«الصحة» تنظم دورات تدريبية حول الإسعافات الأولية من خلال فروع هيئة الإسعاف بمختلف المحافظات    رئيس شعبة الدواجن: ارتفاع أسعار الفراخ بسبب مشكلة تسعير وليس احتكار    إيلون ماسك يثير الجدل بلفظ غريب عن سيارة «تسلا»| صور وفيديو    طرح 8 مزايدات عالمية للاستثمار في البحث والاستكشاف عبر البوابة الرقمية للبترول    باحث سياسي: إسرائيل تضع العالم أمام مخاطر جديدة.. ولا رادع لها    حزب الاتحاد ينظم ندوة بعنوان «إفريقيا عمق استراتيجي لمصر ومصير مشترك»    رسالة نارية من إبراهيم سعيد ل «شيكابالا»: اعتزل واحترم تاريخك    مستند دولي ينهي جدل أزمة منشطات الأهلي والزمالك بالسوبر الإفريقي ويحدد العقوبات    «ارتدى قناعًا».. مبابي يثير غضب جماهير فرنسا بعد ظهوره في ملهى ليلي (صور)    لصوص الدعم.. ضبط 15 طن دقيق مدعم داخل مخابز سياحية    تأجيل محاكمة إمام عاشور والمتهمين في واقعة مؤمن زكريا| أبرز أحكام الأسبوع الماضي    الهضبة عمرو دياب.. أسطورة الموسيقى يحتفل بعيد ميلاده    4 أبراج مخلصة في الحب والعلاقات.. «مترتبطش غير بيهم»    دار الإفتاء توضح فضل زيارة مقامات آل البيت    التحالف الوطني يطلق قافلة طبية بمركز الزرقا في دمياط للكشف والعلاج مجانا    أسعار التوابل اليوم الجمعة 11-10-2024 في محافظة الدقهلية    تغلب على هالاند.. بالمر لاعب الشهر في الدوري الإنجليزي    "شباب الأحزاب والسياسيين" تعقد ندوة بشأن مرور عام على حرب غزة وتحديات صناعة السلام    مسؤولون أمريكيون: المرشد الإيراني لم يقرر استئناف برنامج السلاح النووي    ضبط مخزن زيت طعام بدون ترخيص والتحفظ على 5 آلاف زجاجة مجهولة المصدر    مصادر طبية فلسطينية: 21 شهيدًا بغارات إسرائيلية على غزة    معارض أوكراني: زيلينسكي يفضل خسارة الحرب على السلام    غدا.. الأوبرا تنظم 4 حفلات ضمن فعاليات الدورة 32 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    شبهت غزة بوضع اليابان قبل 80 عامًا.. منظمة «نيهون هيدانكيو» تفوز بجائزة نوبل للسلام    90 صورة من حفل زفاف مريم الخشت بحضور أسماء جلال ويسرا وجميلة عوض    أوقاف الدقهلية تفتتح مسجد أحمد إبراهيم في دكرنس (صور)    فضل الدعاء للأب المتوفي في يوم الجمعة: مناجاةٌ بالرحمة والمغفرة    ننشر حصاد جلسات مجلس النواب 7 -8 أكتوبر 2024    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة بمسجد الشهداء بالإسماعيلية    أخصائية تغذية: هذا الجزء من الدجاج لا يُنصح بتناوله    الجيش الكوري الجنوبي: "بيونج يانج" ترسل حوالي 40 بالونا يحمل القمامة باتجاه كوريا الجنوبية    أوقاف بني سويف: افتتاح 6 مساجد بالمحافظة خلال الشهر الماضي    إيمان العاصي عن تجسيد قصة حياتها في «برغم القانون»: «كلام عجيب.. وأبو بنتي مش نصاب»    تقرير إسرائيلي: خلافات حادة في جلسة المجلس الوزاري المصغر    بحضور وزير الأوقاف: «القومي للمرأة» ينظم ورشة عمل للقادة الدينيين    تعرف علي حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    الحوار الوطني.. ديمقراطية الرأي والرأي الآخر دليل على وجود مناخ صحي تشهده مصر تحت رعاية الرئيس السيسي    وزير الإسكان: تسليم الوحدات السكنية بمختلف أنواعها بالمدينة للحاجزين    إصابة مواطن في إطلاق نار بسبب مشاجرة بسوهاج    تنزانيا تسجل أول إصابة بجدري القردة وسط مخاوف صحية