بعد مرور أربع سنوات على تولى فرانسوا أولاند الرئاسة مازالت الساحة تترقب وباهتمام شديد صدى التزامه بتحقيق الوعود الانتخابية التي جاءت في برنامج الرئيس الاشتراكي. وعود اجتذبت شريحة عريضة من الشباب الذين اختاروا اولاند طمعا في تحقيق تحسين مستواهم الاجتماعي وتوفير فرص أوسع للعمل. وبدا أولاند مصدقا لقدرته على حل مشاكل الشباب العالقة لدرجة انه سبق وصرح خلال خطاب ألقاه أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي بأنه لن يترشح لفترة رئاسية ثانية في 2017 حال إخفاقه في الوفاء بوعوده،وبالتحديد ان لم تنخفض البطالة في فرنسا. الآن وبعد مرور 4 سنوات يبدو الحال على ما هو عليه. بل ان معدلات البطالة تواصل ارتفاعها واصبح شباب فرنسا يهربون للعمل في الخارج سواء فى دول الجوار الأوروبية او بكندا والولايات المتحدةالامريكية او لحدود ابعد من ذلك. ويرى المراقبون أن البطالة في فرنسا وصلت إلى مستوى جديد قياسى،بعد أن تعدى عدد العاطلين عن العمل 3.5 مليون في شهر ديسمبر العام الماضي...وحسب إحصائيات وزارة العمل مؤخرا فإن 15800 شخص انضموا إلى صفوف العاطلين،وهو ما يشكل ضربة قوية لجهود الرئيس فرانسوا اولاند لتوفير فُرص عمل للشباب ومكافحة البطالة. وهو الامر ذاته الذي دعاه في اخر يناير الماضي للاعلان عن خطة اقتصادية قيمتها مليارا يورو (2.17 مليار دولار)،بغية ايجاد وظائف جديدة وإنعاش سُوق العمل وتتضمن الخطة مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم للعمل علي توفير فرص العمل الا انه مازال من المبكر الحكم عليها. ويرى الخبراء ان الاستراتيجية المعمول بها في مجال العمل بفرنسا امست لا تصلح ولا تتناسب مع تحديات العصر،وأصبح من الضروري تغييرها خاصة وأنها لا تخدم ارباب الاعمال وبالتالي لا تخدم سوق العمالة وهو الأمر الذي يزيد من نسبة البطالة بالمجتمع يوما تلو الاخر،لانها سياسية تجبر اصحاب الاعمال على الهروب وتشغيل مشروعاتهم خارج فرنسا. ومن ناحية اخري يري البعض الآخر ان الشعب الفرنسي يعمل ساعات اقل مقارنة بدول الجوار الأوروبية حيث تصل ساعات العمل في ألمانيا وإنجلترا وغيرهما الي 66 ساعة في الأسبوع في حين ان بفرنسا يعمل الفرنسيون ساعات اقل بل مازال البعض يتمسك بقانون ال 35 ساعة في الأسبوع. وتجدر هنا الإشارة إلى أن الحكومة الفرنسية الراهنة تدفع ثمن أخطاء الماضي وبيروقراطيته خاصة أنه لم تبدأ أىمن الحكومات السابقة وعلي مدي اكثر من ثلاثة عقود في تغيير وضعية العمالة وموروثاتها الثقيلة، فالعمال يرغبون في الإبقاء علي جميع الامتيازات مع الحفاظ علي اقل ساعات عمل بالاضافة إلى التقاعد مبكرا. وفى محاولة يائسة لفتح أبواب العمل ارادت الحكومة الاشتراكية تعديل بعض القوانين الخاصة بالعمالة لتؤمن بعض الحقوق لرجال الاعمال ،علي خلاف مبادئها،في مقابل توفير المزيد من فرص العمل إلا انها قوبلت بموجة عارمة من الاحتجاجات الشبابية والعمالية،وأدت الي انقسام شديد في جبهة اليسار التابعة للرئيس الاشتراكي المفترض انه يدافع عن حقوق العاملين، وهذا لان قانون العمل بصيغته الحالية يدافع عن العاملين وينصرهم علي ارباب العمل وهنا بيت القصيد... فأصحاب الشركات لا يستطيعون تسريح العاملين بدون أسباب وان فعلوا ذلك يكون المقابل تعويض المتضررين بتعويضات باهظة غالبا ما ترهق المؤسسات والشركات والمصانع. وقد قامت النقابات العمالية والطلابية بمظاهرات حاشدة ضد خطة الحكومة- يوم الأربعاء 8مارس- فى باريس ومدن فرنسية كثيرة مما أدى إلى تعطيل البلاد فقد اغلقت أبواب العديد من المدارس وبعض الجامعات وطال الإضراب 35% من خطوط السكك الحديدية. وجاءت المظاهرات كخطوة تالية بعد ان جمع هؤلاء المحتجون أكثر من مليون توقيع على عريضة ترفض التعديل المقترح على قانون العمل المقدم من قبل وزيرة العمل ميريام الخمرى والمعروف اختصار ب «قانون الخمرى»، وذلك على الرغم من ان رئيس الوزراء مانويل فالس قد وعد بتعديل المشروع المطروح وخاصة في نقطتين اساسيتين..وتتعلق النقطة الأولى بتحديد سقف التعويضات التي يمكن أن تطلبها المحكمة من صاحب العمل حال طرده العاملين تعسفيا ب15 شهرا.أما النقطة الثانية فتتعلق بالتسريح لأسباب اقتصادية. فالنص الحالي يبين أن الصعوبات الاقتصادية يجب أن تكون مشروطة بتحديد ارقام الخسائر والاستثمارات. والجدير بالذكر ان الازمة التي تشهدها فرنسا الان بسبب «قانون الخمري» نسبة الي وزيرة العمل (وهي من أصل مغربي) تعيد للأذهان ما عانته البلاد وفي نفس الشهر من مارس منذ عشر سنوات (عام 2006 )حيث شهدت فرنسا عاصفة احتجاجات مماثلة كانت وقتها ضد رئيس الوزراء اليميني السابق دومنيك دوفيلبان وقد كانت هذه الإضرابات قوية للغاية اذ وصل تعداد المتظاهرين الي 2 مليون مواطن واستمرت احتجاجاتهم ثلاثة ايام متواصلة،وبنفس السيناريو رفضت اتحادات الطلبة وقتها دعوة دوفيلبان لإجراء حوار بشان مشروع هذا القانون المعروف باسم «عقد الوظيفة الأولى»الذي يتيح الفرصة لأصحاب العمل خلال العامين الاولين بتسريح العاملين دون تقديم اي أسباب،حيث رآت الحكومة ان القانون سيقلص من حجم بطالة الشباب دون 26 عاما لأن أرباب العمل لن يخشوا توظيفهم بعد تخويلهم هذا الحق الا ان الشباب أصروا على تصعيد الأزمة، وبالفعل كان رفض الاتحادات الطلابية آنذاك التحاور مع رئيس الوزراء بداية لموجة جديدة من الاحتجاجات بلغت ذروتها واجبرت الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك علي التدخل وسحب القانون برمته.