أبو حامد محمد الغزّالى الطوسي، أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين فى القرن الخامس الهجري.كان فقيهاً وأصولياً وفيلسوفاً، وكان صوفيّ الطريقةِ، شافعيّ الفقهِ ، وكان على مذهب الأشاعرة فى العقيدة، وقد عُرف كأحد مؤسسى المدرسة الأشعرية فى علم الكلام، وأحد أصولها الثلاثة بعد أبى الحسن الأشعري، لُقّب الغزالى بألقاب كثيرة فى حياته، أشهرها لقب «حجّة الإسلام»، ولد وعاش فى طوس،(450 505 ه / 1058 1111م). قرب مدينة مشهد حاليا فى إيران وكان أبوه يعمل فى غزل الصوف، ولذا سمى بالغزالى. ابتدأ الغزّالى طلبه للعلم فى صباه عام 465 ه، فأخذ الفقه فى طوس على يد الشيخ أحمد الراذكاني، وفى عام 473 ه رحل الغزّالى إلى نيسابور ولازم إِمام الحرمين أبا المعالى الجوينى (إمام الشافعية فى وقته، ورئيس المدرسة النظامية)، فدرس عليه مختلف العلوم، من فقه الشافعية، وفقه الخلاف، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والمنطق، والفلسفة، وجدّ واجتهد حتى برع وأحكم كل تلك العلوم، ولمّا بلغ عمره 34 سنة، رحل إلى بغداد مدرّساً فى المدرسة النظامية فى عهد الدولة العباسية بطلب من الوزير السلجوقى (نظام الملك) فى أيام الخليفة المقتدى بأمر الله العباسي، وأُعجب به الناس لحسن كلامه وفصاحة لسانه وكمال أخلاقه. واستمر على تدريس العلم ونشره والفتيا والتصنيف مدّة أربع سنوات، وعاصر الغزالى زمناً كثرت فيه الآراء والمذاهب والفرق، وكان من أبرز ما عاصره آنذاك علم الكلام والفلسفة والباطنية والتصوف، وعكف الغزالى على دراسة كل واحدة منها. وهذه العلوم على اختلافها وتداخلها فى عقله أحدثت عنده شكّاً فى كل العلوم .. ومازال حائراً.. حتى وفقه الله للرجوع إلى الحق فى كثير من المسائل. فقد خاض الفلسفة، ثم رجع عنها، وردّ عليها. وخاض بعد ذلك علم الكلام، وأتقن أصوله ومقدماته، ثم رجع عنه بعد أن ظهر له فساده. ثم سلك مسلك الباطنية، وأخذ بعلومهم، ثم رجع عن ذلك، وأظهر بطلان عقائد الباطنية وتلاعبهم بالنصوص, ثم اتجه إلى دراسة الصوفية وبعد 4 سنوات من التدريس قرر اعتزال الناس والتفرغ للعبادة وتربية نفسه، متأثراً بذلك بالصّوفية وكتبهم، فخرج من بغداد خفيةً فى رحلة طويلة بلغت 11 سنة، تنقل خلالها بين دمشق والقدس والخليل ومكة والمدينة المنورة، والإسكندرية بمصر كتب خلالها كتابه المشهور«إحياء علوم الدين» كخلاصة لتجربته الروحية.اما عن سبب تسمية الكتاب بإحياء علوم الدين فهو القناعة التى وصل لها الغزالى بأن العلم والفقه الحقيقى هو الذى ينعكس على سلوك الإنسان نتيجة يقينه بأن الآخرة خيرٌ من الأولى. وكان للغزالى أثرٌ كبيرٌ وبصمةٌ واضحةٌ فى عدّة علوم مثل الفلسفة، والفقه الشافعي، وعلم الكلام، والتصوف، والمنطق وهو عند جمهور المتقدمين حجّة الإسلام ومجدد ومحيى علوم الدين، ألّف خلال مدة حياته (55 سنة) حوالى سبعين كتابا فى مختلف صنوف العلم. وبعد هذه الرحلة الطويلة عاد إلى بلده طوس فأقام بها، متخذاً بجوار بيته مدرسةً للفقهاء، ومكانا للتعبّد والعزلة, لبث فيها بضع سنين, وتوفى فى ديسمبر عام 1111م. لمزيد من مقالات د. محمد رضا عوض