سيدي الرئيس... أهلا بك وقد فزت بثقة الغالبية من أبناء شعبنا الطيب الصابر, ولا أشك لحظة, أننا سنلتف حولك, نساندك, فآمالنا وطموحاتنا تتعلق بروحك المقدام الشجاع, سننهض معك لرفعة شأن الوطن, وذلك بتحقيق العيش الكريم والعدالة الصارمة والحرية الملتزمة. أننا نثق بأنك استوعبت معاني ثورة يناير, وعشت الأحداث المتلاحقة, وأدركت أن هذا الشعب الأصيل يريد رئيسا مصريا, عقله يفكر في مستقبل مصر, وقلبه يمتلئ بالحب لشعبها وإرادته وقراراته أن يأخذ بيد مصر, فيشرق وجهها من جديد وتتصل حضارتها بحضارة العصر, متمسك دون تزمت أو تطرف بتراثها وهويتها, نريد أن تعود مصر, منارة الشرق, وأم العروبة, وأرض الحضارة الإنسانية. سيدي الرئيس أضع بين يديك نقاطا مهمة بل أساسا لا يبني مستقبل مصر دون اقتحام ملفاتها بلا تردد أو رجفة.. أولا: بناء شخصية مصر من جديد, إنها مصر يا سيدي, كنانة الله, وأشير إلي مصدرين من مصادر كثيرة, قد تعين علي اكتشاف عظمة وروعة مستقبل هذا الوطن, المصدر الأول هو كتاب قديم جديد, كتبه عبقري مصري, كف بصره في الرابعة من عمره, وبرغم الفقر والشدائد استطاع أن يصبح طه حسين ليت يا سيدي أحد معاونيك يوجز لك كتابه وهو في أجزاء ثلاثة صدر في الثلاثينيات من القرن الماضي وعنوانه مستقبل الثقافة في مصر كفيف البصر طه حسين متوهج البصيرة رسم الخيوط الأساسية للتعليم في مصر, ويعلن بلا مواربة أن مصر لن يكون لها دور إنساني وحضاري إن لم تعرف أنها جزء من ثقافة البحر المتوسط قبل أي شئ آخر, ولذا فرض تعلم اللغة اليونانية بالجامعة حين كان عميدا لها, ولايزال الكتاب يعتبر لمن يريد منارة وضوءا علي الطريق, أما المصدر الثاني فهو كتاب الراحل العظيم عالم الصمت والتواضع أنه الأستاذ الدكتور جمال حمدان وكتابه شخصية مصر ليتك سيدي الرئيس تكلف لجنة توجز لسيادتكم أروع ما كتب عن شخصية مصر, وموقعها, وتاريخها, وتناسل حضارتها وثقافتها, ومستقبلها المشرق الواعد. ثانيا: قضية الزيادة السكانية المطردة, إن مصر بعد ثماني سنوات أي سنة2020 شئنا أم أبينا ستصبح مائة مليون قابلة للزيادة, أنه هم وعبء إن لم ننتبه إلي المستقبل ونعد العدة له, لا نفرط في حبة رمل من سيناء, لا نهمل الصحراء الغربية, لا نستغل كما يجب مياه النيل والسد العالي, ولا نعلي من شأن السياحة وهي المنحة الربانية لمصر, والجدير بالملاحظة والتأمل أن زيادة السكان هي بداهة زيادة رقعة العشوائيات, وسكان القبور, والمهمشين, إن نسبة المواليد في هذه الفئات بلا ضابط أو تنظيم ومن ثم ينبغي اعتبار الإنسان هو كنز وذخيرة الوطن وليس مجرد فم يأكل وجسد يتناسل, بل هو قيمة سامية وعلي المجتمع كافة أن يواجه هذه القضية بشجاعة, أنه يستقبل كل عام أكثر من مليون مولود, لهم حق الحياة, والعمل, أنهم ليس كارثة كما يظن البعض, بل هم بعض من مشروع مستقبل الوطن, لابد من العودة إلي إعادة بناء الصناعة والتجارة الحرة وإقامة المدن والمواني والطرق لابد من تقييم مصر الزراعية بعد أن تآكلت, الأراضي الخصبة وتقلصت مساحتها في غياب القانون والردع وهيبة الدولة. ثالثا: قضية التدين وهوية مصر, هذا أمر يبدو مخيفا الحديث عنه مع أن الأمر في غاية البساطة إن تعمقنا في تاريخ الوطن, فمصر متدينة منذ سبعة آلاف سنة, والدين عنصر من عناصر بناء الحضارات, بل وحضارة مصر إن لم نسرف في قولنا حضارة متدينة, وفي الوقت نفسه مصر يا سيدي الرئيس علي امتداد تاريخها لم يحتويها دين واحد أبدا, ولم تنقسم إلي مذاهب متصارعة, ولم تعرف الحروب الدينية ولا الحروب الأهلية لأن مصر يا سيدي غير قابلة للتجزئة أو التفكيك, أو القبلية, إنها مصر الأمة الواحدة, والتاريخ الواحد, والمصير الواحد, كيف نحقق هذه الخصوصية المصرية, تدين بلا تطرف, إيمان بالله واليوم الآخر وبالرسالات المقدسة دون إقصاء لمن يخالفنا, أو احتقار لمن لا يؤمن بما نؤمن, أو إثارة عاطفة دينية تحيل الحياة إلي ما يشبه الكابوس المظلم, تلك سمة من سمات عظمة مصر علي مر التاريخ, المصري مؤمن متدين بلا تفلسف أو سفسطة أو حوار أجوف أنه بفطرته الزراعية والحضارية قد آمن بالأديان, لم تعرف مصر الإلحاد وفروعه, ولم تنجرف إلي طائفية متصارعة مدمرة, ولم تقفل نوافذ عقلها وثقافتها عن أي ثقافة واردة, أو فكر دخيل, لأنها تقف علي أرض صلبة, وشجرة إيمانها تمتد جذورها إلي أعماق الزمن قبل الأديان والوحي, أمر آخر سيدي الرئيس أختم به المقال, قد يبدو شاعرية أو رومانسية لا مجال لها في منصب الرئاسة وأنا أري عكس ذلك, كل منصب مهما أرتفع, وكل مسئول في أصغر موقع يحتاج بين الحين والحين أن يكون شاعرا أو رومانسيا, إنها حاسة الإبداع واختراق المصاعب, سيدي عندما تشتد أزمة, أو تحيط بالمنصب صعاب ثقال, أخرج سيدي والق نظرة علي شموخ الهرم, علي وداعة النيل وانسيابه في صمت وسكينة, قم بزيارة إلي الأزهر لتتنسم عطر التاريخ واعرج علي الكاتدرائية لتدرك سماحة هذا الشعب ورحابة صدر هذا الوطن, انطلق سيدي بين الحين والحين إلي أسوان, والأقصر لعلك تلمس عمق حضارة مصر, وخلود رسالتها, بل أغامر بالقول سيدي, سر قليلا في العشوائيات والأزقة, واسمع أنات إنسان عاش قرونا طويلة يحلم بفجر جديد, وحياة أفضل, تذكر سيدي أن الملايين تريدك مصريا قبل أي شيء آخر... المزيد من مقالات د. الأنبا يوحنا قلته