مما لاشك فيه أن الزيارة التى أجراها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين لمصر والتى استغرقت خمسة أيام قد اكتسبت أهمية بالغة سواء بالنظر إلى توقيت الزيارة أونتائجها، وقد لوحظ أن الزيارة قد حظيت باهتمام إعلامى واسع النطاق، ففى رصد لوكالة أنباء البحرين فقد بلغت تغطية الزيارة 859 مادة ما بين الخبر والمقال والتحليل فى وسائل الإعلام العربية والأجنبية. ومع أهمية المضامين السياسية والاقتصادية للزيارة ومنها تأكيد الرئيس السيسى أن «مصر تقف بجانب البحرين الشقيقة ضد أى تهديدات خارجية أو مساع للمساس بها» وتأكيد ملك البحرين أن «البحرين سوف تسخر جميع إمكاناتها السياسية والتجارية والاقتصادية خدمة لمصر الشقيقة» فإن الزيارة قد عكست عدة دلالات: أولاها: أنه فى ظل الأزمات المزمنة التى تشهدها بعض الدول العربية فإن نتائجها لم تعد وقتية بل سوف تترك آثاراً عميقة ليس فقط على تلك الدول بل على منظومة الأمن الإقليمى ليس أقلها إتاحة الفرص لدول الجوار للتمدد الإقليمى مجدداً،مما يحتم ضرورة وجود رؤية مصرية - خليجية مشتركة لإجهاض محاولات تأسيس نظام إقليمى جديد يتعارض والمصالح العربية،وذلك من خلال الحفاظ ليس فقط على توازن القوى الإقليمى بل الوحدات المكونة له. وثانيتها: عكست الزيارة حقيقة مؤداها أن الرؤية المصرية لأمن الخليج العربى لا ترتبط بالمعنى الجغرافى بل تتجاوز ذلك إلى الواقع الاستراتيجى الذى ينهض على وحدة الهدف والمصير وهو ما أكده الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى غير ذى مرة بالقول «أمن مصر الإقليمى يمر عبر دول الخليج» وثالثتها: تدحض تلك الزيارة مقولات تم الترويج لها وخاصة من جانب مراكز الدراسات الغربية ومنها «انحسار دور مصر الإقليمي» و«عدم توافق دول مجلس التعاون على مصادر التهديد» ومن ثم المراهنة على ظهور «فراغ إقليمي»، وهو أمر يجافى الواقع فدول مجلس التعاون تدرك أهميةالدور المصرى وهو ما أشار إليه د.عبداللطيف بن راشد الزيانى الأمين العام لمجلس التعاون بالقول «إن مصر هى قلب الأمة العربية، وهى ركيزة أساسية للأمن والاستقرار الإقليمي». من جانبها أكدت مصر غير ذى مرة أن «أمن الخليج العربى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى لمصر» وهو المبدأ الذى كان موضعا للاختبار العملى ابتداءً برفض مصر لتهديدات عبد الكريم قاسم للكويت لسيادة الكويت عام 1961 ومروراً بموقف مصر المبدئى الرافض للغزو العراقى للكويت عام 1990والإصرار على عودة الشرعية وهو ما تمثل فى إسهام القوات المسلحة المصرية ضمن قوات التحالف الدولى لتحرير الكويت عام 1991 وانتهاءً برفض مصر القاطع التهديدات الإيرانية لأمن مملكة البحرين والتدخل فى شئونها الداخلية. ورابعتها: المضامين الشعبية للزيارة والتى تمثلت فى لقاء ملك البحرين العديد من النخب الدينية والرموز السياسية المصريةالأمر الذى كان فرصة مهمة لتبادل الرؤى بشأن العديد من القضايا. ومع التسليم بأهمية المضامين السياسية والاقتصادية لزيارات مسئولى دول مجلس التعاون بوجه عام لمصر فإن الجوانب الدفاعية تظل لها أهمية بالغة لتحقيق مفهوم الردع،حيث عكست التصريحات الخليجية الرسمية تأييد المقترح المصرى لإنشاء قوة عربية مشتركة - ومنها تأييد ملك البحرين لذلك المقترح - وهو ما يتكامل مع المقترح السعودى لإنشاء تحالف عسكرى إسلامى وهما آليتان بغض النظر عن نطاق وآليات عملهما فإن هدفهما واحد وهو التصدى لتهديدات الأمن القومى العربى. ومع أهمية تلك الزيارة فإنه يمكن استثمار نتائجها ليس فقط بالنسبة للعلاقات المصرية البحرينية وإنما ضمن مسار العلاقات الخليجية - المصرية عموماً من خلال آليات ثلاث مقترحة: الأولى: بحث تأسيس حوار استراتيجى مصرى خليجى ربما بشكل سنوى لبلورة تصورات مشتركة حول مضامين الشراكة وآليات تحقيقها فى ظل التحولات الإقليمية والدولية الراهنة، وذلك على غرار مؤتمر المنامة الأمنى ومؤتمر الأمن الآسيوى وغيرها من المؤتمرات ذات الطابع الإقليمى التى لا ترتبط بالتطورات السياسية أو بطبيعة العلاقات بين الدول وإنما تعد آلية ثابتة. والثانية: تفعيل دور جمعيات الصداقة بين مصر ودول الخليج حيث تؤدى تلك الجمعيات دوراً مهماً فى تعميق البعد الشعبى ضمن مسار العلاقات بين الجانبين، وذلك من خلال الاتفاق على أولويات الجانبين، فضلاً عن أهميتها الاقتصادية حيث تضم رجال أعمال من الجانبين مما يمثل فرصاً مهمة لبحث ودراسة فرص الاستثمار المتبادلة فى ظل سعى مصر لجذب الاستثمار الأجنبى ورغبة دول مجلس التعاون فى تنويع مصادر الدخل بعد انخفاض أسعار النفط. والثالثة: الحاجة لإعادة تعريف العلاقات المصرية - الخليجية فى ضوء المستجدات الإقليمية والدولية الراهنة وتلك مهمة تقع على عاتق مراكز البحوث والدراسات والجامعات من خلال عقد المزيد من الندوات واللقاءات وإجراء الدراسات الموضوعية حول واقع ومستقبل العلاقات بين الجانبين ورصد أهم معوقاتها وكيفية مواجهتها. لمزيد من مقالات د.أشرف محمد كشك