لا تكف موسكو عن تحميل أطراف خارجية مسئولية تأجيج الاوضاع في سوريا وما حولها، في نفس الوقت الذي تواصل فيه اتصالاتها مع واشنطن وبقية الاطراف المعنية بشان اقرار "تهدئة" اطول مدى. وها هي موسكو الرسمية تعود مجددا لتكشف عن وقوف هذه الدول وراء محاولات احباط التهدئة التي كانت توصلت اليها في اعقاب زيارة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وهو ما اعرب الكرملين صراحة عن قلقه بشأنه، قبيل استقبال الرئيس فلاديمير بوتين لوزير خارجية قطر في سوتشي في نهاية الاسبوع الماضي . وكشفت مصادر الكرملين عن اتصال هاتفي لامير قطر بالرئيس فلاديمير بوتين يطلب فيه استقبال وزير خارجيته محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ، وهو ما استجاب له الرئيس الروسي يوم الجمعة حيث التقي المبعوث القطري في سوتشي. وقد جاء هذا اللقاء بعد سلسلة من المشاورات واللقاءات مع المبعوث الدولى ستيفان دي ميستورا وحسين عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الايرانية، الى جانب اتصالات هاتفية اخري بين سيرجى لافروف ونظيريه الامريكي جون كيري، والمصري سامح شكري، والتي تركزت كلها حول ضرورة استمرار التهدئة وانقاذ حلب من السقوط في براثن التنظيمات الارهابية وما تسمى بالمعارضة المعتدلة التي قالت موسكو انها لا تتورع عن التعاون معها، في اشارة الى الاتصالات غير المعلنة بين الهيئة العليا للمفاوضات وفصائل "جبهة النصرة". وكان الوزير لافروف حذر من محاولات واشنطن لضم مواقع تحت سيطرة هذه الجبهة إلى مناطق نظام التهدئة في حلب. وتقول المصادر الروسية ان كل هذه الاتصالات واللقاءات لم تكشف عن تقدم يذكر تجاه احتمالات "تراجع" موسكو عن تمسكها بثوابت ما اعلنته من سياسات وتوجهات للخروج بالازمة السورية من النفق المظلم منذ اندلاعها ولا سيما ما يتعلق بمستقبل الرئيس السوري بشار الاسد. واشارت المصادر الرسمية الروسية الى ان هذه المسالة «قُتلت بحثا»، فيما عادت الى تاكيد ما سبق واعلنه الرئيس بوتين حول ان مصير الاسد رهن بارادة شعبه وان المرحلة الحالية في حاجة الى جهود قواته الحكومية في مكافحة الارهاب. وكان لافروف وزير الخارجية قال ايضا بضرورة الكف عن ازدواجية المعايير والسياسات، مؤكدا انه لا توجد «معارضة معتدلة» و«معارضة غير معتدلة»، و«معارضة سيئة» و«معارضة جيدة» . وكشف الوزير الروسي في ختام لقائه مع المبعوث الدولي دي ميستورا في موسكو الاسبوع الماضي عن جنوح من وصفهم باللاعبين الخارجيين نحو فرض وجهات نظر مغايرة وتشجيع الهيئة العليا للمفاوضات على التمسك بالتشدد في نفس الوقت الذي اتهم فيه تركيا بالتغاضي عن فتح حدودها امام تسلل الارهابيين وتدفق المعونات والدعم المادى عبر هذه الحدود لتعزيز قدرات الارهابيين. واذ اكد لافروف انه لا بديل عن الحلول السلمية للخروج من المازق الراهن في سوريا، حمل على "القوى" التي تقف وراء تشدد ممثلي الهيئة العليا للمفاوضات الذين وصف سلوكهم بالغطرسة وطالبها بالتخلي عن مواقعها الى جانب "جبهة النصرة" حتى تستطيع ان تكون في مأمن من ضربات العسكريين. واذ اشار وزير الخارجية الروسية في حديثه الى وكالة "سبوتنيك" الى ما وصفه ب" العلاقات المريبة بين القيادة التركية مع تنظيمي «داعش» و«النصرة»، المح الى تغاضي واشنطن عن علاقات حلفائها سواء ضمن صفوف الناتو او خارجه مع التنظيمات الارهابية واستمرار ما يسمونها ب"المعارضة المعتدلة"، في تعاونها مع هذه التنظيمات وخاصة «جبهة النصرة». وعاد لافروف ليؤكد انه لا بديل عن المفاوضات لحل الازمة السورية وان احدا لن يستطيع