فى إطار سلسلة كُتب «حضارة واحدة» المُترجمة عن اللغات الأجنبية، وخصوصاً الصينية والهندية والفرنسية والإسبانية، صدر عن مؤسّسة الفكر العربيّ كتاب «تاريخ حضارة الهند» ويأتى الكتاب ليعمّق معرفة القارئ العربى بالحضارة الهنديّة بجوانبها كافّة وتعزيز التبادل الثقافي، وهو من تأليف المؤرّخ الهنديّ البارز محمد مجيب (1902-1985م)، الذى اشتهر بدراسته شبه القارّة الهندية. وقد قام بنقله عن الأرديّة البروفسور محمد نعمان خان أستاذ الّلغة العربيّة فى جامعة دلهي، وراجعه البروفسور زبير أحمد الفاروقي،أستاذ الأدب العربى فى قسم اللغة العربية وآدابها فى الجامعة الملّية الإسلامية. تضمّن الكتاب ثمانية أبواب، تناول الأوّل بداية الحضارة الإنسانية بالبحث التفصيلي، فيما تناول الباب الثانى حضارة الآريّين، والباب الثالث الحضارة البوذية، والباب الرابع الحضارة فى عهد ملوك موريا، والباب الخامس الحضارة الهنديّة والإيرانية واليونانية، والباب السادس الحضارة فى عهد ملوك غوبتا، وصولاً إلى الباب السابع الذى تناول تطوّر الحضارة من عهد هيون سانغ إلى عهد البيروني، والباب الثامن الذى ناقش تطوّر الحضارة فى شمال الهند وجنوبها؛ بحيث غطّى الكتاب حياة أهل الهند القدامى الذين رغبوا يوماً بوضع مبادئ لكلّ علم، وبوضع قواعد لكلّ فنّ فى إطار نظام مستقلّ، مقسّمين مجال العلم إلى ثلاثة أقسام: الديانة (دهارما)، والشئون الدنيوية (أرثا)، وشئون الرغبة الجنسية (كاما). ووفقاً لذلك تمّ تدوين أصول علم الديانة فى «الدهارماشاسترات»، وأصول السياسة والحياة الدنياوية فى «الأرثاشاسترات»، وأصول النحت والرسم والعمارة فى «الشيلباشاسترات»، ودُوِّنت كذلك أمور الحبّ والعشق والجنس فى «الكاماشاسترات». واللافت فى هذا الكتاب، هو المنظور الذى اختاره المؤلّف للبحث فى ثنايا الحضارة الهنديّة القديمة وخباياها. فهو لم يتوقّف عند سرد الأحداث والوقائع، بل آثر التعريف بجماليّات الحضارة إذا ما جاز التعبير، بوصفهاعلامات أو إشارات أو دلالات عن حياة الشعوب. فقرأ أدواراً عدّة لازدهار الفنون الجميلة وانحطاطها، متبيّناً خلال قراءته هذا الجمال بعيونه الخاصّة وليس بعيون الآخرى. هكذا استند المؤلّف فى تجميع مصادر تاريخه إلى الفنون المختلفة، متلمّساً البصمات التى خلّفتها فيها، ليس الحضارات المختلفة فحسب، بل مختلف الفلسفات الهنديّة عبر التاريخ، ولاسيّما البوذيّة. وتنعكس منهجيّة الكتاب أيضاً، على الدقّة المتَّبعة فى البحث، فى ذلك الاجتهاد البحثى الحرّ إذا ما جاز التعبير، حيث يرد الآتي: «ما دامت الحياة سارية مستمرّة ولم تبلغ منتهاها، فإنّ معايير الجمال وأقداره ستستمرّ فى تلقّى الخواطر والمشاعر المتغيّرةومن علامات حياة الشعوب أن يكون فيها أشخاص لا يرون الجمال بعيون الآخرين، بل يرونه بأعينهم ويجعلون أعمالهم انعكاساً للأقدار الخلقية الجديدة والخواطر المتغيّرة». لذا يشكّك المؤلّف فى صحّة المعلومات الواردة فى المؤلّفات اليونانية عن الهند، والتى تكتفى بوصف البلاد على أنّها بلاد العجائب والغرائب، «لأنّ قصص القرود والأفاعى والذهب والمجوهرات واللآلئ راقت لهم أكثر من حياة الناس اليومية»، ولأنّ المحقّقين الأوروبيّين أولوا بيانات الذين كتبوا عن الهند مثل «نياخوس» و»أونيسيكريتوس» و»إريستوبولُس» أهمّية كبيرة، فيما الحقيقة برأى محمد مجيب هى أنّ اليونانيّين الذين جاءوا إلى الهند لم يستطيعوا أن يشاهدوا أو يفهموا إلّا القليل. يُظهِر هذا الكتاب الموسوعى قِدم العلاقة الدينيّة والحضاريّة التى قامت بين ما يسمّى بالمشرق الإسلامى الحالى وآسيا. فآثار حضارة العصر الحجرى المتأخّر موجودة من نهر النيل حتّى هوانغ هو وبينما كانت مصر والعراق والسِند والصين الشرقية من أكبر مراكز الحضارة، شهدت أماكن مختلفة أيضاً مظاهر التطوّر الحضاري، فمع كلّ اكتشاف أثريّ، تظهر العلاقات الوطيدة التى قامت بين مراكز الحضارة الأولي. الكتاب: تاريخ حضارة الهند المؤلف: محمد مجيب المترجم: محمد نعمان خان الناشر: مؤسسة الفكر العربي