استثماراته واستغلاله الأيدى العاملة الرخيصة فى الخارج وللتعهيد فى دول أخرى من اجل التكسب وزيادة ثروته على حساب مصالح بلاده التجارية وفرص العمل الشحيحة المتاحة امام العامل الأمريكى. وتوجهت هيلارى وسط مظاهرة إعلامية حاشدة لزيارة مصانع شركة إنتاج رابطات العنق (الكرافتات) فى مدينة دنفر بولاية كولورادو. ومن هناك ووسط حشد من العمال طالبت منافسها ترامب بأن يأتى إلى المصنع الأمريكى الذى ينتج «الكرافتات» حتى يرى أين يقوم بتوجيه استثماراته، ورفعت يدها وقد أمسكت بكرافتة مصنوعة لحسابه فى الصين وقالت أمام عدسات الكاميرات:»فعلا أريدة ترامب أن يوضح لماذا دفع المال للعمال الصينيين ليصنعوا كرافتات ترامب»؟!!، وقالت مستنكرة : «لماذا ذهب إلى الصين بدلا من إنتاج الكرافتات هنا فى كولورادو بأمريكا»؟! ولم تكتف هيلارى بالكرافتات بل صرخت وسط العمال وأمام الكاميرات قائلة :«إنها ليست الكرافتات فقط بل إن ترامب يصنع البدل الرجالى فى المكسيك وليس فى ولاية أوهايو الأمريكية، ويصنع الأثاث الخاص بشركاته فى تركيا وليس فى بنسلفانيا الأمريكية»!! ولم تتوقف هيلارى منذ شهور عن إثارة أمر «الكرافتات» الصينى أو «الأثاث» التركى فى كل مكان تذهب إليه. فقد سبق وأن اتهمت هيلارى، منافسها ترامب، بأنه يهتم بكيفية استفادة أعماله الخاصة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بدرجة أكبر من اهتمامه بتأثير هذا الخروج على الاقتصاد الأمريكى. وفى إعلان تلفزيونى، نقلت حملة كلينتون تعليق ترامب، بأن تراجع العملة البريطانية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ربما يعنى مزيدا من الأعمال لمنتجع الجولف الذى يمتلكه فى اسكتلندا. ومنذ شهر مايو الماضى بدأ حديث الإحصائيات وتم استهداف نوايا ترامب الإقتصادية قبل شهور من إعلانه البرنامج الاقتصادى الخاص به فى شهر أغسطس 2016. فقد كشفت دراسة أعدها مركز «أميركان أكشن فورام» للأبحاث عن أن خطة ترامب بشأن حصر وترحيل المهاجرين غير النظاميين، ستؤدى إلى انكماش الاقتصاد الأميركى بنحو 2%. وأوضح المركز أن أكثر من 11 مليون مهاجر يعيشون ويعملون فى الولاياتالمتحدة بصورة غير نظامية وفق الإحصاءات الحكومية، وقد يؤدى ترحيلهم إلى انكماش ناتج القطاع الخاص بما بين 381 و623 مليار دولار.وذكرت الدراسة أن إخراج هؤلاء المهاجرين من سوق العمل قد يؤدى إلى فراغ ملايين الوظائف بسبب نقص القوى العاملة الراغبة فى شغل تلك الوظائف فى قطاعات مثل الزراعة والبناء والضيافة. وفى شهر يونيو الماضى أفادت وكالة «موديز» الدولية للتصنيف الائتمانى، أن إصلاحات دونالد ترامب الاقتصادية، ستؤدى إلى ركود طويل الأمد فى البلاد وضياع ملايين فرص العمل. وذكر تقرير نشرته الوكالة، أنه بعد تحليل التدابير الاقتصادية التى اقترحها ترامب، استنتج محللو «موديز»، أنه إذا فاز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ونفذ مقترحاته الاقتصادية خلال سنوات حكمه الأربع، فإن ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة سيخسرون وظائفهم. وفى شهر يوليو 2016 شنت هيلارى كلينتون هجوما عنيفا على منافسها ترامب، مشيرة إلى أنه أثرى على حساب الآخرين. واختارت هيلارى أن تشن هجومها على منافسها من مدينة أتلانتيك سيتى حيث تقع عدة مشروعات فاشلة لترامب مثل : فندق «ترامب بلازا» الذى أغلق أبوابه و«ترامب مارينا» المباع بخسارة كبيرة و«ترامب تاج محل» الذى بيع أيضا. وقالت كلينتون : «لقد ..أشهر إفلاسه «ليس مرة واحدة فحسب أو مرتين بل أربع مرات». وأضافت أمام فندق «ترامب بلازا» المغلق «عندما انهار هذا الكازينو بسبب سوء إدارته وفقد مئات الأشخاص وظائفهم. المساهمون تحطموا والمقرضون خسروا أموالا. الكثير من الشركات الصغيرة تكبدت خسائر كبيرة، الكثير منها أفلست، أما دونالد ترامب فذهب ومعه الملايين». وحذرت هيلارى من انه اذا فاز ترامب فى الانتخابات الرئاسية فإن «ما فعله فى اتلانتيك سيتى هو تماما ما سيفعله» اذا ما وصل الى سدة الرئاسة. وهكذا استغلت هيلارى كل ما لديها من قدرات معلوماتية ودعائية لتدمير حملة ترامب الإنتخابية خاصة أمام رجل الشارع العادى وفى أوساط العمال وأصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة والباحثين عن فرص عمل ممن تعتمد عليهم كلينتون كثيرا فى التصويت لمصلحتها ضد منافسها ترامب صاحب «الكرافتات الصينى» و«الأثاث التركى».