تعترى العلاقة بين الأب وابنته العديد من التقلبات، فأحياناً نجدها علاقة حميمة يغلب عليها الحب والتفاهم والتعلق الشديد خاصة من قبل الفتاة لأبيها.. وأحيانا أخرى تمر بنوبات من الفتور والجفاء . وهذه بعض النماذج الحية لتلك العلاقة.. تقول شيرين أحمد: أبى هو شريان الحياة بالنسبة لنا، فقد غمرنى بالحب والحنان فى طفولتى، وصديقاً لى فى مراهقتى وصباى وسنداً فى كل أمور حياتى وأحمد الله أن رزقنى زوجأً يتمتع بجزء كبير من صفات أبى. على العكس منها حنان تقول: كان أبى دائماً مصدرا للتوتر داخل المنزل فلم أتذكر يوماً لجأت له فى أمر ما إلا وصارت مشكلة كبيرة ويلقى باللوم والعتاب على كل من حوله. د. فيفيان أحمد فؤاد أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة حلوان تحدثنا عن تلك العلاقة والتغيرات التى تمر بها قائلة: الشكل السوى الطبيعى للعلاقة بين الآباء والأبناء هو أن تكون هناك مساواة فى المشاعر من قبل الأب والأم تجاه الابن أو الابنة لأنهما يمثلان مصادر الانتماء للطفل واشباع الحاجات الأولية فى الطفولة ثم إشباع الحاجات الأولية والثانوية فى المراهقة والرشد، لكن فى بعض الأحيان ينحاز الطفل تجاه أحد الطرفين فمنذ قديم الأزل أثبتت الدراسات ما يسمى بعقدة الكترا وهى ارتباط الفتاة بأبيها بشدة وهذا له تفسيرات عديدة منها: أن الأب ينظر للأنثى بشكل عام على أنها الكائن الأضعف والأقل خبرة مقارنة بالولد، مع هذا المفهوم ينجح الأب فى استمالة ابنته تجاهه أكثر من الأم لأن وجودها مع البنت لفترة طويلة وغيابه خارج المنزل تكون بالنسبة لها مصدرا للعقاب والمشاجرات وبعد عودة الأب يقوم بتخفيف التوتر عن البنت ويبدأ فى تقديم ما يعكس لها المودة والرقة والرفق بها، ومع تكرار هذه السلوكيات يبدأ تعلق البنت بأبيها فى التزايد باعتباره مصدرا لتحقيق الرضا والإشباعات النفسية. من ناحية أخرى يمثل الأب للبنت مصدر القوة والحماية فى ضوء التكوين الجسدى له لأنها ترى الأم تستعين به فى المهام التى تحتاج إلى القوة الجسمية، كما تقوم بتهديد البنت بإبلاغها للأب عن أخطائها لعقابها فيصبح بالنسبة لها مصدر القوة والسلطة وتتزايد العلاقة أكثر على سبيل المثال عندما يصطحبها فى سيارته ليوصلها إلى المدرسة أو إحدى صديقاتها وعندما تلجأ له فى علاج مشكلة ما تؤرقها حتى لو كانت مع أمها. وتضيف د.فيفيان: وتبدأ البنت فى النمو من مرحلة الطفولة إلى بداية النضج الجسمى والاستقلال النفسى ومحاولة إثبات الذات فتبدأ محاولة القيام بتصرفات لا يسمح بها الأب مثل الرغبة فى وضع الماكياج أو ارتداء ملابس معينة أو الخروج من المنزل فيمنعها الأب، وهنا تبدأ العلاقة فى التغير حيث تميل الإبنة إلى الأم خاصة فى مرحلة البلوغ وبداية المراهقة حيث تعترى الفتاة تغيرات نفسية وجسمية تستطيع الأم وحدها تفهمها ومساعدتها فى مواجهتها بدرجة أكبر مثل بداية الدورة الشهرية وتغير ملامح الجسم الأنثوى بشكل عام. وتستكمل د.فيفيان: بعد ذلك تنتقل الفتاة لمرحلة الرشد ويكون الأب قد تقدم فى العمر والابنة أصبحت أكثر نضجاً فتعود العلاقة لقوتها مرة أخرى حيث ترى الفتاة أن أباها يمثل مصدر الأمان بالنسبة لها ولكن بدأت تظهر عليه ملامح الشيخوخة وتسترجع شريط الذكريات لتتذكر كم كان أبوها حنوناً عليها مهتماً بكل شئونها صديقاً وفياً لها وتبدأ القلق والخوف من فقدانه، وتبدأ فى مزيد من الحنو فى التعامل معه فبعد أن كانت هى الابنة وهو الأب تبدأ ممارسة دور الأمومة معه فتقوم برعايته والاهتمام بشئونه، وبالتالى حين يتقدم لها من يطلبها للزواج قد يشعر الأب أن هذا الشخص يمثل تهديدا لأمانه لأنه سيأخذ منه ابنته التى تمثل بالنسبة له الأم الحانية عليه. وبصفة عامة لكل حالة ظروفها والتى تتحدد من خلال تاريخ العلاقة بينهما.. وهناك عدة عوامل تؤثر فى تلك العلاقة منها: مدة تفاعل البنت مع أبيها حيث تتأثر هذه العلاقة بغياب الأب عن الأسرة فى السفر أو الوجود لفترة طويلة خارج المنزل، غياب الأب الحاضر بجسده والغائب عن دوره خاصة فى المواقف التى تحتاج فيها الإبنة إليه، وعند وفاة الأم فإذا كانت أثناء طفولة البنت يزداد تعلقها بأبيها مروراً بكل مراحلها العمرية لأنه يمثل كل مصادر تحقيق الإشباعات ويبدأ هو فى الميل إلى حمايتها بدرجة أكبر، وأحياناً يطلب الأب من ابنته مشاركته فى إدارة أمور الأسرة مما يزيد من نضج شخصيتها والارتباط أكثر بالأب، وأيضا التكوين النفسى للأب والبنت وقدراتهم العقلية وسماتهم الشخصية كلها أمور يترتب عليها مدى الارتباط بينهما، وأنواع العقاب التى يمارسها الأب عليها، فكلما زاد العقاب البدنى كانت البنت أكثر نفوراً من أبيها. وأخيرا التنشئة الاجتماعية والتقاليد والعادات التى تلعب دورا رئيسيا فى رسم علاقة الأب بابنته فمثلاً فى الريف المصرى يميل إلى تمييز الولد عن البنت ويعتبرونه مصدرا للقوة والسلطة، أما فى المدينة فتميل الأسر للمساواة بين الأبناء فإما أن يكون مصدرا للقهر أو للحب والتفاهم وبالتالى يعكس إما صورة سلبية أو إيجابية للأب داخل الأسرة.