اليوم يدق قلب ريو دى جانيرو .. والعالم يسمع هذه الدقات الآن .. إن تلك المدينة اللاتينية الرائعة والمبهجة ، تعد عاصمة الرياضة فى كوكب الأرض . إذ يجتمع أكثر من عشرة ألاف رياضى ورياضية يمثلون 206 دولة ويتنافسون فى 28 لعبة .ويغطى أحداث الدورة ومنافساتها 20 ألف إعلامى، ويحضر منافسات الدورة 45 رئيسا وملكا ووزيرا ومسئولا كبيرا. ومن يعرف الألعاب الأوليمبية يدرك أن شعوب العالم حين تجتمع فى مدينة كل 4 سنوات ، فإنها حضرت كى تتنافس بشرف ، وبقيم الرياضة النبيلة . وحضرت كى تلعب وتمرح وتسعد وتتحدى وتتفق وتتحد . وقد عشت الألعاب الأوليمبية منذ الطفولة. عشتها متابعا منذ دورة روما ، وعشتها منبهرا منذ دورة طوكيو ، وعشتها متفرجا منذ دورة مكسيكو، وعشتها معجبا بالسباحة فى دورة ميونيخ، وعشتها فى مرحلة بدايات المهنة فى مونتريال ، ثم عشتها وعايشتها فى أثينا . فى حفلات الافتتاح تعرض الشعوب ثقافتها وزيها الشعبى ، فيكون طابور العرض عرضا للأزياء، وتبارى كل دولة من أجل جذب أنظار الجماهير والملايين بزيها الوطنى أو بألوان وتصميمات جميلة ومبهجة، والبرازيل دولة راقصة لها مهرجانات وكرنافالات سنوية تجذب آلاف السياح من شتى دول العالم، واشتهرت بكرة القدم التى أصبحت لعبة شعبية عام 1919 يوم فازت بكأس كوباأمريكا، وكانت سباقات الخيل حتى ذاك الوقت هى الرياضة الأولى فى البرازيل . فى الألعاب الأوليمبية لا أشاهد كرة القدم . وفى أثينا حين قمت بتغطية الدورة لم أتابع مباراة كرة واحدة .. وهذه المرة تحديدا سوف أتابع مباريات البرازيل فى الدورة . فلعل عقدتها تحل ، ولعل هيبتها تعود . سباق فيلبس وبولت .. والواقع أنه فى تلك الألعاب أنصحك بمتابعة مباريات ومنافسات ألعاب القوى والسباحة والجمباز والفروسية . وسوف ترى فى هذه الدورة صراعا على النجومية بين السباح الأمريكى مايكل فيلبس وبين العداء الجامايكى أوسان بولت . وكلاهما يدق باب التاريخ . والتوقعات تشير إلى أن التاريخ من الصعب أن يفتح ابوابه لغيرهما فى العقود القادمة . السباح الأمريكى مارك فيليبس كان نجم دورة أثينا فاز ب 8 ميداليات منها 6 ذهبيات. وكان نجم الدورة سباحا مثل جونى ويسموللر السباح الأمريكى الشهير فى دروتى 1924 و1928.. وجونى ويسموللر هو أول سباح يكسر حاجز الدقيقة فى سباق 100 متر حرة ، فى دورة باريس وأحرز 4 ميداليات ذهبية فى دورتين أوليمبيتين . وهو أول من قام بتمثيل شخصية طرزان الشهيرة فى السينما الأمريكية . وقام بتمثيل 175 فيلما .. أما العداء الجامايكى أوسان بولت فهو يتطلع للفوز بثلاث ذهبيات للدورة الثالثة على التوالى، فى سباقات 100 و200 مترعدوا وتتابع 4× 100 وهو ماحققه فى دورتى بكين ولندن على التوالى، تلك المنافسة بين النجمين سوف تثرى الدورة وتثرى عين المشاهد. وبالمناسبة فى ألعاب القوى سوف ترى مظاهر التخصص، وعلم الإنتقاء .. فسوف ترى أن عداء السرعة كتلة عضلات, وعداء