كذب شيخ المؤرخين المصريين وعمدة الدراسات الأكاديمية فى القضية الفلسطينية الدكتور «عادل غنيم» ما قاله «بنيامين نيتانياهو» عن تحريض مفتى القدس الحاج « أمين الحسينى « هتلر حرق اليهود ومسئوليته عن «الهولوكوست» . كما حذر الكاتب والمؤرخ الفلسطينى « عبد القادر ياسين « من أن تصريحات «نيتانياهو» تمهد لمذابح اسرائيلية جديدة ضد الفلسطينيين على ضوء التطورات الجارية فى الأراضى المحتلة . وقال الدكتور «غنيم» فى تصريحات ل «الأهرام» انه ليس صحيحا أن الحاج «أمين الحسينى» نصح النازيين بارتكاب المحرقة ضد اليهود كما ان «نيتانياهو» لايستطيع ان يثبت صحة ادعاءاته تلك أو يتقدم بوثائق تعزز أكاذيبه . وأوضح قائلا : «كلام رئيس الوزراء الإسرائيلى مختلق بغرض اثارة الرأى العام العالمى ضد العرب» . وأكد انه لا توجد وثائق ألمانية أوعربية تم نشرها عن مباحثات «هتلر» و«الحسيني»، لكن هناك تصريحات ليس إلا .وهى فى النهاية لا تثبت صحة ما أدعاه «نيتانياهو». وأضاف : «كما أن ماقرأته للمؤرخين الجدد فى إسرائيل لا يتناول هذا الأمر المختلق ». والمعروف أن الحاج أمين الحسينى «1895 1947» كان قد لجأ الى ألمانيا مع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939 بعد فشل ثورة «رشيد عالى الكيلاني» فى العراق ضد الاحتلال البريطانى وظل بها الى عام 1945 وغادرها قبيل سقوط برلين فى يد الحلفاء وتوجه للإقامة بفرنسا . وقال «غنيم» أن الحسينى كان حريصا على ضمان موقف «هتلر» الى جانب العرب فى فلسطين فى حال انتصاره فى الحرب العالمية، لكن من يتابع تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية عن دراسه علمية يتأكد أنه هذا الرجل كان يؤمن بسياسة السلام مع بريطانيا ومحاولة تحقيق مطالب العرب فى فلسطين بالطرق السلمية ،وحيث كان شعاره «الوسائل السلمية»، لكنه ظل حريصا فى الوقت نفسه على رفض أى مساومة على حقوق فلسطين الأساسية . وأكد شيخ المؤرخين المصريين والرئيس السابق للجمعية التاريخية أنه لم يعرف عن الحاج أمين الحسينى طوال تاريخه الطويل وقيادته للحركة الوطنية الفلسطينية فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى أى اتجاه للعنف أو استخدام الوسائل المتطرفة ضد اليهود فى فلسطين . وقال : «اللجنة الملكية البريطانية التى ذهبت الى فلسطين للتحقيق فى أسباب ثورة 1936 كتبت فى تقريرها انها لاتشك فى حسن نيات المفتى أمين الحسينى وزملائه أو فى الروح الإنسانية التى تختلج فى نفوسهم رغم كراهيتهم السياسية لمشروع الوطن القومى اليهودى». وأكد «غنيم» :«لايوجد فى تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية مايفيد تبنى افكار متطرفة مثل حرق اليهود أو إبادتهم . وهذه الأمور كانت فقط من نتاج التجربة التاريخية الأوروبية ». وقال الكاتب والمؤرخ الفلسطينى «عبد القادر ياسين « أن نيتانياهو يرى ان هذا التوقيت موات لتبرئة النازية شريك الصهيونية فى أمور كثيرة وتحميل المسئولية للشعب الفلسطينى وقيادته الوطنية ( فى أربعينيات القرن العشرين) عن إبادة اليهود فى ألمانيا . وحذر «ياسين» من ان هذا التصريح يفيد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى يجهز الميدان لمذابح جديدة ضد العرب الفلسطينيين تحت غطاء الثأر من مذابح النازى لليهود، والمعروفه باسم « الهولوكوست». وثمة رسالة دكتوراة نوقشت فى قسم التاريخ بجامعة عين شمس عام 2010 بعنوان :«الحاج أمين الحسينى ودوره الوطنى والعربى والإسلامى 1897 1974». وقال صاحب الرسالة الدكتور «عصام الغريب ل «الأهرام» أن ملف وثائق يحمل عنوان الحاج أمين الحسينى فى الأرشيف البريطانى ويرصد اتصالاته مع المانيا ودول المحور بين عامى 39 1942 لم يذكر لا من قريب أو بعيد أن الرجل حرض على المحرقة . وأكد قائلا : «الحسينى طوال حياته السياسية لم يحرض على إبادة اليهود .لكن بعض الوثائق الألمانية المنشورة منذ أقل من 15 عاما تشير الى سعية كى يعترف هتلر بفلسطين كدولة عربية مستقلة وسحب الاعتراف بوعد بلفور .