يُخطئ من يقيّم الأفراد قياسا على تصرفهم في لحظة من الزمن أو فعل واحد من الأفعال، ويسري ذلك على الأمم، فيخطئ من يقيّم الدول على فترة من الزمن، وهذا للأسف سوء حظ مصر مع مجموعة من الشباب العرب الذين لم يعيشوا فترة ريادة مصر.. هذه الكلمات للأستاذ جميل فارسى، صحفى وكاتب سعودى، كتبها متمنيا أن يقرأها كل العرب خاصة الشباب، وقد عنون مقاله المنشور عقب ثورة 25 يناير بسؤال جميل (هل تعرفون حقيقة مصر؟).. ويقصد بالسؤال إيصال رسالة إلى كل شباب العرب.. استدعيت هذا المقال بمناسبة ما يحاك لمصر واستغلال الظروف..! مصر مثل الرجل الكبير تنفق بسخاء وبلا امتنان، وتقدم التضحيات المتوالية دون انتظار للشكر.. هل تعلمون يا عرب أن جامعة القاهرة وحدها قد علمت حوالي المليون طالب عربي، معظمهم بدون أي رسوم دراسية؟! بل كانت تصرف لهم مكافآت التفوق مثلهم مثل الطلاب المصريين؟ هل تعلمون أن مصر كانت تبعث مدرسيها لتدريس اللغة العربية للدول العربية المستعمرة، حتى لا تضمحل لغة القرآن لديهم، وذلك أيضا على حسابها؟ هل تعلمون أن أول طريق مسفلت من جدة إلى مكةالمكرمة كان هدية من مصر؟ وأن حركات التحرر العربي كانت مصر هي صوتها وهي مستودعها وخزنتها، وكما قادت حركات التحرير فإنها قدمت حركات التنوير، كم قدمت مصر للعالم العربي في كل مجال.. في الأدب والشعر والقصة وفي الصحافة والطباعة وفي الإعلام والمسرح، وفي كل فن من الفنون.. ناهيك عن الدراسات الحقوقية ونتاج فقهاء القانون الدستوري. جئني بأمثال ما قدمت مصر؟! وكما تألقت في الريادة القومية تألقت في الريادة الإسلامية.. فالدراسات الإسلامية ودراسات القرآن وعلم القراءات كان لها شرف الريادة فيها، وكان للأزهر دور عظيم في حماية الإسلام في حزام الصحراء الأفريقي.. وكان لها فضل تقديم الحركات التربوية الإصلاحية.. أما على مستوى الحركة القومية العربية فقد كانت مصر أداتها ووقودها، وإن انكسر المشروع القومي في 67 فمن الظلم أن تحمل مصر وحدها وزر ذلك، بل شفع لها أنها كانت تحمل الإرادة الصلبة للخروج من ذل الهزيمة. صغر سنكم يا أبنائي (يقصد شباب العرب) قد حماكم من أن تذوقوا طعم المرارة الذي حملته لنا هزيمة 67، ولكن دعوني أؤكد لكم أنها كانت أقسى من أقسى ما يمكن أن تتصوروا، لكن هل تعلمون عن الإرادة الحديدية التي كانت عند مصر يومها؟ أعادت بناء جيشها.. وفي ست سنوات وبضعة أشهر فقط نقلت ذلك الجيش المنكسر إلى أسود تصيح (الله أكبر)، وتقتحم أكبر دفاعات عرفها التاريخ.. مليون جندي لم يثن عزيمتهم تفوق سلاح العدو ومدده ومن خلفه.. بالله عليكم كم دولة في العالم مرت عليها ست سنوات لم تزدها إلا اتكالاً؟ مصر تمرض ولكنها لا تموت.. إن اعتلت ومرضت اعتل العالم العربي، وإن صحت واستيقظت صحوا. [email protected] لمزيد من مقالات على جاد