المسافات المتوسطة طويل القامة ، الساقان طويلتان وعداء المسافات الطويلة نصفه الأعلى قصير ، وقامته قصير والاستمتاع لن يقتصر على السباحة وألعاب القوى كما أشرت .. ففى الجمباز متعة الأداء الحركى ، والاتقان ، والإبداع، والابتكار . واللاعب واللاعبة يحظى بدرجات تتعلق بدرجة الصعوبة و منافسات الجمباز الفنى للفرق ممتعة للغاية بما فيها من الإبداع الحركى ، ودقة التدريب ومشقته . وهذا أيضا فى منافسات الغطس والباليه المائى، وألعاب القوى توصف بأنها أم اللعبات، ولكن فى الألعاب الأوليمبية عائلة كاملة ومنافستها شديدة المتعة . البطل .. فارس وفرس الفروسية من الرياضات الجميلة ، وفى تاريخ البشرية صاحبت أثار الحصان أثر أقدام الإنسان , وكما يقول المؤرخ البريطانى جون تروود : « كلما وجدت أثار أقدام منذ آلاف السنين ستجد بجوارها أثار حوافر الحصان «ومتعة سباقات الفروسية لاتقل عن متعة السباحة وألعاب القوى والجمباز.. وتتضمن منافسات تلك الرياضة النبيلة، قفز السدود والضاحية ، والترويض . والحصان فى الفروسية يحظى بالتكريم مثل الفارس . وبينهما الفارس والفرس تناغم فى الأداء. والفروسية هى الرياضة الوحيدة التى يذكر فيها إسمان فى المسابقات الفردية . الفارس والفرس .. وبدأت فكرة رياضة الفروسية عندما طلب من ضابط عسكرى تسليم رسالة من خلف خطوط العدو والعودة إلى القاعدة سالما على ظهر جواد .. وهناك ظن شائع بأن الحصان يرقص على أنغام الموسيقى . وهذا ليس ولكنه يتراقص بتعليمات و«نغزات» الفارس. إلا أنه فى سباقات الترويض، يبهرك برقصاته وتموجاته بالتدريب الشاق ، فيحفظ مايجب عليه أن يفعله مصريون فى دورات الأغريق أحاط اليونانيون نشأة تلك الألعاب بأساطير عديدة، وأختلف المؤرخون فى تحليلها وتفسيرها. فمنهم من قال أن هرقل الذى يمثل قوة الشباب أنشأ هذه الألعاب، ومنهم من قال أن زيوس أول من أقامها بمناسبة انتصاره على أبيه عندما قام بينهما الصراع حول السيادة على الأرض. ويقول رأى آخر انها انبثقت من احتفالات تكريم أخيلليس بطل حرب طروادة لصديقه باتروكلوس الذى قتله هيكتتور تحت أسوار طروادة قبل سقوطها، إلا أن الاكتشافات الأثرية فى منطقة جبل أوليمب أوضحت أن ملك ليديا ايفيتوس كان صاحب فكرتها .. لكن هل تعلم أن مصر شاركت فى الألعاب الاولميبية القديمة ؟! كان الاغريق على معرفة كاملة بالحضارة الفرعونية، وروى هيردوت أبو التاريخ، أن وفدا من مدينة ايليس حضر إلى مصر لاستشارة حكمائها بشأن تنظيم الألعاب الأوليمبية، ومن المصريين القدماء الذين شاركوا فى الدورات القديمة الملاكم اترامانيتاوس الذى عاش فى الاسكندرية، وكان ذلك فى دورة عام 240 ق.