رجل ذو ملامح قوقازية حادة، ولحية حمراء كثيفة مميزة .. تنم تفاصيل وجهه على قسوة بالغة، وقلب لا تعرف الرحمة أو الشفقة طريقا له..أنه «القائد العسكري»، أو كما يطلقون عليه «وزير الحرب» لتنظيم داعش، أبو عمر الشيشاني . الذى يعد واحدا من أشرس قياداته، التى أزهقت أرواح الآلاف من الأبرياء، وأقربهم لأبو بكر البغدادى زعيم التنظيم، لما أظهره من مهارات قتالية وخبرة عسكرية لا يستهان بها، تدرب عليها فى وطنه «جورجيا» أثناء التحاقه بجيشها ليدافع عن أمنه واستقراره قبل أن يذهب لسوريا ويتحول من مقاتل مدافع عن الحق إلى إرهابى معتدى على الأوطان. وقد أطلق البعض عليه لقب «مقاتل بسبعة أرواح»، لأنه كثيرا ما كانت الصحف تؤكد مقتله ثم تنفى الخبر اليوم التالي، حتى أنه فى عام 2014 وضع الرئيس الشيشانى رمضان قاديروف على حسابه الشخصى عبر «الإنستجرام» صورة لرجل مقتول يشبه الشيشاني، ليحتفل بمقتله، وبعدما أخذت وسائل الإعلام الخبر من حساب قاديروف، لاحقا تبين أن الصورة ليست للشيشانى بل لشبيه له وأنه مازال على قيد الحياة. وفى بداية الشهر الحالى استهدفته غارة جوية أمريكية قتل على آثرها 12 مقاتلا كانوا بصحبته بينما ظل مصيره غامضا. فبالرغم من نفى التنظيم مقتل الشيشاني، إلا أن المتحدث الرسمى باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أكد أنه قد قتل، فى حين أعلن قائد عمليات الأنبار اللواء الركن إسماعيل المحلاوي، أمس الأول، لموقع «روسيا اليوم» أنه خلال عملية تطهير وتفتيش بمنطقة البوعبيد شرق الرمادي، تم العثور علي 10 جثث لعناصر التنظيم، إحداها تعود للشيشاني.. ولكن بين التأكيد والنفى لايزال مصير الشيشانى غامضا. من جورجيالسوريا ولد «أبو عمر الشيشاني»، واسمة الحقيقى طرخان باتيرشفيلي، عام 1968 فى قرية بيركياني، إحدى ست قرى تقع شمال شرق جورجيا، والتى كانت جزءا من الاتحاد السوفيتى آنذاك، لأب مسيحى وأم مسلمة، وشقيق واحد، وكان هو وشقيقه يعتنقان ديانة والدهما. ومنذ نعومة أظافره، عرف عن طرخان شغفة بالقتال حيث شارك فى حرب الشيشان الثانية بمساعدته سرا للمتمردين الشيشان، كما شاركهم فى بعض العمليات، التى قاموا بها ضد القوات الروسية. وبعد انتهائه من دراسته الثانوية، انضم للجيش الجورجى وكان مميزا بما عرف عنه من ثقافة واسعة وإضطلاع دائم عن مختلف أنواع الأسلحة والخرائط، مما جعل قائده آنذاك يرشحه للدخول فى مجموعة استطلاع خاصة، تلقت تدريبها على يد القوات الأمريكية، قياداته تصفه دوما، ب «التلميذ النجيب». وبعدما حقق نجاحا كبيرا فى مجاله تمت ترقيته لرتبة رقيب فى وحدة الاستخبارات، وخلال الحرب الروسية الجورجية عام 2008 خدم بالقرب من خط المواجهة فى معركة تسخينفالي، وقد نجح فى تكبيد القوات الروسية خسائر كبيرة. وقد كان عام 2010 عاما سيئا على طرخان حيث قلب حياته رأسا على عقب، فقد كان من المقرر أن تتم ترقيته لرتبة ضابط، لكنه أصيب بمرض السل، وبعدما أمضى عدة أشهر فى المستشفى العسكري، تم الإستغناء عن خدماته لعدم قدرته على أداء مهامه الوظيفية. وقد حاول كثيرا إقناعهم بأن يعود لصفوف الجيش إلا أن محاولاته باءت بالفشل، كما أنه وفقا لوزارة الدفاع الجورجية، اعتقل طرخان فى نهاية العام ذاته بتهمة إحراز سلاح بشكل غير قانوني، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وقد كان لكل تلك الأحداث أثر سلبى بالغ على طرخان. ففى بداية عام 2012 زعم أنه أطلق سراحه بعد قضاء حوالى 16 شهرا فقط، وطبقا لما ذكره والده أثناء حوار أدلى به لأحدى الصحف أن طرخان لم يكن يوما متدينا، ولكنه تغير كثيرا فى الفترة التى كان بها فى السجن، إلى جانب صدمة وفاة والدته، وعدم نجاحة فى الحصول على عمل، وأضاف والده قائلا «شعرت بالخطر الحقيقى على طرخان حينما جاءنى وقال لى يا أبى هذه البلاد لم تعد فى حاجة إلى». طرخان يصبح «الشيشاني» وقد كان إحساس الوالد فى محله، ففى نهاية عام 2012 قرر طرخان السفر إلى تركيا لينضم لمجموعة المقاتلين الشيشان الذين سيرحلون للقتال فى سوريا، خاصة وأن الأخ الأكبر كان قد سبقه بالفعل إلى سوريا، حتى جاء أول ظهور له تحت اسم «أبو عمر الشيشاني»، وهو يعلن عن قيادته لكتيبة المقاتلين الأجانب، والتى كانت تسمى ب «كتيبة المهاجرين»، والتى كانت تتألف آنذاك من 3 آلاف مقاتل غالبيتهم من المقاتلين الشيشان، الذين جاءوا ليقاتلوا ضد الحكومة السورية. وفى نوفمبر 2013، أعلن الشيشانى انضمامه لتنظيم «داعش»، وولاءه لزعيمه أبوبكر البغدادي، ثم قاد هجوم «داعش» ضد الجماعات المتمردة المتنافسة الأخري، وعلى رأسها جبهة النصرة وحلفائها، ثم عينه البغدادى فيما بعد قائدا لقوات التنظيم شمال سوريا، ليصبح فيما بعد قائدا برتبة «أمير». وقد حظى الشيشانى بمكانة رفيعة داخل التنظيم، حيث كان البغدادى يعتمد بشدة عليه، وكان يلقبه ب«صاحب اللحية الحمراء»، لذا قد شغل مركز قائد ل«مجلس شورى المجاهدين» فى مدينة الرقة عام 2014، وأشرف على سجن التنظيم، الذى كان يحتفظ فيه بعدد من الرهائن الأجانب خلال تلك الفترة. وفى العام ذاته خرج الشيشاني، فى مقطع فيديو، يدعو فيه لإستعادة الخلافة، مهاجما أمريكا واصفا إياها ب«عدوة الإسلام»، مما جعل واشنطن تضع اسمه فى قائمتها ل«الإرهاب الدولي» وخصصت 5 ملايين دولار للعثور عليه، وذلك إلى جانب شنها هجمات عليه لقتله.. ولكن هل حقا أصابته فى هجمتها الأخيرة أم أن الشيشانى مازال مقاتل ب «سبعة أرواح» ؟.