أهم الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها عقب التغيرات العنيفة التي ضربت الشرق الأوسط عام2011 المعروفة لدي البعض بالربيع العربي وللبعض الآخر بشتاء الإرهاب, هو كيف فشل الغرب في توقع هذين الفصلين المتناقضين من أجل مواجهة تحدياتهما, خاصة بعدما أسفرا عن مجموعة من الحروب الأهلية في بعض الدول وانعدام الاستقرار والفوضي في دول أخري. والحقيقة كما يقول كتاب( الربيع المفقود.. السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والكوارث التي يمكن تجنبها) للمؤلف وليد فارس ان واشنطن تتردد كثيرا في اتخاذ القرارات عندما يكون اتخاذها القرار أمرا ضروريا, كما أن السياسة الأمريكية تفتقر للتنسيق خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب مشيرا إلي أن تاثير تلك الأخطاء أثبت لاحقا أن تكلفته باهظة علي واشنطن ودول الشرق الأوسط بأكملها). ويضرب المؤلف مثالا علي ذلك قائلا ان السياسة الخارجية الأمريكية فشلت في التنبؤ بأن الانفجار قادم في ليبيا وغيرها ومن ثم فشلت واشنطن في وضع خطط لتحجيم الإرهاب حول العالم نظرا لأخطاء استراتيجية ارتكبتها خلال هذا الربيع المفقود. في عام2005 ألف وليد فارس كتابا تحت عنوان( جهاد المستقبل) توقع فيه ان تنظيم القاعدة سوف يوسع من قاعدة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في باكستان لخلق امتداد له في الشرق الأوسط وشمال افريقيا, وفي كتابه( الثورة القادمة) عام2010 توقع المؤلف حدوث الربيع العربي بينما رفض تنبوءاته الخبراء والمراقبون. وفي هذا الكتاب يؤكد المؤلف ان الشرق الأوسط تحول إلي معركة شرسة بين الاصلاحيين والاصوليين ولا أحد يعرف من الذي سيسود في النهاية. يشير المؤلف في مقدمة كتابه إلي ان السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط تواجه تحديات كبيرة اليوم حيث تورطت واشنطن في قضايا المنطقة التي أصبحت أكثر المناطق خطورة وتعقيدا علي مستوي العالم, والتي تمتد من شمال افريقيا إلي الحدود الأفغانية مع الصين. ومنذ هجمات سبتمبر2001 تدخلت الولايات المتحدة عسكريا في المنطقة وشنت الحروب وفرضت العقوبات الاقتصادية كل ذلك من أجل تحقيق أمنها الداخلي, إلي جانب حماية مصالحها ومصالح حلفائها في الشرق الأوسط. وحتي قبل هجمات سبتمبر شكلت واشنطن شبكة من التحالفات الدبلوماسية وحافظت علي وجود عسكري قوي من المحيط الأطلنطي إلي المحيط الهندي وكانت هذه الإجراءات مهمة خلال الحرب الباردة لمواجهة السوفيت وعقب اتفاق وارسو للدفع بالشرق الأوسط نحو السلام. صورة أمريكا بدأت صورة الولايات المتحدة الأمريكية تتغير في أعين سكان الشرق الأوسط منذ عام2009 حيث انتشرت معاداة( الأمركة) خاصة بين الحركات الإسلامية علي اتساعها. وعلي الرغم من قتل واشنطن أسامة بن لادن زعيم القاعدة السابق واغتيال أنور العوالقي في اليمن كانت النتيجة ازدهار الحركات الإرهابية في العالم العربي وفي الدول ذات الأغلبية المسلمة من الصومال ومرورا بمالي حتي ليبيا. وجاء غزو الولايات المتحدة للعراق ليؤدي إلي اتساع شبكة القاعدة واتخاذها أبعادا ومسميات جديدة لم تكن موجودة من قبل, كما ان الجهاديين زادوا من هجماتهم منذ الانسحاب الأمريكي من العراق عام2011 حيث كان الاستيلاء علي السلطة وإعادة النفوذ السني المغتصب علي يد القوات الأمريكية هدفا يحرك الجهاديين في العراق وسوريا