انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة ري المحاصيل الزراعية والخضراوات والفاكهة بمياه الصرف الصحي في العديد من المناطق علي مستوي الجمهورية، سواء ما تم معالجتها أو تلك التي لم تتم معالجتها أصلا، مما يعرض صحة وحياة المواطنين للخطر الداهم وإصابتهم بأخطر أمراض العصر. مثل الفشل الكلوي والكبدي والأورام السرطانية, بالإضافة إلي الأمراض الأخري. ومدينة الصف بمحافظة حلوان مثل صارخ لمثل هذا الأمر, حيث يروي أكثر من25 ألف فدان بمياه الصرف الصحي. والمسئولية هنا متشعبة, فهي تقع علي ثلاث وزارات هي الري والموارد المائية والاسكان والزراعة. وتحقيقات الأهرام تبحث في هذه القضية الخطيرة التي تمس صحة وحياة المواطنين. في البداية يقول اللواء ممدوح سالم رئيس مركز ومدينة الصف إن مشكلة ري الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي ليست وليدة اليوم, بل انها مشكلة قديمة منذ30 عاما, والمشكلة بدأت حينما أقامت الدولة محطة تنقية للصرف الصحي بأبوساعد, حيث تستقبل المحطة مياه الصرف الصحي من المعادي وحلوان وطرة وكوتسيكا والتبين و15 مايو لتدخل في أحواض مخصصة لمعالجتها لدرجة ثنائية, ثم ترفع بمضخات لترعة الصف الممتدة من منطقة أبو ساعد حتي مركز أطفيح, كما أن ترعة الصف تم تصميمها من قبل وزارة الاسكان بطريقة غير هندسية, حيث انها مرتفعة عن المدن الموجودة بها بنحو14 مترا, وهذا الارتفاع الكبير يسبب غرق قريتي المنية والشرفا, حيث يقوم الفلاحون بري الأراضي بنظام الغمر فتأخذ الأرض ما يكفيها والباقي يغرق هذه القري التي أصبحت من ضحايا الصرف الصحي. وفي نفس الوقت قامت وزارة الزراعة بتخصيص أراض زراعية للجمعيات الزراعية لاستصلاحها وزراعتها, وذلك بعقود تنص علي أن يتم الري بمياه الآبار, حيث تلزم هذه العقود كل صاحب أرض أن يقيم بئرا في منطقته لري الأراضي. ولكن ما حدث غير ذلك, حيث قام ضعاف النفوس من أصحاب تلك الأراضي بحساب الأمر بالمكسب والخسارة بدون التفكير في صحة الناس, فقاموا بقطع الطريق وتوصيله بماكينات علي مياه الصرف الصحي في ترعة الصف لري الأراضي وهو بتكلفة لاتتعدي10 أو15 ألف جنيه, في حين أن تكلفة البئر هي نحو100 ألف جنيه, الأمر الذي نتج عنه محاصيلزراعية ضارة بصحة الانسان.
ويضيف اللواء ممدوح سالم أن التصميمات التي أقيمت في البداية كانت تستدعي أن تأخذ مياه الصرف الصحي دورتها في ترعة الصف, وفي نهاية الترعة تقام منطقة مزارع خشبية للاستفادة من تلك المياه.. لذا فإن مياه الصرف الصحي والصناعي مخصصة فقط للاشجار الخشبية وليست للمحاصيل الزراعية. كما أن صاحب الأرض من المفروض أن يوفرالمياه النظيفة لري الأرض, وذلك بناء علي الزام من وزارة الزراعة بإقامة بئر مخصصة لري الأرض, وهكذا فإن المسئولية هنا تقع علي وزارة الزراعة التي لم تتابع الجمعية الزراعية خلال السنوات الماضية من خلال الاشراف والمرور الدوري ومحاسبة من يتجاوز البنود الذي تضمنتها عقود الأراضي. لذا فإن محافظ حلوان أصدر أخيرا قرارا بإزالة جميع المزروعات التي رويت بمياه الصرف الصحي والصناعي, تنفيذا لقرار وزير الزراعة مؤخرا.
ويشير اللواء ممدوح سالم إلي نقطة مهمة وخطيرة وهي انه مازالت توجد مياه صرف صحي بالأراضي الزراعية بقرية المنية, حيث توجد ماكينتان لشفط المياه بقرية المنية احداهما تعمل صباحا والأخري مساء, وهذا لا يتناسب تماما مع كمية المياه الموجودة بالأراضي الزراعية. كما انه لم يتم تطوير ترعة الحاجر, حيث انها مليئة بالحشائش مع توقف تدفق مياه الصرف الصحي من محطة عرب أبوساعد. وقد تم اتخاذ عدة توصيات في اجتماع مسئولي الوزارات المعنية مع محافظ حلوان, وقد وقع عليها المحافظ باتخاذ الاجراءات للتنفيذ, وهذه التوصيات هي لعدة جهات, أولاها الجهاز التنفيذي لمشروعات المياه والصرف الصحي بضرورة قيام مسئولي محطة صرف عرب أبوساعد والشركات القائمة بتنفيذ مشروعات التوسع القائمة بالمحطة, حيث ان شركة المقاولين العرب وهي التي قامت بتنفيذ تشغيل محطة عرب أبوساعد المسبب في حدوث هذا الأمر.
