هنا في الصعيد أسرار وحكايات تقف دائما على عتب البيوت، تنتظر وصولك ولحظات فضولك، تدعوك بشغف للبحث والاستكشاف.. هنا عتب البيوت هي حدود فاصلة وأسوار عالية ليس من السهل اجتيازها والولوج إلى حياة من بداخلها.. وفي كل مرة تروى وتردد فيها الحكاية أو السر تختلط الأساطير بالحقائق ويزداد سحر وتشويق وغموض عالم الجنوب.. ومن وحي حكايات الجنوب يروي لنا المؤلف والمخرج المسرحي محمود ابو دومة مع فرقته « جماعة المسرح البديل» حكايتين جديدتين من سلسلة حكايات كتابه « عتب البيوت « الصادر عن دار شرقيات في 2015 من خلال عرض حكي مسرحي يحمل نفس الاسم بتياترو الإسكندرية بدأ من مساء اليوم ولمدة ثلاث ليال أخرى. متأثرا بنشأته في صعيد مصر يستلهم ابو دومة في حكاياته وعرضه المسرحي الأماكن وذكريات الزمن الجميل ويحاول أن يحكي تاريخا خفيا ومجهولا لمنطقة ندعي دوما معرفتنا بها من خلال بعض الصور النمطية المتكررة التي تبث عبر شاشات التليفزيون عن أهل الصعيد و يؤكد « نظن جميعنا أننا نعرف ما هو الصعيد جيدا لكن مع كل حكاية يظل دائما الصعيد مصدر للدهشة «. يتناول العرض حكاية « دولت» وحكاية « عين بتضحك وعين بتبكي « اللتين تعرضان لتاريخ من القهر والحرمان والعلاقات والعشق والحب المحرم وحراس التقاليد. فدائما في الصعيد يتم احتجاز المشاعر وقتلها بدعوى الأخلاق والشرف.. أختار ابو دومة أن يقف ممثلوه في منطقة وسط بين التمثيل والأداء الحي والقراءة المباشرة من الكتاب المؤلف...وأن يتناوب الممثلون على تبني موقف الراوي مرة ومواقف الشخصيات مرة أخرى. وحول ابو دومة بدروم مركز تياترو الإسكندرية وهو مركز فني يديره منذ 2011 إلى قاعة عرض تضم خشبة مسرح صغيرة ولجأ إلى التركيز على عناصر بسيطة في الديكور مثل الأبواب والشبابيك الخاصة بالبيوت القديمة في الصعيد. اختزل المخرج معاني كثيرة في شكل الشباك أو النافذة التي لا تطل على شيء، فهو من ناحية استعارة عن الحرية و عن الحياة المتطلع إليها خارج جدران البيت ومن ناحية أخرى استعارة للحبس والقيود. تم استغلال فتحة النافذة في وضع شاشة عرض سينمائية تنقل لنا صور ومشاهد حقيقية للأحداث والأماكن التي يتناولها العرض مازجا بين لحظة الفعل المسرحي الحي والواقع. يذكر أن الجزء الأول من عروض الحكي قدمت بنفس الاسم منذ ثلاث سنوات تناول فيها أبو دومة حكايات « أربع شفا ايوب» و « سكون ما فيهوش حركة « و « أشباح فرنسا» ضمها كتابه والجزء الثاني منها تناول حكايات من كتاب آخر بعنوان « نوستالجيا». ويعد عرض الحكي هذا هو ثالث تجربة حكي تخص عالم الصعيد.