علي وجه الخصوص. وعلي سبيل المثال فإن النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام( داعش) في سوريا قادا المعارضة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد ويلقي التنظيمان دعما من جانب لبنانوالعراق وجماعات أخري علي صلة بتنظيم القاعدة. ويشير المؤلف إلي ان الجهاد السلفي العالمي أصبح اليوم أكثر خطورة من أي وقت مضي. أخطاء واشنطن وفي اعقاب ابرام الولايات المتحدة اتفاقا نوويا مع طهران عام2013 كي تتراجع طهران عن طموحاتها النووية في مقابل رفع واشنطن بعض العقوبات عنها وبينما كانت تتوقع واشنطن أنه سيحجم من قوة طهران داخليا وخارجيا, جاءت النتيجة عكسية حيث استمر نظام خمانئي في السيطرة الاقتصادية والسياسة داخل إيران كما اندست الاتف الإيرانية لتشعل الصراع الطائفي في العراق عقب الانسحاب الأمريكي من البلاد, كما تستمر طهران في إمداد نظام الأسد بالعتاد والقوات للوقوف في وجه المقاومة, كما وسعت من دعمها الاستراتيجي لحزب الله الشيعي في لبنان كما تدعم الخلايا الشيعية في البحرين والكويت والسعودية لمحاربة الأنظمة هناك إلي جانب توسيع وصولها إلي البحر الأحمر وغرب إفريقيا والأمريكتيين, ومن ثم أصبح الثأثير الإيراني في2014 أكثر خطورة من العقد الماضي بأكمله, فعلي الرغم من الاتفاق النووي الأخير إلا أن البرنامج النووي الإيراني لم يتوقف استراتيجيا, ومازالت طهران تتمتع بالفيتو الصيني والروسي للدفاع عنها أمام أي قرار ضد انتهاك حقوق الإنسان لديها. يقول المؤلف: وجدت الحركات الثورية الإصلاحية نفسها بين سندان الأنظمة الديكتاتورية والدولة العميقة التي خلفتها وبين عنف وتطرف الحركات الإسلامية الأصولية التي اختطفت فرحة الربيع العربي, وحولته من ثورات شعبية عام2011 إلي إرهاب وعنف منظم من جانب الجماعات المتطرفة عام.2013 وظهر الفكر السلفي جليا عقب الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا ثم الأردن واليمن والذي سريعا ما تراجع لمصلحة قوي إسلامية أخري في الشرق الأوسط مثل ميليشيات المهدي في العراق وحزب الله في لبنان. وعقب سيطرة الإسلاميين علي الدولة تلو الأخري, اشتعلت شرارة الحرب الأهلية في سوريا وزادت وتيرة العمليات الإرهابية في العراقولبنان, وامتد الصراع المدني إلي العديد من الدول في شمال إفريقيا وغيرها من الدول العربية الأخري في منطقة الخليج. وإزاء كل هذه التطورات ظلت سياسات واشنطن إزاء المنطقة العربية تتسم بالخمول ومع سرقة الربيع العربي من جانب إخوان مصر ونهضة تونس ظلت واشنطن تتبع نهج السياسة الخاطئة وتضع يدها في يد الشريك الخطأ مطلقة علي ما يحدث في المنطقة العربية( ربيعا عربيا), وتجاهلت واشنطن تماما حركة الميليشيات الجهادية في أعقاب الثورات العربية فلم تفرق بين الثوار والميليشيات الجهادية التي انتعشت في ليبيا في أعقاب سقوط نظام القذافي. ويشير المؤلف إلي الخطأ الفادح الذي ارتكبته واشنطن من خلال تأييدها للمبادرة الروسية التي تقضي بتسليم الأسلحة الكيميائية السورية التي استخدمها الأسد ضد السوريين دون ان تضع نهاية للحزب الأهلية التي تدور رحاها في دمشق حتي تحولت البلاد إلي مسرح لتصفية الحسابات بين قوات النظام السوري المدعومة من إيران والحركات الإسلامية الأخري مثل تنظيم القاعدة وداعش والنصرة إلي جانب المنافسة بين هذه الميليشيات فيما بينها. لوبي الأصوليين الأسوأ من ذلك في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن عمل لوبي الإخوان المسلمين داخل الإدارة الأمريكية واستطاع أن ينجح في وصف أي سياسات معادية للتطرف بأنها تندرج تحت مفهوم( الاسلاموفوبيا), ويشير المؤلف إلي ان الأخطاء التي ارتكبت في عهد بوش تحولت إلي سياسة ومنهج في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما. يقول المؤلف لكل هذه الأسباب ينبغي ان تحسن الولايات المتحدة الأمريكية من سياساتها الخارجية في الشرق الأوسط حيث ان سياستها إزاء المنطقة منذ هجمات سبتمبر كانت لها نتائج كارثية علي الأرض نظرا لتوطيد إدارة أوباما علاقتها مع لوبي الأصوليين في الشرق الأوسط منذ عام2009 متجاهلة بذلك مخاطر نمو حركات التطرف علي المستوي العالمي. وأشار المؤلف إلي أن اللوبي الإسلامي المتطرف في الغرب شن حربا ضد الأفكار الديمقراطية من جانب الخبراء والمفكرين في الغرب مما أحدث تحولا أيديولوجيا وراديكاليا لإدارة أوباما إزاء الشرق الأوسط لم يتم الإعلان عنه صراحة خلال الحملة الانتخابية لأوباما عام2008 إلا أنه ظل سائدا خلال سياسات واشنطن إزاء الشرق الأوسط من خلال الشراكة مع اللوبي الإسلامي في أمريكا منذ دخول أوباما البيت الأبيض. وعلي الرغم من عدم تمتع سياسة أوباما إزاء الشرق الأوسط بقبول شعبي أمريكي إلا أنه ظل متمسكا بها مما أدي إلي تغذية حركات التطرف في الشرق الأوسط وتقويض قوي الديمقراطية في المنطقة. وأوضح المؤلف أن مؤيدي أوباما الذين انتخبوه في الانتخابات الرئاسية كانوا يؤيدون أفكاره المتعلقة بانسحاب القوات الامريكية من الشرق الاوسط الا انهم لم يؤيدوا شراكته مع الاخوان المسلمين في المنطقة. أولي مواجهات الإخوان كانت ضد خبراء الأمن القومي في أمريكا الذين وضعوا استراتيجيات ضد الجهاد في الشرق الأوسط والذين كانوا علي صلة بأصحاب الأفكار الديمقراطية في الشرق الأوسط, ونجحوا في قطع العلاقات بين المفكرين والاكاديميين والمحللين الذين يسعون للشراكة مع الليبراليين في الشرق الأوسط. وخلال عامي2009 و2010 ركزت سياسات أوباما علي الإسلاميين في الشرق الأوسط, وأهملت الليبراليين في الدول العربية وإيران. المجتمع المدني بدأ نشاط المجتمع المدني في الشرق الأوسط منذ انهيار الاتحاد السوفيتي, وأضافت الإنترنت أداة جديدة لمجتمعات المنطقة المكافحة خلال أواخر التسعينيات, وكانت وسائل الإعلام الاجتماعية والشات وغرف الدردشة وسائل مساعدة علي ذلك. وخلال2001 و2008 توجه النشطاء الديمقراطيون إلي واشنطن باحثين عن النصيحة والمساعدة أولا بعد سقوط حركة طالبان في أفغانستان وكانت وجهة نظر الغرب تتمثل في الاستثمار في الشباب والقوي الاجتماعية المعارضة للراديكالية في الشرق الأوسط, وكانت المجتمعات المدنية هي الأمل لدي العرب في التغيير والإصلاح. ولكن الإشارات التي جاءت من إدارة أوباما بعد اشتعال شرارة الربيع العربي تسببت في إحباط المجتمعات الإصلاحية, وأصبح وعد التغيير من جانب إدارة أوباما ما هو إلا تغيير للأسوأ في السياسة الخارجية الأمريكية. ويشير المؤلف إلي أن إرسال أوباما رسائل لآية الله خامنئي في إيران هو أكبر سبب لإحباط المعارضة الديمقراطية في إيران وهو إعلان صريح لتأييد إدارة أوباما للنظام القديم في طهران مما حجم قوي المعارضة, وتعد هذه التحركات الأمريكية نذيرا بسياسة أمريكية جديدة إزاء الشرق الأوسط