«من الآن فصاعدا يقوم بتمثيل صاحب الجلالة الملك، لدى جلالة ملك مصر، وبتمثيل صاحب الجلالة ملك مصر لدى بلاط سان جيمس، سفراء يعتمدون بالطرق المرعية».. كان هذا البند فى اتفاقية 1936 بين مصر وبريطانيا ثمرة نضال كبير لرموز الحركة الوطنية المصرية لاستعادة حق مصر فى التمثيل الدبلوماسى كرمز من أهم رموز السيادة والاستقلال الوطني. كان الاحتلال البريطانى لمصر قد ألغى العمل بوزارة الخارجية المصرية بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر عام 1914 وتحويل اختصاصاتها للمندوب السامى خوفا من خروج مصر عن طوع الإمبراطورية وتحقيق مصالح لها قد تتعارض مع دولة الحماية، بالانفتاح على دول معادية ورغم أن هذا الحظر تم رفعه بعد إعلان استقلال مصر عن بريطانيا فى عام 1922 وتعيين (عبد الخالق ثروت) وزيرا للخارجية، فإن مستوى التمثيل الدبلوماسى لم يتعد درجة وزير مفوض ومع إصرار الجانب المصرى للحصول على حقوقه فى التمثيل الدبلوماسى اللائق بدولة حرة مستقلة جاءت معاهدة (36) لتعطى مصر الحق فى التمثيل الدبلوماسى الكامل الذى تطور ليصل الآن ل (162) سفارة وقنصلية ومكتب رعاية مصالح فى جميع دول العالم، لتتطور الدبلوماسية المصرية لتواكب مقتضيات العصر منذ أن كلف مؤسس مصر الحديثة (محمد علي) باشا (باغوص) بيك فى الاتصال مع الجاليات الأجنبية بمصر والمجتمع الخارجى (بحر بره)!, ومع تراجع دور إعلامنا فى الوصول إلى المجتمع الدولى لهيمنة وسائل إعلامية أكثر قوة وانتشارا قادرة على فرض صور نمطية للعرب والمسلمين، أغلبها مغرض ومضلل، تظهر الحاجة إلى أهمية الدبلوماسية القائمة بالعمل السياسى فى الخارج فى تصحيح المفاهيم وشرح المواقف والحفاظ على المصالح ورعاية المواطنين بالخارج، ومع حيوية هذا الدور لا يصح النظر للعمل الدبلوماسى على أنه عمل تشريفاتى شكلى يفتقر للمضمون الذى يعود بالنفع على المواطن بالداخل بعد أن تشابكت المصالح بين الداخل والخارج فى ظل العولمة وتداعياتها. التحديات المفروضة على مصر والوطن العربى لم تعد خافية على أحد من الأطماع الفارسية بالتمدد ونشر ثورتهم الشيعية بإيران، وكذلك الأطماع الصهيونية بالتوسع لإنشاء وطن قومى لليهود من النيل للفرات، وكذلك أوهام أردوغان بتركيا لاستعادة حلم الخلافة السنية وتحويل الوطن العربى إلى ولايات إخوانية تابعة له، ومثله مثل الإخوانجية يضحى بالأوطان فى سبيل الأطماع الذاتية الوهمية، خاصة بعد أن فشل فى تقديم نموذج إسلامى حليف للغرب مغاير للنموذج الإيراني، بل وتعانى بلاده من انقسام حاد بين العلمانية ومشروعه المتأسلم، ولم يعد من شرعيته المبنية على النهج الإسلامى التوافقى المنفتح شيئا يذكر، وأصبح رجل آسيا المريض بلا منازع! ولم يعد لديه أمل فى الاتحاد الأوروبي، فأخذ يهذى بشعارات شعبوية متحاميا بميليشياته الإخوانية المسلحة وأبواقها البذيئة! هذه التحديات النابعة من أيديولوجيات متعصبة تعود إلى فاشيات جديدة وتخلق ردود أفعال مقابلة لا تقل سوءا عنها من صعود اليمين المتطرف فى أوروبا وأمريكا، وهى تيارات تسير عكس اتجاه العصر المنفتح الذى يتطلب التعايش وإقرار الحريات المسئولة، ففى مثل هذا الوضع الذى أصبح يخص العالم كله، لا دولة بعينها، تأتى أهمية الدبلوماسية المصرية قائدة الدبلوماسية العربية وأكثرها خبرة وانتشارا، لتشرح وتتواصل مع كافة دول العالم وتشرح خطورة الأطماع التوسعية التى تتخد الدين للعب على غرائز العوام وتوريطهم فى مذابح تلو أخرى باسم الحرية من أعداء الحرية! الدبلوماسية المصرية قادرة على لعب هذا الدور بما تملكه من خبرة وكفاءات مدربة، تعلم جيدا فنون الممكن السياسية، وعندما نتحدث عن ترشيد الدبلوماسية الخارجية لابد أن يكون الترشيد فى كيفية أدائها لدورها بشكل أكثر فاعلية، لتقوم بهذا الدور المكثف سياسيا وفكريا ويكون الترشيد لكيفية العمل والأداء لا للنفقات فبدلا من تعدد المكاتب الخارجية لتعمل بلا تنسيق مشترك، وتضيع أهدافها فى نشاطات متشعبة غير محسوسة وقليلة الجدوى فمن الواجب توحيد الجهود وترشيد النفقات فى قيادة قوية فى السفارات المصرية، التى تعمل وفق نظام محكم ورقابة وتعليمات رسمية فى القنوات الدبلوماسية المستقرة التى تستطيع ترشيد عمل المكاتب الإعلامية والثقافية والسياحية وكذلك العمالية والزراعية وغيرها من المكاتب التى تعمل بشكل عشوائى منفردة بعيدا عن رقابة أو حتى التنسيق مع السفارات، التى هى بشمس بلادى أخبر! لمزيد من مقالات وفاء محمود