دولية    موعد مباراة مالي وغينيا بيساو في تصفيات أمم إفريقيا 2025 والقنوات الناقلة    القومى للطفولة يولي مهام رئاسة المجلس لعدد من الفتيات في يومهن العالمي    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة سيارات النقل بالأقصر    الصحة: إغلاق عيادة جلدية يديرها أجانب مخالفة لاشتراطات التراخيص في مدينة نصر    سفيرة مصر في زامبيا تطالب الكنيسة بتوسيع خدمات المستشفى القبطي    أجواء سياحية صباحية بزيارات معابد شرق وغرب الأقصر مع تحسن حالة الطقس.. صور    الأربعاء..انطلاق Arabs Got Talent بموسمه السابع على MBC مصر    خطبة الجمعة اليوم.. تتحدث عن السماحة في البيع والشراء والمعاملات    مشادة كلامية.. حبس فتاة قتلت صديقتها طعنا داخل كمباوند شهير في أكتوبر    ترامب يتعهد بإلغاء الضريبة المزدوجة على الأمريكيين المقيمين بالخارج حال الفوز    تغيرات حادة في أسعار الحديد والأسمنت بمصر: التقلبات تعكس الوضع الاقتصادي الحالي    للنصب على المواطنين، حبس صاحب أكاديمية وهمية لتعليم التمريض بالإسكندرية    التأمين الصحى ببنى سويف تنظم برنامجا تدريبيا عن الأسس العلمية لإدارة المكاتب    موعد مباراة هولندا والمجر والقنوات الناقلة في دوري الأمم الأوروبية    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم.. الماكريل ب 180 جنيهًا    اختللاط أنساب.. سعاد صالح تحذر المواطنين من أمر خطير يحدث بالقرى    «راجع نفسك».. رسائل نارية من رضا عبد العال ل حسام حسن    مباشر الآن مباراة البرازيل ضد تشيلي (0-1) في تصفيات كأس العالم 2026.. لحظة بلحظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظلال مراوغة
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 06 - 2012


محمد جبريل:
هل تأذن لي في رواية ما لم نتبادله في رسائلنا بين بوسطن والجيزة‏,‏ تحدثنا عن محاولات الاندماج في مجتمع يختلف تماما عن المجتمع المصري‏,‏ حتي الأجناس والقوميات والسحن واللغة تختلف‏.‏ ربما أعدت- في رسائلي بعض ماذكرته من مشاهدات وحكايات يومية, اعتادت الأعين مفردات الحياة في نزلة السمان القريبة من الأهرام: البيوت القديمة, القصيرة, ذات الألوان الفاقعة, إلي جانب البنايات الحديثة, العالية, باعة القلل والأزيار, والفخاريات ذات النقوش والزخارف محال المشغولات اليدوية, المشغولات الفضية والنحاسية, التماثيل الفرعونية المقلدة, أوراق البردي المزينة بالرسوم.
يشتري الأجانب أوراق بردي خالية من الرسوم والنقوش, يتكلمون عن رسمها بأنفسهم, قالت السيدة لنظرتي المندهشة:
ستعبر الرسوم عن البيئة المصرية, لاشيء يصعب تقليده!
كان أبي يروي عن الرجل ذي القامة الضئيلة, والبشرة السمراء, والتجاعيد المحيطة بالعينين والفم, والشارب المنسدل علي الشفتين, يجول في النزلة وهو ينادي: مساخيط للبيع, يعود الناس من داخل البيوت, في أيديهم تماثيل صغيرة, يستبدل بها بضعة جنيهات ويمضي. تحت الأرض في نزلة السمان- كما تعلم- يخلو من الآثار, يبيعون التماثيل والآثار الحقيقية والمقلدة, تماثيل صغيرة, وأوعية خزفية, وأقواس, وعصي, يشترونها من قري البدرشين, عرف عن أهلها تقليد الآثار, فيصعب تمييزها عن الآثار الأصلية, اللمعة الصفراء تحت كساء الرمل المبلل تشي بالذهب, يخفون الحقيقية عن الأعين التي تسلب اللمعة نظراتها, ويخفون المقلدة عن الأعين التي يشغلها الشراء بالفعل.
