شهدت بلاد الياسمين من جديد موجة من الأعمال الإرهابية، أكثر شراسة وعنفا، حتى وصل الحال إلى قيام عناصر من تنظيم "داعش"، بمعركة للسيطرة على منطقة بن قردان الواقعة على الحدود مع ليبيا. حيث عاشت تونس أسبوعا ساخنا، خلف ما لا يقل عن70 قتيلا. ففي الثامن من مارس الجاري، شن عشرات من مسلحي التنظيم، هجوما "منسقا وغير مسبوق"، كما وصفه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، على منطقة بن قردان، حيث هاجم المسلحون ثكنة عسكرية ومركزا للشرطة، لتتحول المواجهة مع القوات الأمنية التونسية إلى حرب شوارع. استمرت المعركة بين عناصر التنظيم وأفراد الأمن التونسي لساعات، مسفرة عن مقتل ما لا يقل عن 53 فردا، حسب وزارة الداخلية التونسية، إذ لقي 35 من المسلحين حتفهم، وألقي القبض على سبعة آخرين، بينما قتل 18 شخصا بينهم مدنيين وعسكريين، وأصيب 13 آخرين، منهم عشرة أمنيين وثلاثة مدنيين. وتشهد تونس منذ اندلاع ثورة الياسمين، وهرب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أحداث عنف في كل شهر تقريبا. ولكن لماذا الهجوم علي تونس الأن؟! في 20 فبرايرالماضي، نفذت طائرات أمريكية غارة جوية بمدينة صبراتة الليبيية، استهدفت مقرا لتنظيم "داعش". خلفت الغارة، وفق ما ذكر عميد بلدية صبراتة حسين الداودي، 43 جثة كاملة، وست جثث غير مكتملة، وخمسة مصابين بجروح خطيرة. وأشار الداودي، إلى أن غالبية القتلى تونسيون يرجح أنهم ينتمون إلى التنظيم، دخلوا إلى ليبيا من شهر أو أقل تقريبا. بعدها، وضعت القوات التونسية على الحدود الليبية في حالة تأهب، تحسبا لتسلل عناصر مسلحة قادمة من ليبيا، هربا من الغارات الأمريكية بصبراتة. وبالفعل وقع ما كان في الحسبان، وتبين وفق التصريحات الرسمية، أن معظم العناصر المسلحة، التي تم القضاء عليها في " بن قردان "، هم تونسيون قدموا من ليبيا. اختار التنظيم الهجوم على مدينة بن قردان الحدودية، أولا، لموقعها القريب من ليبيا، وثانيا، لكثرة الموالين لها هناك، إذ تعتبر أحد أكثر المناطق التونسية تصديرا للعناصر المسلحة إلى بؤر النزاع، ما قد يوفر للتنظيم حاضنة شعبية. ويشهد التنظيم، انتعاشا في الآونة الأخيرة في ليبيا، بعدما تلقى ضربات مؤلمة في الشام والعراق، من طرف غارات التحالف الدولي. ويطمح إلى التمدد بمنطقة المغرب العربي، ومحو الحدود الليبية التونسية، على غرار ما فعل في العراق وسوريا، من خلال استغلال الفوضى الأمنية في ليبيا، والاستعانة بخزان الجهاديين الموجودين في تونس، التي تتصدر دول العالم في تصدير الجهاديين، إلى أماكن النزاع وفق تقارير دولية متواترة. لا تزال عملية مطاردة فلول "داعش" متواصلة، وستتواصل الأنباء عن اعتقال هنا وتصفية هناك، وستستمر هذه الأحداث لفترة على الأقل، ولكن ما سيقع لاحقا ليس إلا هزات ارتدادية للزلزال الكبير الذي وقع في بنقرادن، وهو زلزال بكل معاني الكلمة، لأنه قلب تضاريس الحرب على الإرهاب في المنطقة العربية، وسيقلب معه الكثير من المخططات التي اشتغلت على الإرهاب، ومن أجل نشر الإرباك والفوضى، كمقدمة لإعادة تقسيم المنطقة، وفرض سايكس بيكو جديد. ما حدث في بن قردان، يمثل تحولا استراتيجيا كبيرا في المنطقة، ولعلي لا أبالغ، إذ أقول أن يوم 8 مارس، سيتحول إلى لحظة نؤرخ بها التحولات في المنطقة، وسنتحدث في المستقبل عما قبل هذا التاريخ وما بعده. فالإرهاب الذي زحف من الأنبار إلى الموصل إلى الرقّة، وصولا إلى شبه جزيرة سيناء، ثم سرت فصبراتة ثم تونس، هذا التمدد "الداعشي"، ستكون تونس نقطة النهاية بالنسبة له. لأسباب عدة منها، صور القتلى من "الدواعش" في بن قردان، وهي مكدسة على العربات أو في المستشفيات، وصور المعتقلين منهم، فيما تفرق من بقي منهم في الأنحاء وبات مطاردا. هذه الصور التي انتشرت بشكل واسع، ضربت صورة "داعش" وهو يستعرض قوته بقتل الطيار الأردني حرقا حتى الموت، أوبإعدام أسراه وجز رقابهم وفصل رؤوسهم عن أجسادهم. هذه الصورة المنتصرة انكسرت في بن قردان، وحلت محلها صورة الجثث المكدسة ل"داعش". كما أن التنظيم كان يتمنى أن يعود من بن قردان، بصورة لراية العقاب وهي ترفرف في سماء بن قردان، أوصورة لعناصره وهم يجزون رقبة بعض أسراهم، أوتسجيل لطابور طويل من الأسرى من التونسيين وهم يقادون على أيدي عناصره المبتهجين بإنتصارهم. "داعش"، كانت تبحث عن صورة كهذه لتغوي من خلالها المزيد من شبابنا. لكن كل محاولاته باءت بالفشل الذريع. فكما كانت تونس منطلق الربيع العربي من قبل، ستكون منطلقا لموجة جديدة لهذا "الربيع"، بعد إعلان فشل الثورة العربية المضادة، وأداتها الأساسية "داعش"، ومن يقف وراءها. تونس بديمقراطيتها وبتلاحم شعبها بكل أطيافه السياسية، صمدت بوجه "داعش"، التي لم تستطع أن تفعل فيها ما فعلته في غيرها. فمعركة بن قردان، أثبتت أن الحرب على الإرهاب التي تخوضها دول وأساطيل ليست إلا كذبة، بعد أن فعل مواطنون عزلا في بن قردان، في "داعش" ما عجزت عن فعله حاملات الطائرات. لمزيد من مقالات ابراهيم النجار