كما ألزم الاجتماع الجهاز التنفيذي لمشروعات المياه والصرف الصحي باتخاذ الاجراءات اللازمة لتدبير المعدات لشفط المياه من الأراضي التي غمرتها, وقيام محطة صرف أبوساعد بإحلال وتجديد الخزان الموجود بالمحطة واقامة شبكة صرف صحي لقريتي المنية والشرفا. أما بالنسبة لوزارة الري والموارد المائية فقد ألزمها الاجتماع بتطوير مجري ترعة الحاجر لتجنب تسرب مياه من جانبي الترعة وتنفيذ مشروع فتح نهاية ترعة الحاجر والواقع داخل موقع شركة الحديد والصلب, وتطوير مجري ترعة الخشاب التي تمر داخل نطاق قريتي المنية الشرفا, وضرورة السماح لوزارة الري والموارد المائية بفتح نهاية ترعة الحاجر داخل مقر شركة الحديد والصلب, كما ألزم إدارة الصرف المغطي بحلوان بفتح نهايات مجمعات الصرف الموجودة علي نهر النيل مع إعداد جدول زمني يرسل لمحافظة حلوان لمعالجة هذه المشكلة. ويؤكد اللواء ممدوح سالم رئيس مركز ومدينة الصف أنه لمعالجة مشكلة ري الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي بمدينة الصف, فلابد من اجتماع ثلاثي يشمل وزير الموارد المائية ووزير الاسكان ووزير الزراعة مع محافظ حلوان ذلك لأن المشكلة متشعبة, ولابد من اتخاذ عدة قرارات تنفيذية عاجلة, حيث أن مسئول وزارة الري بالمحافظة أفاد بأن هناك عقبة أمام تنفيذ قرار الإزالة, وهي أن مياه الصرف التي لابد أن تنزل في مخر السيل في التبين ثم علي النيل لذا, لابد من معالجتها أو الحصول علي إفادة من الشركة القابضة للصرف الصحي بأن هذه المياه نقية, وغير ضارة بالنيل لكن الشركة رفضت إعطاء مثل هذه الأفادة مع إنها مازالت تؤكد أن هذه المياه نقية. كما أن شركة الحديد والصلب قامت ببناء سور أغلقت به ترعة الحاجر الموجودة خلف محطة الصرف الصحي, وهي الترعة التي من المفروض أنها تستقبل المياه الزائدة قبل بناء السور, وهو عقبة لها.. لذا فإن الشركة قامت أخيرا بدفع مبلغ2 مليون جنيه لوزارة والموارد المائية لازالة السور واستكمال ترعة الحاجر حتي مقر السيل في التبين. ويتفق مدحت أبو سنة مساعد رئيس مركز الصف لشئون المدينة مع الرأي السابق, ويضيف نعاني منذ سنوات طويلة من هذا الأمر, وقد حاولنا مرات عدة توصيل شكوانا للمسئولين, ولكن لا حياة لمن تنادي... فهل يعقل أن تروي الحقول من مياه الصرف الصحي, والذي يؤكد بعض المسئولين أنه معالج مع أنه ذو رائحة كريهة, ولونه أسود ينزل مخر سيل المنش النازل علي الاقواز ثم النيل, وبهذا, فلن نهرب من الأمراض سواء كانت عن طريق المحاصيل الزراعية أم مياه النيل!
ويؤكد الدكتور نبيل قنديل الاستاذ بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة التابع لمركز بحوث الزراعة أنه لابد للحكومة أن توفر مصادر ري ذات صلاحية مادام, وفرت الأراضي للزراعة, كما أن الأراضي المستصلحة بالصف سواء أفراد أو جمعيات علي مسئولية شاغليها في تدبير مصادر المياه لزراعتها مشيرا إلي أن محصلة الصرف بحلوان لم تكتمل, وهي مخصصة لري الأشجار الخشبية, وعلي ذلك فإن أصحاب المشكلة هم صانعوها ومخالفون للكود المصري والقانون, ويضيف بأن المياه من المصادر الطبيعية التي يجب الحفاظ عليها من التلوث بجانب الاستفادة الآمنة من مياه الصرف الصحي المعالجة في زراعة الأشجار الخشبية, وأشجار الزينة, ويوجد ما يقرب من2,4 مليار متر مكعب سنويا لا يتم الاستفادة منها, بل كانت تمثل عبئا كبيرا لما تسببه من تلوث البيئة عند التخلص منها سواء بالقائها علي نهر النيل أو البحيرات الشمالية أو السواحل البحرية, مما يهدد البيئة. وهناك آثار بيئية لاستعمال هذه المياه في الري بدون معالجة, وذلك لأن النتروجين الذائب الذي يتأكد إلي نترات, ويسبب أمراضا للإنسان, حيث تصل النترات والنتريت إلي مياه الري أو الصرف أو تختزنه بعض النباتات في أنسجتها بنسبة عالية مثل البنجر الجزر الكرنب الفجل الكرفس الخس السبانخ الخيار الفاصوليا مما يفقدها الطعم, وتغير لونها ورائحتها, وتنتقل النترات عبر السلاسل الغذائية للإنسان, فتسبب فقر دم عند الأطفال, وسرطان البلعوم والمثانة عند الكبار. كما أن وجود العناصر الثقيلة مثل النيكل, الكوبالت الزئبق الرصاص الفلوريد السلينيوم يؤثر علي المخ والأعصاب والغدة الدرقية والكلي. والاسنان واللثة, كما أن الرصاص يسبب أمراض الدم والقلب والسرطان. وتحتوي مياه الصرف الصحي غير المعالجة علي العديد من البكتريا الضارة, والتي تعتبر المصدر الأساسي للأمراض المعوية, وبكتريا السالمونيلا التي تسبب أمراض التيفود, وبكتريا الشيجلا التي تسبب أمراض الإسهال.