تأملت فيما كتبته عن زيارتك إلي باريس, المسلة المصرية في ميدان الكونكورد. عانيت تأثرا هذا هو تعبيرك لوقوفها وحيدة في قلب ميدان الكونكورد, نحن أولي بتاريخنا.
أذكر قولك: لو أن المسلة ظلت في مصر, أو لو أننا استعدناها, فلا أحد يعرف إن كانت ستظل راقدة في الصحراء, إنهم يعرفون عن قيمة آثارنا ما لا نعرفه.
ما أعيشه في الفترة الأخيرة, في الأيام الأخيرة, يدفعني إلي إهمال الدنيا التي أكرر نقل ملامحها إليك, ما يحدث أكبر من أن أعبره بنظراتي, وأكتفي بالصمت.
فركت عيني, أتصور أني أعاني حلما سخيفا, أو لعله كابوس, واجهت نظرة عدم التصديق, وربما الاستخفاف في أعين من رويت لهم ما ألقاه, لكن توالي الأيام يطالعني بالعجب والغربة, أعجز حتي عن إبداء الدهشة, وإلقاء الأسئلة, ومحاولة التعرف إلي معني مايحدث.
الخروج من البيت عصر غالبية الأيام إلي هضبة الأهرام عادة لم أبدلها بعد أن سافرت, وظللت بمفردي. أحرص ما أمكن علي العادة اليومية, بمفردي, أو مع أصدقاء.
لم تعد رؤية الأهرامات متاحة من سطح البيت ذي الطابقين, علت البنايات المجاورة حتي أخفت هضبة الأهرامات تماما.
أنظر من حواف الهضبة إلي المدينة في أسفل, أمضي في شارع الهرم, يدركني التعب, أعود بخطوات بطيئة, أو أقف في محطة الأتوبيس.
ربما أشرت إلي سيارة سرفيس
لم يكن الجلوس أمام الأهرام من عاداتي.
الملل دفعني إلي مغادرة البيت, واختراق الشوارع الضيقة, القليلة, في نزلة السمان. طالعتني الصحراء, يتوسطها تجاور الأهرامات الثلاثة وأبوالهول, وتلال الرمال تنبسط إلي الآفاق المواجهة, وإلي السور الحجري الممتد خلفنا.
السياح الأجانب يتبعون الأدلاء في تسلق الحجارة من مواضع يعرفونها, في بالي: التوابيت, المومياوات, تماثيل الأوشابتي, نصوص الأهرام, الأواني الكانوبية, وغيرها مما تحفل به الكتب.
في امتداد الأفق, تستلقي الرمال المائلة إلي البني, والحصي, والصخور الأقرب إلي الحمرة.
لا أذكر متي فطنت إلي أن أحجار الهرم الأكبر تتناقص, لم ألحظ ماجري إلا بعد أن تناقصت الأحجار بما شد انتباهي.
لكثرة مانظرت إليه, تصورت أني أعرف صورة التفصيلات الصغيرة فيه, النتوءات والفجوات والفراغ بين الحجارة المتلاصقة, توالي المشاهدة ثبت الصورة في ذهني.
اعتدت في جلستي تحت الهرم, أمام الهرم أن أتأمل طوابق الحجارة المتناقصة من السفح إلي القمة, يعروني الملل, فأتشاغل بالعد: واحد.. اثنان.. ثلاثة... لم يعد العد في الطبقة الثانية كما هو.
عنيت في الأيام التالية بملاحظة قطع الحجارة المتناثرة أسفل الهرم: هل هي حديثة السقوط من البناء الحجري, أم أنها في موضعها قبل أن أفطن إلي غياب قطع من الحجارة؟ خمنت من الرمال المتراكمة حولها, أن كل شيء من زمن علي حاله.
في يوم لا أذكره تبينت اختفاء ثلاث قطع من حجارة الهرم, ضخمة بحيث يصعب نزعها من مواضعها.
حدست أن الأحجار سقطت بتأثير الصعود إلي قمة الهرم, يصيبني الدوار كما تعرف بالوقوف في الأماكن العالية, لا أحاول المجاراة في صعود الجسم الحجري, ربما أعاني التعب, أو أن الأمر لايعدو خداع نظر.
