يعترف العالم بأن مصر نجحت فى الإفلات من كوارث الفوضى والحروب الأهلية التى سقطت فيها دول عربية أخرى خلال الربيع العربى، وأن مصر استطاعت أن تنجو من الانزلاق إلى مصير دول أخرى فى المنطقة تعانى الفوضى والحروب الأهلية. وفى كتاب جديد للمؤلف روبرت وورث، المراسل السابق لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يحاول المؤلف تقييم ثورات الربيع العربى بعد خمس سنوات من وقوعها. والكتاب وعنوانه "رغبة عارمة فى النظام: فوضى الشرق الأوسط من ميدان التحرير إلى داعش"، يتوقف بإهتمام أمام اختلاف المسار عقب هذه الثورات بين ما حدث فى سوريا وليبيا واليمن، وبين مصر التى حافظت على نفسها من الفوضى والانهيار. المؤلف يروى قصة أحداث عام 2011 فى العالم العربى، ثم تدهورها إلى حروب أهلية، بدلا مما كان متصورا حدوثه من الربيع العربى. فى هذه الفترة كان الدارسون والخبراء وصناع السياسة يجاهدون لشرح الأحداث التى وقعت فى الشرق الأوسط عام 2011، وكان تفسيرهم هو أن شعوب هذه الدول فاض بها الكيل من الظروف المحيطة بها، فبعد عقود من الفشل الإقتصادى والحكم القاسى والأوضاع الإجتماعية التى لا تتناسب مع عولمة العالم من حولهم، فقد خرجوا إلى الشوارع يطالبون بالتغيير. ويرصد المؤلف مشاهد خروجهم وهم متحدون فى معارضة النظام القديم، لكنهم منقسمون فيما يريدون حدوثه بعد ذلك، وكانت هناك تجارب تاريخ الثورات الأخرى، عندما يكون إسقاط النظام القديم هو الجانب الأسهل فى الأحداث. ويصل المؤلف إلى نقطة الإختلاف بين مصر والدول العربية الأخرى، سوريا وليبيا واليمن، فيقول أن مبارك لم يأمر الجيش بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، ويضيف "ونحن لا نعرف لماذا، ربما لأن الجيش قرر أنه يستطيع المحافظة على كيان القوات المسلحة ولو بدون وجود مبارك، وأنه لن يطلق رصاصة واحدة حتى ولو أمره مبارك أن يطلق الرصاص". ثم يتحدث المؤلف عن المشاعر القوية التى دفعت الناس فى الشرق الأوسط للخروج من حالة الإبتهاج والفرح بالثورة إلى آلام الحرب الأهلية، وبدون وجود ما يحل محل الأنظمة العاجزة، فقد انهارت سوريا وليبيا واليمن.. وغرقت فى الفوضى.. والفوضى تولد الخوف.. والخوف يولد العنف.. والعنف يولد الانتقام والغضب.. وهو ما يدفع إلى مزيد من العنف. هذه الدول العربية الثلاث، سوريا وليبيا واليمن، وقعت الأن فى مصيدة العنف الذى يمارسه كل فصيل من الفصائل المتصارعة داخل هذه الدول، وهو ما يمكن أن يجعل العنف يظل مشتعلا لعشرات السنين، لكن مصر إختارت طريقا مختلفا، وفضلت نظام حكم يتجنب الحرب الأهلية، وإن كانت شرارة القتال مازالت على مقربة منها فى سيناء وليبيا. ويقصد المؤلف هنا ما جرى فى 30 يونيو 2013 من التخلص بإرادة شعبية من حكم جماعة طائفية كان من الواضح أن طريقتها فى الحكم سوف تقود مصر إلى نفس مصير الدول الثلاث الأخرى. ويقول المؤلف فى كتابه أيضا أن سوريا وليبيا واليمن، والتى كانت قد شهدت أيضا ثورات الربيع العربى، يظهر فيها أن سقوط الدولة يمزق مجتمعاتها ويهبط بها إلى درجة تكون فيها عبارة عن جماعات منقسمة ذات هويات متصارعة، ويضيف أيضا أن هذه هى الحقيقة الجوهرية التى غابت عن معظم الأمريكيين، الذين كانوا يراقبون وقوع الشرق الأوسط ضحية للصراعات، وهم ينظرون إليه من مسافة بعيدة، ويضيف المؤلف "أننا أقنعنا أنفسنا بأن حروب هؤلاء الناس هى نتيجة لكراهيات قديمة بينهم، أو نتيجة للحدود التى رسمت من قبل لدولهم". لكن كتاب وورث يبدد هذه المفاهيم التى يعتبرها أوهاما، وهو يرى أن ما يحدث فى الشرق الأوسط من عنف وحروب أهلية تحركه الفوضى. إن عنوان الكتاب "رغبة عارمة فى النظام"، هو تعبير عن أن الفوضى هى البيئة التى تنتشر فيها كل الآثام التى ظهرت فى القتل الجماعى والعشوائى والتدمير وسفك الدماء ووجود جماعات ضالة تعتبر من لا يتفق مع أفكارها هو عدو لابد من قتله والقضاء عليه. لكن من أين أتت هذه الفوضى؟! ربما تكون الإجابة عند من بشروا بما سموه "الفوضى الخلاقة" كخطط لسياسات رسمية ينطلق تنفيذها فى الشرق الأوسط، وخاصة فى دول الربيع العربى.