كانت مناقشة رواية حكايات يوسف تادرس للكاتب عادل عصمت ضمن أنشطة المقهي الثقافي. وحضر المناقشة الدكتورة عزة مازن والدكتورة عزة رشاد والدكتور محمد إبراهيم طه. بدأت الندوة بكلمة الدكتورة عزة مازن والتي تحدثت فيها عن شخصيات الكاتب عادل عصمت بصفة عامة في كتاباته، وكيف أنها تميل للكآبة والانعزالية، ثم تطرقت للحديث عن روايته حكايات يوسف تادرس بأنها من أجمل الروايات التي صدرت العام الماضي، حيث تعتبر لوحة فنية أكثر منها رواية، فهي عبارة عن منمنمات حكي مصفوفة بعناية كاتب خبير متمكن من تعبيراته وجمله، قادر علي الغوص داخل نفسه ونفوس الأخرين ليكشف عن خبايا الأرواح التي تحملها الأجساد. وأضافت عزة مازن، أن الرواية اتخذت أشكالا عديدة من الإبداع في السرد حيث عمد الكاتب إلي جمع شذرات الحكاية ووضعها أمام القاريء بشكل غير مرتب لكنه مقصود، ليقوم القارئ بتجميع الصورة المكتملة للحكاية في ذهنه، مستمتعا بغير عناء. الرواية تدور أحداثها في منتصف الستينيات وحتي بداية القرن الحادي والعشرين، وتبدأ الحكاية من معاناة امرأة مسيحية، هي أم بطل الرواية، يزوجها والدها رغما عنها بعد أن بلغت الثلاثين من عمرها، ضاربا برغبتها في دخول الدير ونذر نفسها لخدمة الكنيسة عرض الحائط. تعيش الأم محملة بفكرة أنها ضحت بحلمها من أجل طفلين أنجبتهما، الأول توفي صغيرا والثاني هو بطل الرواية، التي تظل تحكي له عن أحلامها فيه وعذاباتها حين حملت به وولدته، كل هذا علي ضوء شمعة شحيحة . وقرأت مازن من الرواية بعض عبارات استشهدت بها, مثل قول الراوي: «كانت حكايات أمي كئيبة، وتحدث دائما في ظل ضوء شحيح، لهذا نشأت أحب النور والألوان» . ويقول أيضا عن نفسه عندما تعلم الرسم بسبب حبه لمدرسة الرسم المسلمة وحرمانه من الارتباط بها : «إن رسم صورتي الشخصية هي تجربة مركزية لأدرك أسطورتي، لقد كان أمرا عجيبا أن أري الأسلاف يطلون من ملامحي، وكان صعبا أن أدرك أنني أحمل آلام امرأة ما» . ثم تحدثت الدكتورة عزة رشاد عن الرواية فذكرت أنها تندرج تحت مسمي السيرة، وليس شرطا في الأدب أن يكتب الكاتب سيرة حياته، لكنه يختار شخصية ويكتب سيرتها منذ ميلادها وتطورها عبر سنوات العمر .والكاتب في روايته لم يحك فقط سيرة حياة البطل، لكنه عمد إلي التأريخ لسيرة حياة مدينة كاملة، حين حكي عن كل زاوية فيها. فقد حكي عن الشوارع والمقاهي والأطفال والناس، وسرد بالتفصيل كيف كانت الألفة تجمع بين سكان المدينة، لولا بعض الأشياء التي مع تقدمه في السن أدركها . كان البطل يلعب في الشارع مع بقية الأطفال، ثم إذا حان موعد الصلاة بالمسجد هم بدخوله مع رفاقه, لكن يدا كبيرة كانت تمنعه، لأنه مسيحي وله مكان آخر للصلاة غير مكان أصدقائه، ومنذ هذه الحادثة الصغيرة أدرك أن هناك شيئا ما في المجتمع ينغص عليه سعادته. وتضيف عزة رشاد أن الرواية ما هي إلا تعبير عن توق الكاتب- عن طريق بطلها- إلي الحياة في عالم أفضل، ومجتمع لا يفرق بين أبنائه، فهي تحمل خوفا وشجنا ، يظهر ذلك من خلال كلماته حين يقول فيها : «أنا كائن بُعثت من رحم الخوف» وتحدث الدكتور محمد إبراهيم طه عن الرواية قائلا : بداية يتميز الكاتب عادل عصمت بأنه يكتب عن شخوص رواياته من الداخل، فيجسد مشاعرهم وصراعاتهم الداخلية، وهذا أصعب نوع من أنواع الكتابة ، فكتابته كتابة ذات، والعالم الخارجي للشخصيات لديه يأتي دائما في النهاية . وأضاف طه أن الرواية في حد ذاتها صعبة في الدخول إليها, لأنها مليئة بالتفاصيل الصغيرة والمنمنمات الحكائية، رغم أن السارد فيها هو البطل وحده، لكن الكاتب استطاع رصد كل المتغيرات التي حدثت للبطل من خلال كل من حوله من أشخاص، فرصد حيرته وعدم رضائه عن نفسه عندما كان ينفذ رغبات والدته فقط لإرضائها، ثم انتمائه لجماعة وخروجه منها، مرورا حتي بهروبه من حب زميلته ثناء المسلمة التي عرضت عليه الزواج بها والهجرة لأي مكان معه، لكنه كرجل شرقي رفض إلا أن يكون هو البادئ بالحب، أو قائد العلاقة العاطفية، ولهذا انسحب في هدوء.