عدت بعد أيام, جلست في الموضع الذي ألفته, حاولت تبين التبدل الذي طرأ علي المشهد.
تكرر الأمر في يوم تال, زاد عدد قطع الحجارة المختفية بما يثير القلق, الطبقة التحتية في حجارة الهرم, تعلوها طبقة أخري أقل حجما, تعلو الطبقة الثانية طبقة ثالثة, وهكذا, إلي حيث قمة الهرم التي تطايرت حجارتها.
لم أستطع أن أفسر ما رأيت: أعرف أن عدد الكتل الحجرية التي بني منها هرم خوفو بلغ مليونين ونصف المليون كتلة حجرية, ترتفع نحو مائة وستة وأربعين مترا. الكتل الحجرية في الأهرامات الثلاثة تبلغ ثلاثين مليون كتلة حجرية, لم أتعمد النظر إلي هرم خوفو, ما رأيته بالمصادفة هو الذي اجتذبني, دفعني إلي إلحاح الزيارات اليومية, وعدم التحول إلي ما قد يصرفني عن المتابعة, أبتعد حتي عن زحام الناس ونداءاتهم ولغطهم, وإن تلفت إلي المدينة في أسفل.
أصمت عن الإجابة, وأسلم نفسي للشرود حين يفاجئني سؤال لا أتبينه جيدا.
غاب انعكاس ما رأيت في أعين الناس, هل هو ما يسمي خداع البصر؟ أو أني أعاني خبلا؟
هل سقطت الحجارة بتأثير التصدع؟
أعرف أن الكتل الحجرية تماسكت دون لاصق من أي نوع, عوامل الزمن تكفل سقوط كتل, قطع, منها, سقط الكثير بالفعل, ليس هذا هو جسم الهرم كما كان في القديم, ما أثار دهشتي أن الحجارة التي لاحظت اختفاءها لم تسقط علي الأرض, كأن يدا هائلة مضت بها إلي المجهول, كأن المجهول اختطفها.
أصحو قبل أن تظهر الشمس تماما إلي قطعة الحجر التي اخترتها موضعا, أتأمل منه بنية الهرم.
أنظر إلي الهرم كأني أراه للمرة الأولي, كأنه يختلف عن الجسم الحجري الهائل الذي يطالعني خارج البيت معظم أوقات النهار.
المسافة بعيدة بين الأهرام والموضع الذي يتاح لي الجلوس فيه, تتعدد التحذيرات والأوامر, فلا أستطيع الاقتراب, لكنني أري جيدا حتي قطع الحجارة التي تناثرت فوق الأرض, هي غير الحجارة التي ألاحظ اختفاءها, اعتدت رؤيتها من قبل أن تطول جلساتي أسفل الهرم.
نظراتي مشدودة إلي الحجارة الضخمة, المرصوصة في هيئة مثلث, أتأمل توالي الدرجات, ما نقص منها, وما أتوقع غيابه, لا أملك أدوات القياس, لكنني أملك الذاكرة والحدس والتصور, ما كان هنا لم يعد في مكانه.
من يصعد إلي الأعلي, هل يلاحظ الدرجات الناقصة؟ هل يلاحظ اختفاء قطع الحجارة؟ تعاني الأيدي والأقدام في التسلق.
فكرت في أن أسأل عسكري البوليس, شاهدته في أوقات متقاربة, ربما لاحظ مثلي اختفاء قطع حجارة الهرم, نظرته الرافضة كتمت السؤال في نفسي, فظللت صامتا.
عبدالمعطي ميرغني يعرف الكثير عن آثار المنطقة بين هضبة الهرم ونزلة السمان, والقري القريبة, والخلاء الممتد من كل الجهات.
قال:
من يستطيع نقل حجر بمفرده, أو بمساعدة آخرين؟ ألن يراه أحد؟
وحدجني بنظرة مستغربة:
سرقة الآثار حقيقة, لكن ليس حجارة الأهرام!
قال الضابط في قسم الهرم:
نحن نتلقي بلاغات كثيرة عن سرقة نقود أو أشياء نفيسة, لكننا لم نتلق بلاغا واحدا عن سرقة حجارة.