م كما شارك فى الدورات القديمة الملاكمان المصريان أبوللونيوس وهيراكلينز، وكانت مباريات الملاكمة من أعنف مسابقات الألعاب القديمة، كانت أوليمبيا هى العاصمة الدينية لكل الأغريق، وتقع فى ولاية بابليس فى غرب اليونان، وكانت أوليمبيا ترسل ثلاثة من المنادين المقدسين إلى كل أنحاء إغريقيا ليبشروا بقرب تنظيم الألعاب الأوليمبية، وطبقا للتقويم الدينى المقدس كانت الألعاب تقام بحيث يوافق اليوم الثالث ظهور البدر الثانى أو الثالث بعد بدء فصل الصيف فلكيا. ومن المعروف أنه ظلت الدورات الاغريقية القديمة محرمة على النساء ولم يسمح لهن بالاشتراك فيها، أو حتى مشاهدة منافساتها، وكان الاعدام عقوبة من تخالف ذلك، إلا أن (فيرنيس) التى تحدت هذا التحريم، إذ تنكرت فى زى الرجال من أجل مشاهدة ابنها (بيسيدروس) وهو يخوض منافسات الملاكمة، وحكم عليها بالاعدام، ثم منحت حق الحياة بعد أن عرف أعضاء المجلس أنها أم بطل أوليمبى. الملوك يلعبون .. كان تخليد الأبطال الأوليمبيين فى الألعاب القديمة يتم من خلال أعمال الأدباء والشعراء، ويعتبر تمثال رامى القرص للمثال الأثينى ميرون 450 ق.م قطعة فنية نادرة. ومع كل دورة جديدة كانت تدخل مسابقات جديدة، وفى دورة 724 ق.م بدأ سباق (الديولوس) حوالى 400 متر، كما بدأ سباق (الدوليكوس) حوالى 500 متر، وفى دورة 720 ق.م دخلت المصارعة، وفى 688 ق.م دخلت الملاكمة، وفى دورة 680 ق.م دخل سباق عربات الجياد .. كان الملوك أيضا يشاركون فى الألعاب القديمة، فقد اشترك الملك فيليب المقدونى فى ثلاث دورات متتالية. إلا ابنه الاسكندر الاكبر رفض الاشتراك إلا إذا كان كل المتسابقين من الملوك. ولكن الامبراطور الرومانى (تايبيريوس) بعد أن أصبحت اليونان إحدى دول الامبراطورية اليونانية أشترك فى العاب 17 بعد الميلاد وفاز فى إحدى المسابقات، وفى الدورة الأوليمبية رقم 211 عام 65 ميلادية فاز نيرون فى سباق عربات الجياد كان الفائزون فى الألعاب القديمة يلقون التقدير والاحترام، وتقام لهم الاحتفالات، ويمنحون العديد من الامتيازات. فقد كانت الألعاب الأوليمبية القديمة تدعوا لمفاهيم دينية وخلقية وروحية، ولم تكن مجرد منافسات بدنية واستعراضيا للقوة .. المطبخ الأوليمبى .. يفقد الرياضىآلاف السعرات فى التدريب اليومى الشاق ، ويعوض مايفقده بكميات هائلة من الطعام وأذكر أن السباح فيلبس كان يتناول كميات طعام تحتوى على 12 ألف سعر يوميا فى دورة بكين الأوليمبية . ويتضمن إفطاره كرتونة بيض .. وهذا أمر بديهى عند أبطال الأثقال والمصارعة .. ولكن ماذا يفعل المطبخ الأوليمبى لتقديم وجبات طعام شهية ورفيعة المستوى والجودة وترضىأذواق أكثر من عشرة الأف رياضى بخلاف الصحفيين ورجال الإعلام من جنسيات مختلفة ؟ . المطعم الأوليمبى ضخم وشهى ويرضى كل الأذواق وروعيت فيه العقائد والديانات أيضا ،ويتضمن تقديم وإعداد 14 مليون وجبة على مدى 16 يوما بكمية إجمالية يصل وزنها إلى 120 طنا .. ولإعداد عشرة آلاف وجبة فى الساعة يحتاج المطبخ الأوليمبى إلى الآلاف من قطع الخبز ، وألاف اللترات من المياه واللبن ، وأطنان من اللحوم والأسماك والأرز والمعجنات و الفواكه والحلوى.. لمزيد من مقالات حسن المستكاوى