هى الأم المصرية، الحضرية كانت أم الريفية، البدوية كانت أم الصعيدية، أم هى الأم الساحلية، التى تعيش فى السواحل، كالإسكندرية، والسويس، وبورسعيد. والأم المصرية تقوم بالحفاظ على نظام الأسرة، كنسق من الأدوار، وهى تختلف فى ادائها لأدوارها باختلاف الثقافات الاجتماعية المختلفة السائدة فى كل مجتمع من المجتمعات، بدائية كانت، أم تقليدية، أو حديثة أو معاصرة. وموضوع «الأم المصرية»، داخل الأسرة، يختلف فيه الباحثون، من ناحية شكل الأسرة، ومركز السلطة، وخطب السيادة فيها من حيث كونها بطريركية أو أموية، ومن حيث «التنشئة الاجتماعية للابناء» وهو من أهم أدوار «الأم المصرية». أما التغير الاجتماعى فيما يتعلق «بالأم المصرية»، فالمقصود به إعادة الصياغة فى الأسرة، وهو ليس محاولة تمكين الأم المصرية على حساب الأب، فهو تصور ساذج، لا يغير من الأمر شيئا، وانما ما نحاول تحقيقه هو إعادة التوازن والتكميل بينهما. هو، أحمد لطفى السيد (1872 1963) أستاذ الجيل، مفكر وفيلسوف، ورائد من رواد الحركة الوطنية، ولد بالدقهلية، حصل على ليسانس الحقوق (1894) التحق بالقضاء، ثم اشتغل بالسياسة. عين مديرا لدار الكتب المصرية (1915 1918)، فمديرا للجامعة المصرية (1925) فوزيرا للمعارف (1928) ثم عاد إلى إدارة الجامعة (1930) وفى يوليو (1938) عاد للمرة الثالثة مديرا للجامعة. عين عضوا بمجمع اللغة العربية (1940) فنائبا لرئيس الوزراء، وعضوا بمجلس الشيوخ، أسهم فى عدة مجامع، وجمعيات علمية، ترجم لأرسطو، وجمعت خطبه، ومقالاته، وأحاديثه، دون مذكراته. نال جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية. وقد كان أحمد لطفى السيد رجلا يعيش فى المستقبل، ويرفض أن يعيش فى الماضي، ولا يعرف الكثيرون أن أحمد لطفى السيد كان من رواد تحرير المرأة، والداعين إلى تعليمها منذ صغرها، واعدادها منذ نعومة أظفارها لأن تكون قبل كل شيء إنسانة حرة مستقلة، ذات مبادئ ثابتة وأخلاق حسنة. وعندما أصدر قاسم أمين كتابه عن (تحرير المرأة)، قاطعه الناس وحرم الكبراء عليه دخول بيوتهم، وأفتى بعض العلماء أنه خرج عن الإسلام، وكان أحمد لطفى السيد، من القلائل الذين وقفوا إلى جانب قاسم أمين. وقال لطفى السيد يومها نه لن تمر على مصر أكثر من خمسين عاما، إلا وتكون المرأة المصرية وزيرة، وسمع الخديوى عباس بهذا الرأي، فقال إن لطفى السيد قد جن وأنه يحسن وضعه فى السراى الصفراء، والسراى الصفراء هو الاسم الذى كان يطلق على مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية. وقبل أن تمضى خمسون عاما على هذا الحديث، كانت المرأة المصرية قد عينت بالفعل وزيرة الشئون الاجتماعية. كان لطفى السيد يؤمن بالتطور والتقدم، وكان يفخر أن أعظم أعماله هو ادخال البنت إلى الجامعة. ويعد كتاب أحمد لطفى السيد «المنتخبات» والذى يضم مقالاته فى جريدة «الجريدة» خير ما يمكن أن نستعين به لفهم موقف هذا الرائد الكبير من المرأة، وتحليل موقفه منها بخاصة ومن قضيتها عامة. يحتوى كتاب «المنتخبات» فى جزئه الأول، «الذى أمكنا العثور عليه بعد عناء» على تسع وثمانين مقالة، بينها عشر مقالات أفردها للحديث عن المرأة فى شتى أدوارها كأم، ومربية، ومعلمة، وعاملة داخل البيت وخارجه، وابنة، وزوجة، وأخت. كما تعالج تلك المقالات أيضا موضوعات اجتماعية على جانب كبير من الأهمية مثل التنشئة الاجتماعية للمرأة منذ نعومة أظفارها، والفرق بين تنشئة الولد وتنشئة البنت، والأخطاء التى يقع فيها الآباء والمربون، وأهمية التعليم فى حياة البنت المستقبلة، وإعدادها لتكون زوجة واعية، وأما متفهمة وأن صلاح الأم أساس صلاح العائلة، وفى صلاح العائلة صلاح الأمة بأسرها. ويعد مقال «لا تضيقوا عليهن» فى نظرى من أقوي، وأحسن ما كتب لطفى السيد، عن المرأة المصرية كنواة للأم المصرية، فهو يتحدث عن تنشئتها الاجتماعية، وإعدادها لأدوارها المختلفة، وكيف أنها أساس العائلة، التى يكون فى صلاحها صلاح المجتمع بأسره، وعن حريتها الشخصية وأهمية اعطائها هذه الحرية. انها بحق مقالة تقدمية سابقة لعصرها تدل على سعة فى الأفق وعمق للنظرة للمرأة فى شتى أدوارها. أول درس يجب ان يلقى على الطفلة المصرية مع الألف ياء، هو كونها مخلوقا حرا، وهبه الله حريته، وما وهب الله لا يسترده إلا الله. دعوا النساء يشممن هواء الحرية التى فقدنها بتقاليد الاستبداد الأولى وعلموهن ان بالدرس وان بالعمل، أن لا سبيل للرجال عليهن إلا ما فرضه الشرع. وفى مقالة بعنوان «بناتنا» يؤكد ما سبق أن ذكره من أهمية تعليم البنات، لأنه حجر الزاوية للسعادة العائلية التى تؤدى إلى رخاء الأمة وتقدمها. انه يدعو إلى تغيير أسلوب تنشئة البنت لأنها تعد لزمن جديد يختلف عن زمن الآباء. يقول لطفى السيد فى مقاله: «العجب أن الأم تشفق على ابنتها من العيوب البدنية، ولا تشفق عليها من العيوب المعنوية، عيوب النفس والعقل». وفى مقالة بناتنا وأمهاتنا، يؤكد لطفى السيد على معنى سام عميق وهو أن «تحرير الأمهات قبل تحرير الأوطان». «العائلة أساس الرقي، أصلحوها، بعد ذلك سهل مستطاع». ويتبين لنا مما عرفناه عن أحمد لطفى السيد أنه بحق رجل سبق عصره، رجل عاش فى المستقبل، رجل نادى بتعليم المرأة المصرية ومنحها الحرية كالرجل تماما فى مطلع هذا القرن، فتحقق كل ما نادى به فى أواخر القرن ذاته. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى