يبدو أن طائر الموت قد أبى ألا يغادر الطرق الصحراوية السريعة المؤدية للصعيد، إذ لا يكاد يمر يوم واحد، حتى يقع حادث مروع، يروح ضحيته عشرات الأشخاص بين قتيل وجريح، بسبب سائق مدمن للمخدرات، أو قائد سيارة أرعن يقودها بسرعة جنونية.. أو بسبب مركبة تسير على الطريق دون اتباع أدنى معايير الصيانة والسلامة!! وبغض النظر عن الأسباب، فالنتيجة كارثية: حالات وفاة بالجملة.. أشلاء متناثرة على الطرق.. جثث متفحمة.. دماء تسيل على الأسفلت.. سيارات محطمة .. المآتم لا تنتهي.. والضحايا يتساقطون.. وفى كل مرة، تمر الكارثة مرور الكرام.. فيطويها النسيان ، حتى تقع كارثة جديدة.. ويسقط قتلى ومصابون جدد!! ويبقى السؤال : كيف نواجه حوادث الطرق فى مصر، لوقف نزيف الخسائر البشرية والمادية؟! يبدو أن حادث نفق اسنورب بمركز ببا، الذى وقع على طريق بنى سويف الشرقى الجيش القاهرة- أسيوط ، إثر تصادم سيارة نقل محملة بالجرانيت بأتوبيس نقل ركاب ، بسبب السرعة الجنونية، لن يكون الأخير، مادام سائقو النقل والأجرة، وقائدو المركبات لا يلتزمون بقواعد وآداب المرور!! وبشكل عام ، مازال العنصر البشرى كما يقول الدكتور رشاد المتينى وزير النقل الأسبق- هو المسئول الرئيسى عن حوادث الطرق فى مصر، ومع ذلك نلجأ للحلول المكلفة، وننفق مليارات الجنيهات على إنشاء طرق بمواصفات فنية عالمية، فى وقت لا توجد فيه نظم ومعايير تجعل مستخدميها يلتزمون بقواعد وآداب القيادة والمرور، واستخدام هذه النوعية من الطرق المتطورة، مشيرا إلى أن العنصر البشرى يضم قائدى السيارات ، وهؤلاء لا يلتزمون بقواعد وآداب المرور، ويتجاوزون السرعات المقررة، غير عابئين بالعقوبات ، أما القانون فيجب تفعيله، لمواجهة تلك الظاهرة الكارثية. يضاف إلى ذلك- والكلام مازال لوزير النقل الأسبق- تجاهل عمليات الصيانة الدورية للمركبات، حيث يجرى استخدام إطارات السيارة، بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها، والذى يقدره الخبراء بمرور خمس سنوات على تاريخ الإنتاج، فتتعرض للانفجار، وتعرض حياة قائد السيارة ومن معه للخطر، فضلا عن الحمولات الزائدة، التى تؤدى إلى سوء حالة الطرق، وكذلك تجاوز السائقين للسرعة المقررة، ما يؤدى إلى وقوع الحوادث، مؤكدا أن قائدى السيارات لا يلتزمون بقواعد وآداب المرور، كما أن نسبة ليست بالقليلة من سائقى سيارات النقل يتعاطون المواد المخدرة، لمواصلة السير لساعات طويلة، ناهيك عن الرعونة فى القيادة، والسرعات الجنونية، والتخطى الخاطئ، والسير عكس الاتجاه، كما أن بعضهم يقوم بتدخين الشيشة أثناء القيادة، ولا يلتزمون بحزام الأمان، والذى لا يمنع وقوع الحادث، لكنه يخفف من جسامته. ومن الأهمية، تفعيل دور المجلس القومى لسلامة الطرق، وتزويده بميزانية مالية، لإجراء الدراسات الفنية اللازمة، وكذلك منحه صلاحيات محددة، وكذلك ينبغى الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة فى هذا المجال، والتى اهتمت بالتركيز على خمسة عناصر مهمة هي: مواجهة القيادة تحت تأثير المخدرات، والسرعة ، والالتزام بحزام الأمان، وسلامة الإطارات، ومطابقتها للشروط الفنية المقررة، والخوذة بالنسبة لقائدى الدراجات النارية، ولو ركزت الحملات المرورية فى مصر على هذه العناصر