جوهر الأزمة فى تونس وغيرها من الدول العربية هو تعارض المعادلة الجيو - سياسية العالمية، التى فى داخلها ولصيق بها حالة الجيوش والعلاقات المدنية العسكرية مع اللحظة الديمقراطية. ومع تقدم المعادلة الجوسياسية على اللحظة الديمقراطية، تراجعت القيم الليبرالية وانهار المشروع الإسلامى لقصوره فى تغيير نفسه، وفهمه واعتقاده أن الصراع الدولى، بأبعاده الجيو استراتجية، هى مغالبة، كما فى عهد الخلافة الإسلامية، وليست مشاركة صراعية فى بناء النظام الدولى ومؤسساته. واصطف المشروع الإسلامى الأممى مع الإرهاب الدولى، من هنا جاءت أهمية المؤتمر العاشر لحزب النهضة الإسلامى بتونس، فى الرغبة بإحداث مفارقة راديكالية بين مسار الدعوة ومسار العمل الحزبى المدنى، وهى محاولة من حزب إسلامى كان فى السلطة وخسر الانتخابات العامة، أن يغير جلده إلى الثوب الديمقراطى، السؤال الكبير هل هناك مقدمات تسمح بهذا فى فكره وممارساته؟ حركة حزب النهضة هى الحركة التاريخية التى تمثل التيار الإسلامى فى تونس، وتم تأسيسها فى 1972، أعلنت عن نفسها رسمياً فى 6 يونيو 1981، لم يتم الاعتراف بالحركة كحزب سياسى فى تونس، إلا فى 1 مارس 2011، من قبل حكومة، محمد الغنوشي، المؤقتة. تعتبر النهضة فى الوقت الحاضر من بين أهم الأحزاب السياسية فى تونس، وبين 2011 و2014, شكلت الطرف الرئيسى فى الحكم فى تحالف الترويكا بالتحالف مع حزبين أحدها من يسار الوسط، وهو االمؤتمر من أجل الجمهورية«، والثانى من الاشتراكيين الديمقراطيين وهو التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات. وفى الانتخابات التشريعية 2014، حصلت الحركة على المرتبة الثانية ب69 مقعدا، ورغم أنها من أكبر الأحزاب فى تونس، لم تدفع بمرشح فى الانتخابات الرئاسية 2014، ولم تساند أحداً. وبعد سنة من الانتخابات، شهد حزب نداء تونس، انقساماً داخله ما أدى إلى استقالة جزء كبير من نوابه من الحزب ومن الكتلة، وهو ما أدى إلا أن تصبح حركة النهضة أكبر أحزاب مجلس نواب الشعب. وتعتبر حركة النهضة، مقربة من حزب العدالة والتنمية التركى، الذى أسسه الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، وهى ذات توجه يمينى من الناحية الاجتماعية، إلى جانب دعم معتدل لليبرالية الاقتصادية. وفى بيانها التأسيسى ذكرت الحركة فى الفصل الأول أنها ذات مرجعية إسلامية، وتسعى إلى االنضال من أجل تحقيق وحدة المغرب العربى كخطوة باتجاه تحقيق الوحدة العربية فالوحدة الإسلامية وتحرير فلسطين، ولم تعلن الحركة، فى البيان أنها مرتبطة بجماعة الإخوان فى مصر، ولم تنف ذلك، رغم الغنوشى، عضواً بمكتب الإرشاد العالمى للجماعة. فى ضوء الملاحظات السابقة نقول بالنتائج الأولية، الخمس التالية: أولاً: يقوم المنهج الأصولى لحزب النهضة على القول ابإن عقيدتنا لتستقى أركانها من القرآن الكريم والسنة المتواترة، وتستقى فروعها من ظواهر الكتاب المعضدة بما صح من أحاديث نبوية مجتمعة، وتهاجم الحركة وتنتقد الظواهر السلفية سواء المعتدلة أو المتطرفة مثل داعش وغيرها. ثانياً: القضية ليست فى الفصل بين الدعوى والحزبى، ولكن القضية: «امن يقود من»، فالخبرة المصرية، توضح أن جماعة الإخوان، قادت حزب الحرية والعدالة، والرئيس محمد مرسى، رغم أنه ينتمى للجماعة. والعلاقة بين حركة النهضة، والتنظيم العالمى لجماعة الإخوان ظهرت للرأى العام فى الآونة الأخيرة بعد أن كشفت وسائل الإعلام فى أكثر من مرة مشاركة الغنوشى، فى اجتماعات التنظيم التى أعقبت العزل الشعبى لمرسى، بعد ثورة 30 يونيو، والتى بحثت خلالها قيادات الجماعة أسباب انتكاسة حكم الإخوان فى مصر وتداعياته. ثالثا: هاجمت حركة النهضة التونسية ورئيسها الغنوشي، موقع «إنكيفادا» الشريك التونسى فى شبكة المحققين الدوليين التى سربت وثائق بنما، وأصدرت بياناً رسمياً هددت فيه باللجوء إلى القضاء، بعد كشف الموقع تورط الغنوشى وابنته وزوجها، وعدد من القيادات الإخوانية التى كانت لاجئة إلى لندن، بملكية شركات مسجلة فى ملاذات ضريبية. ورغم أن إعلان تورط الزعيم الإخوانى لا يُشكل مفاجأة، بما أن كل القيادات الإخوانية سواءً التونسية منها أو العربية الأخرى، معروفة منذ سنوات بالتورط فى مثل هذه العمليات، وأشهرها الوجه الإخوانى المعروف بتمويل التنظيم الدولى للإخوان وإخفاء مصادر تمويله وطرق إنفاقها، يوسف ندا. رابعاً: قبل المؤتمر العاشر بأيام، خرجت رسالة منسوبة للغنوشى تؤكد رغبته فى الانفصال، بالقول إن الانفصال بين الحركة والجماعة قريب، ودار أغلب الخطاب المنسوب إليه حول أن حركة النهضة ستنفصل نهائيًّا عن التنظيم الدولى للإخوان. ولكن مكتب الغنوشى، نفى الرسالة جملة وتفصيلاً. خامساً: وأخيراً، كان القرار الخليجى والاتهامات الأوروبية، لجماعة الإخوان وإسقاط حكمها فى مصر والضغط الأنجلو أمريكى، مفعول الزلزال على حركة النهضة فى تونس، وهو ما جعل زعيمها يدرك أن الدور القادم سيكون عليهم، ما جعله يسرع بإقناع إخوانه بضرورة التسريع بإجراء امراجعاتب تشير لوجود مسافة بين النهضة والإخوان. تنظر النهضة بعين المستقبل إلى الانتخابات المحلية، فبعد رفض جزء ليس بالقليل داخل حزب نداء تونس، الترشح فى قوائم مشتركة مع حركة النهضة، فى الانتخابات البلدية، تواجه الحركة صعوبات للحصول على مقاعد فى هذه الانتخابات، لهذا يبدو إنها تحاول التنصل من الإخوان بالإشارات الجديدة التى كانت فى برنامج المؤتمر العاشر، لكسب التحالف مع النداء، وثقة الشعب مرة أخرى. لمزيد من مقالات د.جهاد عودة