فرض الحلول العسكرية في تلميح لا يخلو من تصريح حول ان موسكو لن تسمح بسقوط نظام الاسد وانفراد المعارضة المدعومة من الخارج باى انتصارات عسكرية. وكانت موسكو حذرت ايضا من ان الاصرار على رحيل الاسد قد يودى بسوريا والمنطقة الى مصير مشابه لما واجهته وتواجهه ليبيا بعد الاطاحة بنظام معمر القذافي ومقتله. وفي هذا الشأن تظل موسكو عند تمسكها برفض أى افكار تقول بتقسيم سوريا الى مناطق امنية، في نفس الوقت الذي تظل فيه عند موقفها من اعتبار «احرار الشام» منظمة ارهابية على علاقة مباشرة بتركيا، بينما هناك من يعتبر ايضا تنظيم «جيش الاسلام» على علاقة مباشرة ب"جبهة النصرة" و«داعش». وعلى الرغم من استمرار موسكو في تأكيد مثل هذه الثوابت، الا ان هناك ما يمكن ان يسمح ب"رؤى مختلفة" تجاه مستقبل الاسد ودوره في المرحلة المقبلة، في حال التوصل الى اتفاق حول هدنة طويلة الامد تسمح بالتحول الى تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله في مجموعة الاعلانات والاتفاقات التي جرى التوصل اليها في جنيف وفيينا منذ عام 2012. نشير في هذا الصدد الى ما قاله لافروف وزير الخارجية حول ان "الاسد ليس حليفا لروسيا" بنفس القدر الذي يبدو عليه تحالف "واشنطن-انقرة"، على سبيل المثال. وفي هذا الصدد يمكن الاشارة الى "امتعاض" البعض في موسكو تجاه ما اشار اليه الاسد في برقيته الاخيرة التي بعث بها الى الرئيس بوتين للتهنئة بعيد النصر على الفاشية واشار فيها الى صمود ستالينجراد وما يجمعها من اوجه تشابه مع حلب التي قال انه سوف يواصل القتال من اجل تحريرها وبقية المدن السورية حتى النهاية، ما يضع موسكو في موقف حرج مع شركائها في جهود التسوية السياسية السلمية التي قال لافروف انه لا بديل عنها للخروج من الازمة التي طال امدها. وكانت موسكو سبق وانتقدت تصريحات الاسد "النارية" في اكثر من مناسبة بما في ذلك ما جاء على لسان فيتالي تشوركين المندوب الروسي الدائم لروسيا في الاممالمتحدة، والذي قال في تصريحاته الى صحيفة "كوميرسانت" انه حين كان موفدا من قبل الرئيس الروسي في البلقان في تسعينات القرن الماضي قال لممثلي صربيا "ان كنتم تريدون وساطتنا ، فلا بد من الانصات الى توصياتنا" ، في اسقاط واضح على ما يجرى في سوريا اليوم. ومن اللافت في هذا الصدد ما يتردد في عدد من اروقة السياسة والدبلوماسية في موسكو حول ان روسيا تبدو اليوم اكثر حرصا عن ذي قبل على تعجل الوصول الى التسوية المنشودة قبل رحيل الادارة الامريكية الحالية. فما تحقق من "تقدم نسبي" نتيجة التفاهم المتبادل بين لافروف ونظيره الامريكي جون كيري، قد لا يجد امتدادا له مع ممثلي الادارة الجديدة في البيت الابيض، وهو ما اشارت اليه صحيفة "فايننشيال تايمز" نقلا عن سياسيين غربيين . وكانت ماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية كشفت في مؤتمرها الصحفي الدوري الاخير عن ان الوزيرين لافروف وكيري تحادثا تليفونيا 25 مرة منذ مطلع العام الجاري الى جانب لقاءاتهما الشخصية التي يصعب حصر عددها على نحو غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية العالمية. وفيما عرجت زاخاروفا لاضفاء قدر من الرومانسية على علاقات الوزيرين ببعض من اشعار روبرت برنز الشاعر الاسكتلندى مع بعض التصرف ، قالت "ان كثافة الاتصالات بين لافروف وكيري ترتبط بجدول أعمال المشاورات الروسية-الأمريكية والذي يتضمن قضايا ذات أهمية عالمية لا يمكن حلها إلا بمشاركة روسيا، ومنها تسوية الأزمة في سوريا والوضع في الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب الدولي".