أحداث عديدة تقع ولا يعرف عنها الرأى العام شيئا إلا بعد مرور عشرات السنين، فيخرج كاتب أو باحث أو مؤرخ، يفتش فى الأوراق القديمة ويعثر على حقيقة ما حدث فينشرها، كذلك فعل المؤرخون الجدد الإسرائيليون عن الأكاذيب التى صاحبت تاريخ إقامة دولة إسرائيل والحقيقة حول سياسة التطهير العرقى التى مارسها الصهاينة فى فلسطين ضد الشعب الفلسطينى لدفعه إلى مغادرة البلاد؛ وأثبتوا بالوثائق أن فلسطين لم تكن «أرضا بلا شعب» وأن الشعب الفلسطينى أجبر على ترك أرضه ولم يبعها كما تردد بعد ذلك. ومن بين الأكاذيب العديدة الأخرى التى كان الصهاينة ينشرونها فى العالم قصة خروج اليهود من ألمانيا وأوروبا الغربية عامة هربا من القمع النازى والمحارق؛ ولكن ما لم يقولوه، بل كشفه المؤرخ الأمريكى إدوين بلاك ونشره فى كتاب بعنوان «اتفاقية الترحيل»، عن إتفاق بين المنظمات اليهودية فى العالم، وخاصة يهود فلسطين مع النازية فى عام 1933، يتم بمقتضاها ترحيل يهود ألمانيا وبولندا الى فلسطين بأملاكهم وثرواتهم مقابل أن ينهى اليهود فى فلسطين وأوروبا مقاطعتهم للاقتصاد الألماني. الكتاب الذى صدر فى عام 1984، ويعاد نشره الآن، يلقى الضوء على فترة من تاريخ الصهيونية الذى من شأنه أن يفند حجج اليهود فى العالم من أنه تم ترحيلهم قصرا من بلادهم فى ألمانيا وبولندا وسائر أوروبا الغربية، بينما الحقيقة هى أن اليهود عقدوا اتفاقا مع النازية فكان للنظام النازى دور فى إقامة دولة إسرائيل، ويفند الحجة الثانية التى يرددها يهود العالم من أن من حقهم إقامة دولة يهودية خاصة بهم لكى تحميهم من سياسات القمع والعنصرية ومناهضة السامية التى كانوا يتعرضون لها فى العالم الغربى فى النصف الأول من القرن العشرين، بينما الحقيقة هى أن الصهاينة كانوا قد قرروا إقامة الدولة فى فلسطين حتى من قبل أن يتعرضوا للمحارق فى ألمانيا النازية أو الترحيل القصري؛ وأن إقامة دولة إسرائيل ليس ردا على المحرقة والاضطهاد ولكنها كانت خطة محكمة ومنظمة مسبقا، ولقد تمكن اكثر من 60 ألف يهودى ألمانى من الخروج من ألمانيا فى الفترة التى تمتد من عام 1933 الى 1936 بناء على الاتفاقية، وتوجهوا إلى فلسطين، يحملون معهم جزءا كبيرا من أملاكهم وثرواتهم التى كانوا يملكونها فى ألمانيا، وهكذا، وبناء على تلك الوثائق فإن هتلر يصبح من المساهمين فى بناء دولة إسرائيل. وتأتى إعادة نشر هذه الوثائق التاريخية والخطيرة لترد على إدعاءات بنيامين نتانياهو من أن الشيخ أمين الحسيني، مفتى القدس فى الثلاثينات من القرن العشرين هو الذى أوحى إلى هتلر بفكرة التخلص من اليهود الألمان فى محاولة من رئيس وزراء إسرائيل للصق تهمة المحرقة فى الفلسطينيين، وبالتالى يصبح من حق الإسرائيليين طردهم من أرض فلسطين دفاعا عن أنفسهم وتوجيه تهمة معاداة السامية إليهم؛ وهى التهمة التى لم توجه أبدا إلى أى دولة عربية حيث عاش اليهود فى أمان طوال تاريخهم. قد يكون هناك العديد من الحقائق الأخرى التى مازالت غير معروفة، والتى من شأنها تفنيد أكاذيب أخرى تطلقها دولة إسرائيل أو أى نظم فاسدة وقمعية، ولكن لن يعرفها أحد إلا عندما يخرج مؤرخ أو كاتب شجاع ليكشفها إلى العالم والرأى العام العالمى بعد عشرات السنين. لمزيد من مقالات ليلى حافظ