إنها ليست مجرد حجارة, حجر الهرم أثر, قيمته عالية.
مضي علي الهرم آلاف السنين, ربما سقطت الأحجار بفعل الرياح.
قد يحدث هذا في حجر أو بضعة أحجار, إذا سقطت فعلي الرمال أسفل الهرم.. لكنها تختفي تماما. عشرات الأحجار اختفت!
ورفع عينين متسائلتين:
ألا تحلم؟
أحيانا... لماذا؟
ما يعانيه المرء ينعكس في أحلامه.
وثبت نظرته المتسائلة:
ربما الحلم انعكاس لمؤامرة تشعر بأنك تواجهها.
وأدار أصابع يده حوله أذنه:
وربما المؤامرة في رأسك!
شغلني العمل أربعة أيام, وربما خمسة, أغادر نزلة السمان إلي القاهرة من الصباح حتي آخر النهار. أول ما حرصت عليه حين عدت إلي جلستي أمام الهرم أن أتفحص الموضع الذي لاحظت تناقص أحجاره, نسيت الصورة التي كان عليها, لكن المشهد لم يكن هكذا تصورت علي الهيئة التي كانت آخر رؤيتي له. هل الصورة علي حالها, أو أن الحجارة تعاني نقصا, أشعر به, وإن كان العد صعبا.
تناوشتني الحيرة: هل أنزل المدينة من ناحية مينا هاوس, أو أتجه إلي ميدان الرماية, أو أجاوز أبوالهول, أخترق الصوت والضوء, والبنايات السياحية المترامية في أسفل.
لا أذكر أين ولا متي التقطت كلام الرجل عن إزالة نزلة السمان. قال: إذا واجهت الأهرامات خطرا فهو من نزلة السمان.
نفي أبي قول الرجل إن نزلة السمان أخذت اسمها من طائر السمان. كان يأتي إلي القرية, يجد فيها مكانا رطبا يعيش فيه, قال أبي إن أبناء النزلة يتبركون بقبر ولي الله سيدي حمد السمان.
أعرف أن مريدي سيدي السمان كانوا يقيمون الأذكار في الساحة التي يتوسطها مقامه, تأتي الجماعات في مواعيدها, كل ليلة خميس في كل أسبوع, من القرية والقري والمدن القريبة البعيدة للتبرك بصاحب المقام, يحملون البيارق والرايات والدفوف والطبول, ينتظمون أمام المقام, تعلو أصواتهم بالأذكار والأحزاب والتسابيح والمدائح النبوية والصوفية. أندس في زحام الذاكرين, أهتز, وأتطوح, وأردد الإنشاد والابتهالات, يرفع الشيخ صوته إلي آخر مداه, إن أبطأوا, أو توقفوا, كي يظلوا في أذكارهم وإنشادهم وتلاوة الأوراد والأدعية.
لم يعد مقام الولي في موضعه, غابت الدائرة الحجرية, يتصاعد في وسطها عمود, نتلاصق في رؤيتنا لاحتفالات المولد, تعلو صيحات الناس بطلب الشفاعة والمدد والكرامات والتجليات. تعاركت عائلات نزلة السمان, كل ينسب لنفسه القطبية وخلافة ولي الله, أزال العساكر لدرء الخطر مقام الولي, من يؤمن بولايته عليه أن يسعي إلي ضريحه في مقابر الإمام الشافعي, المقام يتكرر في مدن أخري, كثيرة.
يتكلم الناس عن الكرامات التي جفت ينابيعها بإزالة المقام, لم يعد بوسعهم أن يحصلوا علي بركات ولي الله, حلت في موضع المقام حديقة ذات أسوار, تنعكس التأثيرات بما يصعب تصوره, أبدي ملاحظاتي, وأعيد السؤال, تصدني الردود المستخفة والمستغربة والرافضة, لا أخبرهم بالسبب, أكتمه في نفسي.
قال أبي عند تهيئه للنوم:
كان لسيدي السمان معجزاته, وكنا نلجأ إليه.
ثم وهو يطفيء النور:
هذه الأيام نلجأ إلي بيع الآثار المقلدة, كي نعيش.
لو أن سيدي السمان ظل في موضعه, ربما فسرت مكاشفاته مايثير حيرتي, وأعجز عن تفسيره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.