وبالفعل حصل على تعهد سرى من هتلر على الاعتراف باستقلال فلسطين دولة عربية على ان يتم الإعلان عنه بعد تجاوز قوات المحور لمنطقة القوقاز . وهو مالم يحدث». وقال :«أمين الحسينى كالعديد من الشخصيات العربية التى ترددت آنذاك على المانيا وايطاليا كان يحاول الاستفادة من التناقضات بين القوى الدولية وعلى قاعدة معروفة هى : عدو عدوى هو صديقي.كما أن الحسينى كان مدفوعا دفعا للهرب الى ألمانيا بسبب ملاحقات بريطانيا له و استهدافه بالاغتيال من جانب الوكالة اليهودية». واعتبر «الغريب» أن السر فى استمرار كراهية الصهاينة للحاج أمين الحسينى هو انه نجح باتصالاته فى ألمانيا ان يعرقل بعض الشئ موجات الهجرة اليهودية الى فلسطين . كما أشار الدكتور «غريب» الى أن مذكرات سكرتير الحاج أمين الحسينى ويدعى «عثمان كمال حداد» لم تأت على ما أدعاه نيتانياهو .وأكد قائلا :«لا توجد محاضر اجتماعات للقاءات الحسينى وهتلر أو مراسلات بينهما .. وإذا كان لدى الإسرائيليين وثائق لماذا لا يعلنون عنها ؟». ومن جانبها تتضمن موسوعة المفكر الراحل الدكتور «عبد الوهاب المسيري» المعنونة ب «اليهود واليهودية والصهيونية » مداخل عن علاقة الصهيونية والنازية، وذلك فى جزئها الثانى. واستنادا الى المعلومات الموثقة ومن مصادر أوروبية يهودية أكدت الموسوعة التماثل البنيوى والتأثير والتأثر الفكريين بين الصهيونية والنازية، فضلا عن وحدة الهدف، وهو تهجير اليهود الى فلسطين . كما أشارت الى أن المنظمة الصهيونية فى المانيا اصدرت فى 21 يونيو 1933 وفى اعقاب وصول هتلر وحزبه النازى الى الحكم فى برلين «إعلان الاتحاد الصهيوني» بشأن وضع اليهود فى ألمانيا الجديدة .واتخذ هذا الإعلان شكل مذكرة جرى ارسالها الى هتلر وحزبه أكدت على المقولات المشتركة بين الصهيونية والنازية واتفاقهما فى مزج الدين بالقومية والقبول بمبدأ العرق . وشددت المذكرة على ان هدف الصهيونية هو التصدى للزيجات المختلطة بين اليهود وغير اليهود والحفاظ على مايسمى « بنقاء الجماعة اليهودية»، فضلا عن تهجير اليهود الى فلسطين . وشجبت المذكرة جهودا دولية كانت قد انطلقت لمقاطعة ألمانيا النازية اقتصاديا . بل جاء نصا فى المذكرة التى لم يتم الكشف عنها إلا فى عام 1962 أن « هتلر حدد مشروعه بالنسبة لليهود على أسس صهيونية ومنهجية رشيدة». وسجلت الموسوعة ان الصهاينة ومنظماتهم من دون غيرهم تمتعوا بحرية النشاط مع وصول النازيين الى الحكم بما فى ذلك التدريب على الاستيطان و جمع التبرعات والاجتماعات ونشر المطبوعات والصحف .وكذا اصدرت دور النشر الألمانية حينها مؤلفات صهيونية، منها أعمال لأعلام الحركة الصهيونية مثل «حاييم وايزمان» و«بن جوريون» و«آرثر روبين» . ونقلت عن «بن جوريون» وهو لاحقا أول رئيس وزراء لإسرائيل قوله : «لو عرفت أن من الممكن انقاذ كل اطفال يهود ألمانيا بتوصيلهم الى انجلترا فى مقابل أن أنقذ نصفهم فقط وانقلهم الى فلسطين فإنى اختار الحل الثانى، إذ يتعين علينا أن نأخذ فى اعتبارنا لاحياة هؤلاء فحسب . بل وكذلك تاريخ شعب إسرائيل». وعلما بأن كتاب «هرتزل» السنوى الرابع الذى نشره «جروسمان» تضمن صور وثائق من المانيا النازية تؤكد ان الشرطة رعت النشاط الصهيوني،و بما فى ذلك اعطاء تصاريح لجمع التبرعات من أجل الهجرة اليهودية الى فلسطين . كما ذكرت الموسوعة بإتفاقية «الهعفراه» أو (الترانسفير) عام 1933.وهى التى يعتقد المؤرخون انها انقذت النظام النازى من القضاء عليه فى بداياته عبر تشديد المقاطعة الاقتصادية الدولية . وقالت الموسوعة أن هذه الاتفاقية بين حكومة النازى والمؤسسات الصهيونية تضمنت تسهيل تهجير أكثر من 52 ألف ألمانى يهودى الى فلسطين حتى عام 1941، فضلا عن شراء تجهيزات زراعية للاستيطان هناك من ألمانيا وفتح حسابات بنكية بها . وقالت موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» الصادرة من القاهرة عام 1999 أن الحكومة الألمانية نشرت نص هذه الاتفاقية فى 31 أغسطس 1933، وأقرها لاحقا المؤتمر الصهيونى العالمى والوكالة اليهودية. كما منحا دعمهما لها فى مؤتمرات عدة فى سنوات تالية .