كما عهدناه دائما، صدق فى القول، جرأة فى الحق، إخلاص فى العمل، يمتلك رؤية فى الفكر، حديثه لا يمل سماعه، إنه الدكتور جمال فاروق عميد كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، الذى أكد فى حواره مع «الأهرام»، أنه مع تطوير المؤسسات الدينية وليس هدمها، ومع سن تشريع قانون لتنظيم عملية «الفتوي» للقضاء على فوضى الفتاوى وتحقيق الأمن المجتمعي، وان المناهج الجديدة التى تم وضعها قادرة على تأهيل طلاب الأزهر للالتحاق بجميع الكليات الشرعية، وان ترسيخ القيم والأخلاق فى المجتمع مشروع قومى يعمل على تنفيذه الجميع، وإلى نص الحوار: فى البداية سألناه: برأيكم هل توجد مواجهة فكرية حقيقية وجادة للفكر التكفيري؟ لا شك أن المواجهة الفكرية لها دور كبير فى دحر الفكر التكفيري، وهى مواجهة قائمة وتؤتى ثمارها الطيبة، وتتمثل فى رفع الغطاء الشرعى عن هذا الفكر المتطرف وبيان أنه ليس من الدين ولا يخدم الشريعة بل هو يضر مسيرة الدعوة الإسلامية، وأيضا الرد على الشبهات المثارة من أذناب هذا الفكر وبيان بطلانها من الناحية العقلية والنقلية والتاريخية، وكذلك العمل على تجفيف منابع الإرهاب بنشر الفكر الوسطى المعتدل الذى يتبناه الأزهر. فكر «داعش» من وجهة نظركم كيف تتم مواجهته ومتى سينتهي؟ مواجهة هذا الفكر تتركز على عدة نقاط مهمة، منها تحقيق التوافق السياسى فى المناطق الملتهبة، خاصة فى الشرق الأوسط، والمشكلة الفلسطينية التى يستغلها أصحاب الفكر المتطرف فى استقطاب شباب الأمة، والدعوة إلى جهاد وقتال الدول المساندة لإسرائيل فى العالم، والعمل على تنمية المجتمعات الفقيرة وحل مشكلة البطالة، حيث تنتشر فى هذه الأوساط ظاهرة التطرف والعنف، وتعتبر أرضا خصبة لانتشار الجماعات التكفيرية المنحرفة، فى الوقت ذاته تعرية الأفكار والأسس التى ينطلق منها «داعش»، وبيان أنه لا أساس ولا صحة لها فى التاريخ الإسلامي، بل هى امتداد لفكر الخوارج الذين استباحوا قتل المسلمين، واستحلوا الحرمات، وفهموا الدين عكس مراد الله، وشوهوا صورته النقية . كيف يتم نشر الفكر الوسطى فى مراكز الثقافة الإسلامية فى الغرب خاصة أن غالبيتها لا تتبع الأزهر؟ يتم ذلك من تدعيم التواصل، وتبادل الحوار مع تلك المراكز، والمؤسسات، و استغلال التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصالات من أجل الوصول إلى أكبر قدر ممكن من المستهدفين، كما يجب أن تتسع رقعة الوجود الخارجى للأزهر الشريف فى مختلف دول العالم، ولا يكفى فقط وجود وافدين إلى الأزهر من تلك الدول، وعلى الأمة أن تدعم الفكر الوسطى المعتدل، والأزهر -بعون الله- على قدرة وكفاءة عالية للاضطلاع بهذا الدور حفاظا على الشريعة، وحماية للعقول من الانزلاق فى هوة الفكر المتطرف. ظاهرة «الإسلاموفوبيا» كيف تتم مواجهتها؟ مواجهة هذه الظاهرة يتطلب القيام بحملات توعية تستهدف الآخر، وتقيم معهم حوارات مفتوحة؛ من أجل تجلية الصورة الحقيقية للإسلام، كالتى قام بها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، فى زيارته الأخيرة لألمانيا والتى آتت ثمارها الطيبة فى تصحيح صورة الإسلام عند الغرب، وهكذا ينبغى أن يكون هناك تواصل مستمر مع أرباب الفكر والإعلام والسياسة فى مختلف دول العالم؛ لتوضيح صورة الإسلام الصحيحة، ورد الشبهات المتعلقة بذلك. وما آليات تصحيح صورة الإسلام فى الغرب؟ تتمثل تلك الآليات فى ترجمة مبادئ الإسلام إلى سلوك وواقع عملى يراه الآخر فى المعاملات والتعايش السلمي، وإبراز محاسن الشريعة، والعمل على نشر الأخلاق الحميدة؛ لا مجرد التنظير المعرفي، أو القيام بدور الدفاع ورد الشبهات فقط، مع العمل على أن يأخذ المسلمون بأسباب التقدم والرقي، كما كانوا -قبل ذلك- فى العصور السابقة، حيث كانوا مصدرا للحضارة، والفكر، والتقدم العلمي، وكذلك وضع قدم ثابتة على سلم الثورة التكنولوجية التى تحقق تقدمهم علميا وفكريا، وذلك بالتوازى مع قيام الإعلام بدوره فى بيان الفكر الإسلامى الصحيح المعتدل الذى تبناه الأزهر ، وفى هذا الإطار لابد من انطلاق فضائية الأزهر الشريف العالمية باللغة العربية وباللغات الأجنبية؛ لتكون منبرا فى التحدث مع الآخرين، ومنطلقا لتصحيح المفاهيم . توصيات ومؤتمرات ولم يتجدد الخطاب الديني.. ما السبيل الى تطبيق تلك التوصيات على أرض الواقع؟ الادعاء بأن الخطاب الدينى لم يتجدد غير صحيح، ولكنها عملية مستمرة وفق آليات وقواعد محددة، تقوم عليها المؤسسات الدينية المنوطة بذلك، وفى مقدمتها الأزهر الشريف . يعانى المجتمع حاليا غياب القيم الأخلاقية كيف ترون ذلك؟ وما هو دور علماء الدين والمؤسسات الدينية فى ذلك الأمر؟ وهل تكفى الحملات الدعوية لذلك؟ هذا الكلام على إطلاقه غير صحيح، بدليل الجهود التى تقوم بها المؤسسات الخيرية، كمؤسسة مصر الخير، التى يرعاها فضيلة العلامة الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق، وكذلك ما تقوم به مستشفي(57357)، وغير ذلك من الجهود الخيرية سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد؛ فهذا أكبر دليل على وجود القيم فى هذا الشعب العظيم ورسوخها فى جذوره ودائما ما يبهر -هذا الشعب العظيم- العالم بما يقوم به من انجازات؛ تدل على تماسكه كجسد واحد؛ على أنه لا ينكر وجود بعض الخلل عند بعض ضعاف النفوس متمثلا فيما يرى من ظاهرة التحرش والبلطجة، الى غير ذلك؛ لكن فى المجموع الشعب المصرى رحيم، متكاتف، مضياف، محب للسلام، حريص على التمسك بالأخلاق الفاضلة. ومن المؤكد أن لعلماء الدين دورا عظيما ومهما فى ترسيخ القيم وتفعيلها بين الناس، بيد أن ذلك ليس مقصورا على علماء الأمة، ولا على المؤسسات الدينية فقط، بل ترسيخ القيم ونشرها إنما هو مشروع قومى يجب علينا جميعا أن نهتم به، كلٌ فى مكانه يؤدى دوره المنوط به، وكذلك الحملات، والقوافل الدعوية لها أهميتها ودورها الفاعل، لكنها خطوة لابد أن تتلوها خطوات للرقى بالمجتمع. ينادى البعض فى فترات متباينة بتطوير المؤسسات الدينية.. كيف ترون هذه الدعوات؟ عملية تطوير المؤسسات الدينية قائمة منذ نشأتها ولم تتوقف، ونحن نؤيد وندعم هذه الدعوات التى تريد البناء لا الهدم، والأزهر الشريف على مختلف قطاعاته (المشيخة، والجامعة، ومجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء)-الكل يعمل على قدم وساق للتطويرنحوالأفضل، وبما يخدم مصالح الدين والوطن، والزائر لمكتب فضيلة الإمام الأكبر يلمس هذا التطوير؛ فيشعر فى أثناء وجوده بأنه خلايا نحل تعمل على إخراج العسل المصفى للمجتمع. وكيف يتم تطوير مستوى الخريجين فى الكليات الشرعية التى تقبل الحاصلين على أقل المجاميع؟ وطلاب كلية الدعوة كيف يمكن رفع مستواهم العلمي؟ الأزهر يقوم بهذا العمل الآن من خلال تطوير المناهج فى الكليات بما يلائم العصر الحديث، ومن خلال وحدات الجودة الموجودة فى جميع الكليات، أما كلية الدعوة الإسلامية فضلا عن أنها تقبل أعلى المجاميع بالنسبة للكليات الشرعية، فهى تقوم بالتطوير المستمر فى المناهج لتواكب متطلبات الواقع بما يخدم الدين والوطن، ووفق المنهج الأزهرى الوسطى المعتدل، ويتمثل هذا التطوير في:المناهج الجديدة والأنشطة العلمية والثقافية، وعقد دورات علمية لتأهيل الدعاة، وقد قامت الكلية بوضع برنامج صيفى تحت عنوان:(كيف تكون عالما أزهريا)، واشتمل البرنامج على ما يحتاجه الداعية من أدوات للتعامل مع العلوم المختلفة مثل:التفسير، والحديث والفقه، وأصول الفقه، والنحو، والعقيدة، وكذلك مجموعات الإرشاد الأكاديمى التى تقوم بدراسة مشكلات الطلاب والعمل على توعيتهم وتدعيمهم علميا، وفكريا، وخلقيا، مع استخدام وسائل التقنية الحديثة فى المحاضرات، وجودة المادة العلمية المقررة، من حيث أصالتها، ومراعاتها لمقتضيات العصر الحديث . هل المناهج بالمعاهد الأزهرية تؤهل الطلاب علميا للالتحاق بكلية الدعوة؟ المناهج الجديدة التى تم اعدادها من قبل المسئولين بالأزهر ، وتم تطويرها ومعالجة مواضع الخلل بها، سوف تحقق إن شاء الله- الهدف من تطويرها، وتكون قادرة على تأهيل الطلبة علميا للالتحاق بأى كلية شرعية، وخاصة كلية الدعوة. هل ينبغى أن يتفرغ طلاب الأزهر للعلوم الشرعية أم أن يقفوا بين منتصف السلم بين العلمى والأدبي؟ العلم فى لغة القرآن الكريم هو كل علم يوصل الى الله تعالى ويقيم الدلائل على قدرته وحكمته فى هذا الكون؛ فجميع العلوم -سواء الشرعية وغيرها- فى خدمة الدين والآية القرآنية التى نصت على أن أكثر الناس خشية لله تعالى هم العلماء لم تذكر هذا فى سياق العلوم الشرعية، وإنما فى سياق الحديث عن العلوم الكونية -(علم النبات، وعلم الجيولوجيا، وعلم الحيوان)- قال تعالى :(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود* ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء..) ؛ فالأزهر حريص على كل علم ينفع البشرية، ويخدم الإنسانية ولذلك فتحت فى جامعة الأزهر بعد تطويره- الكليات العلمية مثل كلية:( الطب-الصيدلة-الهندسة-العلوم) . هل كتب التراث بحاجة الى تنقية، وعلى من تقع مسئولية ذلك؟ بداية لا يجوز بحال أن يدخل بعض المغرضين من بوابة تنقية التراث فنجده يحط من قيمة هذا التراث العظيم، ويقلل من جهود الأئمة، والعلماء فى خدمة الدين واللغة العربية؛ فهو سجل و تاريخ للأمة؛ ولا مانع من إعادة النظر فى التراث وفق مناهج علمية معتبرة، ويقوم به علماء الأمة وهذه مسئولية الأمة بكاملها على مختلف مؤسساتها الدينية الكبري، وخاصة الأزهر. فوضى الفتاوى كيف يتم القضاء عليها؟ وهل نحن بحاجة الى قانون ينظم عملية الفتوى ويمنع غير المتخصصين من التحدث الى وسائل الإعلام وإثارة الفتنة والبلبلة؟ يتم القضاء على فوضى الفتاوى عندما تقتصر الفتوى على أهل العلم المتخصصين فى صناعة الإفتاء؛ وعليه فلابد من سن تشريع قانونى ينظم «الفتوي» ويقضى على ظاهرة فوضى الفتاوي، ويحمى الشريعة، والفقه من غير ذوى التخصص، ويحقق الأمن المجتمعى المنشود، وكذلك يحقق المقاصد الشرعية، ويعتبر المآلات المتغيرة أو المختلفة لدى المجتمعات، ولابد أن تعمل الجهات المختصة على استصدار قانون ينظم عملية الفتوي، ويمنع غير المتخصصين من الدخول فيها.