الخمسة، سوف تقل حوادث السيارات بنسب كبيرة ، يضاف إلى ذلك أهمية تدريب السائقين فى مدارس مرورية ذات مواصفات فنية سليمة، وتطبيق القانون بحسم على الجميع دون اية استثناءات، كذلك ينبغى الاستعانة بالوسائل الحديثة فى المراقبة، مثل الرادارات، وكاميرات المراقبة بالميادين، والشوارع، والطرق الرئيسية. رادارات ليلية ببنى سويف يعود السبب فى حوادث الطرق الصحراوية كما يقول المهندس شريف حبيب عبد العزيز محافظ بنى سويف- إلى السرعات الزائدة، ما يؤكد أن العنصر البشرى المسئول عن وقوع تلك الحوادث بنسبة لا تقل عن 95% منها وفقا لإحصائية أجريناها حول أسباب وقوعها، حيث لا توجد مشاكل فنية بالطرق، كما أن الكمائن المروية تقوم بدورها فى مواجهة تلك التجاوزات، وضبط المخالفين لقواعد واشتراطات السير. تقع حوادث المرور كما يقول محافظ بنى سويف- فى الفترة الزمنية من الساعة 12 ليلا، وحتى السادسة صباحا، بسبب سيارات النقل الخاصة بالمحاجر، فتقع حوادث التصادم، نتيجة السرعات الزائدة، ومن ثم قررنا شراء رادارين ليليين متنقلين، لمراقبة السرعات الزائدة ليلا، ما سيسهم فى انضباط السائقين، والحد من حوادث التصادم. كمائن ثابتة ومتحركة لا تتوانى مديرية أمن بنى سويف كما يقول اللواء محمود العشيرى مدير الأمن - فى ممارسة مهامها الأمنية والمرورية، للحد من وقوع الحوادث ، ومواجهة السرعات الجنونية للسائقين، مستعينة فى أداء مهامها، بالنقاط الأمنية الثابتة، والكمائن، والأقوال الأمنية، مدعومة بالمدرعات، لمواجهة أية تجاوزات مرورية، وضبط المخالفين، مؤكدًا أن قسم الطرق السريعة، يستعين برادارين على طريق الكريمات، بالإضافة إلى رادار لمراقبة 35 كيلو على الطريق الغربي، ورادارين آخرين لمراقبة السرعات الزائدة على المسافة الواقعة فى زمام المحافظة على الطريق القاهرةأسوان الزراعي، ومراقبة الحدود الممتدة لمسافة 80 كيلو مترا، عبر 8 أكمنة على جميع الطرق، ونقاط تفتيش أمنية ثابتة، إلى جانب 7 أقوال أمنية مدعومة بالمدرعات، اثنان منها على طريق الكريمات، واثنان آخران على طريق الصحراوى الشرقى القديم، واثنان على الطريق الزراعي، إلى جانب رادار واحد على الطريق الصحراوى الغربي. يتحمل العنصر البشري- وفقا لمدير أمن بنى سويف- المسئولية عن الحوادث التى تقع على الطرق الصحراوية الواقع فى حدود المحافظة، وتسعى إدارة المرور ، بالتنسيق مع مديرية الأمن لوضع الخطط المرورية لمواجهة تلك الحوادث، مشيرا إلى أنه يتم سحب 100 عينة يوميا من السائقين المترددين على الطرق السريعة( الصحراوى الغربي، والشرقي، والزراعي، والكريمات) للكشف عن تعاطيهم المواد المخدرة من عدمه، وتكشف النتائج عما يتراوح بين 2 إلى 5 عينات إيجابية، من العينات المسحوبة يوميا، والتى تثبت تعاطى أصحابها للمواد المخدرة. الأسباب والحلول وبشكل عام، ترجع حوادث الطرق وفقا للمستشار سامى مختار رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم - إلى ثلاثة أسباب رئيسية، وتشمل السيارة والطريق، والعامل البشرى، علاوة على السرعة الزائدة ، وعدم ارتداء حزام الأمان، كما أن 80% من أسباب حوادث الطرق تعود لعوامل بشرية، مشيرا إلى أن مصر تحتل المرتبة الأولى عالميًا فى حوادث الطرق، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فيما يبلغ عدد حالات الوفيات الناجمة عنها 14 ألف حالة ، بينما بلغ عدد المصابين نحو 60 ألف مصاب فى نهاية عام 2014. ولمن لا يعرف، يتراوح المعدل العالمى لقتلى حوادث الطرق لكل 10 آلاف مركبة، ما بين 10 و 12 قتيلا، لكنه يصل فى مصر- على حد قول - رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم، إلى25 قتيلا، أى ضعف المعدل العالمي، فيما يبلغ عدد قتلى حوادث الطرق 131 قتيلاِ ، لكل 100 كم فى مصر ، فى أن حين يتراوح المعدل العالمى بين 4 و20 قتيلًا، أى أن معدل ضحايا حوادث الطرق فى مصر يزيد على 30 ضعف المعدل العالمي، وأيضا فإن مؤشر قسوة الحادث ، يكشف أن 22 ضحية يلقون حتفهم من بين كل 100 مصاب فى مصر، فى حين أن يبلغ المعدل العالمى 3 قتلى لكل 100 مصاب. كوارث المحور والدائري فيما يكشف خالد عبد المنعم أمين عام للجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم، انتشار حوادث الطرق التى بلغت أكثر من عشرة آلاف حادثة فى 2012، وتصدر المحور باتجاه المهندسين قائمة الحوادث برقم (575) حادثة فى 2012، يليه الطريق الدائرى المتجه من التجمع إلى الأوتوستراد بواقع 490 حادثة، ويقع فى المرتبة الثالثة طريق المحور باتجاه الشيخ زايد بنحو 443 حادثة بنهاية العام الماضي، مشيرا إلى أن ضحايا حوادث الطرق يقدرون عالميا بنحو مليون و200 ألف قتيل وخمسين مليون مصاب ، ويبلغ عددهم فى مصر نحو 14 ألف قتيل و60 ألف مصاب سنويا، فيما يتحمل الطريق المسئولية عن حوادث الطرق بنسبة 18%، والسيارة 12%، والعامل البشرى80%، إضافة إلى عوامل أخرى، مثل تجاوز السرعة المقررة، وعدم استخدام حزام الأمان، وتعاطى المخدرات. غياب الثقافة المرورية يفتقر المواطن المصري- حسب إيمان حماد عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم للثقافة المرورية، ناهيك سوء سلوك الشارع، وعدم احترام الآخرين لبعضهم أثناء السير والوقوف بإشارات المرور، مشيرة إلى أن منظمة الصحة العالمية أرجعت حوادث الطرق إلى عدة أسباب، منها: السرعة الزائدة، إذ أن هناك علاقة مباشرة بين زيادة متوسط السرعة وبين احتمال وقوع حادث، فيما يتمثل السبب الثانى فى القيادة تحت تأثير الكحول والمخدرات، وعدم ارتداء الخوذات الواقية الخاصة بالدراجات النارية، وعدم استخدام أحزمة الأمان، وأحزمة ومقاعد الأطفال، بالإضافة إلى السهو أو النوم أثناء القيادة، وعدم توافر طرق سليمة، وعدم كفاية دوريات المرور لتقبض على المخالفين، وسير سائقى التاكسى بدون خبرة، ما يزيد من وقوع هذه الحوادث. ولا شك أن المتسبب الأول والأخير عن هذه الحوادث، هم سائقو الميكروباصات الذين يخالفون القانون، ويسيرون عكس الطريق، مؤكدة أن السبب فى ذلك هو عدم توقيع العقوبة عليهم بصفة شخصية، بل أنهم يرتكبون المخالفة، وتقع الغرامة على مالك السيارة ، الذى يصبح ملتزما بسدادها عند تجديد الرخصة . وتكمن الحلول الجذرية لحوادث الطرق وفقا لرئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم - فى ضرورة إعداد إستراتيجية واضحة لنشر الوعى بإجراءات السلامة على الطريق ، وكذلك إعداد خطة قومية للتوسع فى إنشاء شبكة الطرق على مستوى الجمهورية، عبر شركات محلية وعالمية بنظام حق الانتفاع. [email protected]