جفِّفى دموعك يا أفريقيا أولادك يعودون إليك من قلبِ العاصفةِ ورياح الرحلاتِ العقيمَة هكذا خاطب «برنار دادى» شاعر «ساحل العاج» الأول والروائى والكاتب المسرحى والقاص قارته الحبيبة. وقد احترف الأدب فى وقت مبكر، حيث ألف أول مسرحية فى سن 15، وهو طالب فى المدرسة الابتدائية العليا سنة 1934، وكون أول فرقة مسرح مع مجموعة من الفنانين، وقدَّم أكثر عن عشرين عملا أدبيا، تنوعت بين رواية ومسرحية ومجموعات شعرية. ومن قصائده الجميلة المحفورة فى ذاكرة الطفولة «جففى دموعك يا أفريقيا»، ونشرت بالفرنسية سنة 1967، وهى عن أفريقيا وأبنائها وبناتها الذين عادوا إلى أوطانهم، وعن شفاء جراح العبودية، وضد الاستعمار الجديد، فتحولت إلى أغنية شائعة فى أفريقيا بصوت الفنان «ألفا بلوندى»، لذلك أصبح «برنار دادى» «فيكتور هوغو كوت ديفوار» كما يلقبه الأفارقة. ولد الشاعر » برنارد دادى « فى مدينة «أسينى» فى ساحل العاج »كوت ديفوار« سنة 1916، وعمل موظفا لدى السلطة الفرنسية فى مدينة «داكار» عاصمة السنغال آنذاك، وعند عودته إلى وطنه «ساحل العاج» سنة 1947 شارك فى الكفاح من أجل استقلال بلاده، وتم اعتقاله لمدة 16 شهرا لمشاركته فى المظاهرات ضد الاستعمار الفرنسى، ولم يتوقف عن الكفاح حتى استقلت بلاده سنة 1960. واهتم «برنارد» بالفولكلور الأفريقي، وأقام سنة 1953 «المنتدى الثقافى للفولكلور فى ساحل العاج»، من «سنجال» مركز الشعر الأفريقى إلى «كوت ديفوار»، فى محاولة لإصلاح ما أفسده الاستعمار. وعلى يديه أصبح للشعر رسالة اجتماعية وسياسية، فشاعت القصيدة الغنائية، واكتسبت شكلا دراميا مختلفا، وارتبط الشعر بقضايا الإنسان الأفريقى ضمن إعادة البناء والمطالبة بالحرية والمساواة، وبات الشعر أداة مقاومة وثورة وتمرد، وتمجيد للأرض الأم. واستفاد بسيرته الذاتية فى روايته المستقبل «Climbié» التى صدرت عام 1956، وأصبحت كلاسيكية من الأدب الأفريقي، وهى أول عمل روائى خيالي، وربما كانت أشهر رواية فى أفريقية، ولعبت على هموم وهوية الشباب الأفارقة الذين كان يتنازعهم الصراع بين قيمهم الأفريقية القديمة، والحضارة الأوروبية التى حاول المستعمر فرضها فى مدارسه كآلية لضمان قوته وهيمنته على عقل البلاد. وانحاز فى أعماله للروح الجماعية للإنسان الأفريقي، لأنه لا يستطيع الحياة بمفرده، وكونه بمواجهة القوى الغامضة مثل الموت والحرب والكوارث والغيبيات، يميل إلى التواجد وسط الجماعة، لينتصروا على المصاعب معا. واستلهم التقاليد الشفوية الأفريقية فى مسرحه، فكتب «الزنجى فى باريس» 1959، و«راعى نيويورك» 1964، و«المدينة حيث لا أحد يموت» 1969، وكان المسرح آنذاك فى حالة ازدهار فى العواصمالغربية (باريسونيويورك وروما)، فاستند المسرح الأفريقى على تراثه واكتسب زخمه فى مواجهة الحداثة الغربية، واستخدم «برنارد دادى» الأسلوب التقليدى فى صراع البشر والقيم، المتاح والواجب، الواقع والمثال. ولاحقا أصبح عميد الأدب الأفريقى «برنارد دادى» وزيرا للثقافة فى «كوت ديفوار» من 1977إلى 1986، ورحل عن عالمنا فى 10 يناير 2015 عن 100 سنة، وكان أول أديب أفريقى يُعمِّر قرنا كاملا. وختم قصيدته «جفِّفى دموعك يا أفريقيا» بقوله: يَعودون إليكِ كَى يُلبسوكِ أحلامَهُم وآمالَهُم!