طالعت منذ أيام في جريدة صباحية مرموقة. أن سيدة في السبعين من عمرها, قد تزوجت مراهقا في الثامنة عشرة من عمره. وقد بدا الاثنان في غاية السعادة, في صورة عرسهما المنشورة. والحقيقة أننا نعيش الآن في عصر الاختيار, فالانسان منذ يعي يواجه دائما بمواقف الاختيار, فعليه أن يختار نوع طعامه, وطريقة طهوه, ونوع ملبسه, وألوان ملبسه, وعليه أن يختار أصدقاءه, وهو أيضا مطالب بأن يختار نوع تعليمه, ثم وظيفته, وعليه مثلا أن يختار وسائل, وأنشطة معينة لتسليته لكن أهم تلك الاختيارات بالنسبة له هو اختياره لشريك الحياة. والاختيار للزواج هو أهم خطوة في حياة الانسان. وهو أهم بكثير من اختياره لوظيفته, فالوظيفة قد تتغير دون أن تترك أثرا كبيرا في حياة الإنسان. لكن الإنسان يتزوج وفي نيته ألا يحدث ما يغير هذا الزواج أي أنه يتزوج للحياة كلها. ومعني الاختيار أن المعروض كثير, وأن علي الانسان أن ينتقي ويختار, بعبارة أخري, نستطيع أن نقول إن الاختيار للزواج هو عملية اتخاذ قرار, وهذا ما يوقع الإنسان في حيرة, إذ يسائل نفسه قائلا: علي أي الأسس اختار, وأي العوامل أغلبها علي الأخري حين الاختيار, وقديما قالوا: مين خيرك خيرك. والسن عامل بيوسوسيولوجي, له تأثير فعال, لاينكر علي الاختيار للزواج, ويضع العرف المتعلق بالسن, والاختيار للزواج, قيودا كثيرة تحد من فرص المرأة في الزواج, أكثر من وضعه قيودا علي الرجل, فالمرأة لايسمح لها, بأن تتزوج إلا من رجال يماثلونها سنا, أو يكبرونها, وهذا يقلل من فرصها في الزواج, لذا فإن المجتمع لايرحب كثيرا بامرأة تتزوج من يصغرها من الرجال, وبخاصة إذا كان الفرق بينهما كبيرا من ناحية السن. وهكذا نري أن الاختيار للزواج لم يكن يوما عملية عشوائية, أو نشاطا عفويا, بل إنه دائما محكوم بقيود, واشتراطات تتضمنها عملية الاختيار ذاتها. وقد شغل الناس منذ القدم, في معرفة الأسس التي تلعب أهم دور في الاختيار للزواج, وقد انقسم هؤلاء الناس إلي أكثر من فريق, بعضهم يري أن الشبيه يتزوج شبيهه, لأن الطيور علي أشكالها تقع, وفريق آخر يري أن الزواج يتم علي أساس من التكميل بين الشريكين, كما أن البعض الآخر, يري أسسا أخري ينبني عليها الاختيار للزواج. ومن المحللين النفسيين, وعلماء النفس الاجتماعي, من يري أن صورة الوالد, أو الوالدة, تلعب دورا جوهريا في عملية اختيار شريك للزواج, وقد بني هذا الرأي علي أساس من المفاهيم التي تدور حول كيفية نمو الشخصية الانسانية, وارتقائها, وتتبني نظرية الصور الوالدية القول, بأن طبيعة العلاقات الانفعالية الأولي للطفل هي التي تشكل شخصيته, فعن طريق الاتصال الشخصي بالناس في سني حياته الأولي. يتعلم الطفل كيف يحب, ويكره, وكيف يرغب, ويتجنب ويقبل. وتتحدد شخصية الوالدين, وآخرين من أعضاء الأسرة, إلي جانب الطريقة التي يعاملون بها الطفل إلي حد كبير, سماته, وانفعالاته, ومشاعره, وردود أفعاله. ويستمد الطفل تلك الصور التي تنمو, فتتطور لديه فيما بعد, من الأشخاص الرئيسية, وبخاصة أبيه وأمه, وترتبط بتلك الصور الوالدية أعنف الانفعالات وأقواها, لأن الطفل يخبر أول تفاعل لمشاعره, من انفعالاته في علاقته بأبويه. وعندما يبلع الذكر, والأنثي سن الشباب, فإنهما يميلان إلي إعادة تلك العلاقة مع من يحبون, ويرغبون زوجا, أما إذا كانت تلك العلاقة, غير مشبعة, فإنهما يتجهان إلي البحث عن شريك يشبعان في علاقتهما, ما لم يستطيعا إشباعه في أثناء طفولتهما. ويذهب المتخصصون في التحليل النفسي إلي أن المصدر الرئيسي للتعاسة الزوجية, بين الرجل وزوجته, يكمن في المفارقات التي توجد بين مطالبهما الشعورية, واللاشعورية, تلك المطالب المتصلة بعلاقة كل منهما بالآخر, وبالزواج بوجه عام, وتظهر تلك المفارقات أول ما تظهر في مرحلة اختيار الشريك, ثم تنمو بعد ذلك مع تقدم علاقتهما. وإنني أري أن أحد التحديات الأساسية والرئيسية التي تواجهنا هذه الأيام, هو اكتشاف طريقة, نعلم بها الناس كبارا كانوا أم صغارا, كيف يميزون, ويفرقون بين أهدافهم, وحاجاتهم الشعورية الممكنة التحقيق, وبين أهدافهم اللاشعورية غير الممكنة من جهة أخري, ولا يأتي ذلك إلا بعد تعمق الشخص في معرفة ذاته, وسبر أغوارها اللاشعورية البعيدة وليس بالتوقف فقط عند معرفتها, تلك المعرفة السطحية العابرة. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى