وزير التربية والتعليم: ربط البحث العلمى بالقطاع الخاص ضرورة ملحة لمواجهة نقص التمويل    وزير البترول: حفر 77 بئرًا استكشافيًا وتوقيع 7 اتفاقيات خلال 2024    الرئيس الروسى يعلن اعتماد «إعلان قازان» الختامى لقمة «بريكس»    كولر: الإدارة لم تناقش موقفي مع الأهلي.. وسنفوز بهذه الطريقة فقط    برج العرب يستضيف مباريات المصري مع الأهلي والزمالك والإسماعيلي    «الداخلية»: القبض على 6 متهمين بغسل 150 مليون جنيه من الاتجار بالدولار    طارق الشناوي عن إلغاء فيلم آخر المعجزات بمهرجان الجونة السينمائي: أنتظر أن تراجع الرقابة موقفها    ثقافة الجيزة ينظم لقاءات تثقيفية متنوعة احتفالا بتعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني    توقيع الكشف الطبي على 239 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الفيوم في قرية الغرق    الحكومة توافق على مشروع قانون بتنظيم المراكز الطبية المتخصصة    ما حكم عدة المرأة التي مات عنها زوجها قبل الدخول؟ .. المفتى نظير عياد يجيب    مجانا ودون اشتراك.. شاهد مباراة برشلونة وبايرن ميونخ اليوم دون تقطيع بث مباشر - دوري أبطال أوروبا 2024    مهرجان القاهرة السينمائي ينظم ورشة للتمثيل مع مروة جبريل    بث مباشر.. مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة    محافظ البحيرة تتفقد عددا من المدارس لمتابعة سير العملية التعليمية| صور    لتغيبه عن العمل.. محافظ البحيرة تقرر إقالة مدير الوحدة الصحية بقرية ديبونو    أحمق يقسم البلد.. ترامب يهاجم أوباما بعد عقد الأخير حملة انتخابية لدعم هاريس    كوريا الشمالية تؤكد على تعزيز قدرات الردع في مواجهة التهديدات النووية    ضمن مبادرة بداية.. مياه الغربية تواصل تقديم الأنشطة الخدمية    التأمين الصحي على الطلاب وإنشاء 8 جامعات.. قرارات وزير التعليم في مجلس الجامعات الأهلية    وزيرة التضامن تشارك في جلسة رفيعة المستوى حول برنامج «نورة»    كوكو حارس سيراميكا: مباراة بيراميدز ليست سهلة وسنلعب للفوز ببرونزية السوبر    وزير الصحة يُدير جلسة حوارية حول العمر الصحي لكبار السن    بعد إعلان المسموح لهم دخول الامتحان.. خريطة المواد الدراسية للثانوية العامة    السجن عام مع إيقاف التنفيذ لسائق بتهمة التعدي على أرض آثار بقنا    تحرير 1372 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    مصرع مسن في حادث سير بطريق مطار الغردقة    مصرع شخص وإصابة 5 في انقلاب تروسيكل بمصرف مياه ببني سويف    وزير الإنتاج الحربي: خطوات جادة لتحديث خطوط الإنتاج والمعدات    «جولدمان ساكس» يتوقع استقرار أسعار النفط عند 76 دولاراً للبرميل في 2025    وزير الصحة: وصول عدد خدمات مبادرة «بداية» منذ انطلاقها ل62.7 مليون خدمة    برغم القانون.. الحلقة 29 تكشف سر والدة ياسر والسبب في اختفائها    صلاح السعدني.. صدفة منحته لقب «عمدة الدراما»    هاني عادل ضيف «واحد من الناس» على قناة «الحياة»    العد التنازلي لإسدال الستار على الدورة ال 32 لمهرجان الموسيقي العربية.. حفلات طربية كاملة العدد وفرص هامة لمطربي الأوبرا.. مي فاروق تختتم الفعاليات غدًا ونفاد تذاكر الحفل.. ظهور مميز لأطفال مركز تنمية المواهب    منها برج العقرب والحوت والسرطان.. الأبراج الأكثر حظًا في شهر نوفمبر 2024    الضرائب: استجابة سريعة لتذليل عقبات مؤسسات المجتمع المدني    «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا».. موضوع خطبة الجمعة القادمة    الشكاوى الحكومية: نتلقى 13 ألف مكالمة يوميًا    رئيس جنوب أفريقيا يطالب بتنفيذ وقف فورى وعاجل لإطلاق النار فى قطاع غزة    في اليوم العالمي للروماتيزم، أهم أعراض المرض وطرق اكتشافه    للتخلص من التخمة قبل النوم.. مشروب الزنجبيل بالليمون الحل    إزالة 148 حالة تعد على أملاك الدولة والأراضي الزراعية بسوهاج    السجن 3 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لتاجر مخدرات في قنا    لماذا العمل والعبادة طالما أن دخول الجنة برحمة الله؟.. هكذا رد أمين الفتوى    منها انشقاق القمر.. على جمعة يرصد 3 شواهد من محبة الكائنات لسيدنا النبي    «الإفتاء» توضح حكم الكلام أثناء الوضوء.. هل يبطله أم لا؟    مسؤول أمريكي: بلينكن سيلتقي وزراء خارجية دول عربية في لندن الجمعة لبحث الوضع في غزة ولبنان    التعليم تعلن تفاصيل امتحان العلوم لشهر أكتوبر.. 11 سؤالًا في 50 دقيقة    السعودية تجهز لقمة عربية إسلامية تستهدف وقف الحرب الإسرائيلية على غزة    إعادة تأهيل 60 منزلا في قريتي الروضة 45 والوفاء والأمل بالإسكندرية    نجاح عملية جراحية لاستئصال خراج بالمخ في مستشفى بلطيم التخصصي    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان وتدعو لوقف القتال    موعد إعلان حكام مباراة الأهلي والزمالك في السوبر المصري.. إبراهيم نور الدين يكشف    محافظ الغربية يكرم بسملة أبو النني الفائزة بذهبية بطولة العالم في الكاراتيه    «ماذا تفعل لو أخوك خد مكانك؟».. رد مفاجيء من الحضري على سؤال ميدو    الخطوط الجوية التركية تلغى جميع رحلاتها من وإلى إيران    ملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد بروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على الطريق الدائرى!!
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 01 - 2016

للتوقيع فقط.. تلك فحوى عودته.. للطع اسمه الكريم فوق ورق رسمى هو السبب الرئيسى فقط لظهوره في البيت الكبير بمناخه الطارد وسقفه الضاغط وجوّه الراكد وحواره البارد.. يعود من المزرعة فقط ليوّقع الشيكات ووصولات الدفع والتحصيل والاشتراكات والأسهم والسندات والفيزات والتليفونات والانتخابات بالقائمة.. يعود لجلسة افتتاحية أو قضية ضد الخصم أو قرار مُلزم للجمعية العمومية.. يعود للقيام على الواقف بأداء واجب اجتماعى من زيارة لكبير راقد في مستشفي، لجنازة كبير في سرادق عمر مكرم، لتوديع كبير رايح علي رأس وفد كبير لتهنئة كبير أخذ منصب كبير للإطاحة بكبير فى قعدة التدبير، لزفاف ابن كبير لابنة كبير فى فرح كبير يحييه مطرب كبير يحضره الناس الكبار.. يعود لأن ابنة شقيق الهانم خطوبتها في الماريوت، وأخت زوج أختها عملت حادثة بالمرسيدس فى مارينا، وابن بنت خالتها قرر الهجرة وعامل بارتى وداع فى فيلا التجمع، ولأن الهانم ذات نفسها طالباه ديكور زوجى تدخل به حفل الروتارى لشراء جهاز غسيل كلوى لصالح غلابة العشش الصفيح.. ده غير جهاز حفل السنة اللى فاتت وكان لصالح سكان المقابر، وعرضت فيه المصممة رابحة ديفيليه لفساتين الزفاف فقط.. يعود لزيارة طبيبه أخصائى شد الأزر وتنشيط الخلايا وتقويم المائل وملء الفراغات وشد المكرمشات وفرد المقرنصات مدبج روشتات تقوية الهمة وتعديل جرعات الفياجرا وما يستجد فى أحدث المؤتمرات لمسايرة نسب الكوليسترول والدهون والضغط.. يعود للنار من الجنة فيعرف قدر النعيم.. يعود للرقاد بجوار كيس النكد مجبر أخاك لا بطل.. يعود يعد الأيام بالدقيقة والثانية ولفة العقرب وتعاقب الليل والنهار والعصر والمغرب لأجل يسارع بالعودة للحظ والأنس وحُسن الختام.. يعود من الطازج الغض البض المهلبية إلى الأزرق الكوبيا اليابس المتخشب الموات.. يعود من الصاحى للميت.. يعود من الملبن للابتلاء بصيام الدهر.. يعود من الامتلاء للخواء.. يعود من الحاضر للماضى.. يعود من الغد لامبارح، ومن الوردة لأم قويق.. يعود من التناغم والتجاوب والأنوثة للصد وجفاف الرد والأخذ بدون حمد وعدم الاكتراث.. يعود من عش الغرام مع البنت الألماظية شلبية لقصر الشوك وأبلة الناظرة والأشكيف وبوز الإخص والتقاطيع المخاصمة بعضها والكلام الطوب والاقتحام بدون دستور وأمنا الغولة.. يعود من المهد إلى اللحد.. من موقع الصدارة لدائرة الانتقام.. من مركز الاهتمام لظلال التهميش.. من السماء للأرض.. من إكسير الانتعاش لعلقم الاحتضار.. من الحضن للجب.. من الحب للزهد.. من القطيفة الناعمة للصوف الخشن.. من الربيع للخريف.. من التمرحنة لجريد النخل. من الأملس للمتغضن.. من أنفاس السحر لحشرجات حنك السبع.. من السعة للضيق.. من الهواء الطلق للتنفس الصناعى.. من الغاوية للهاوية.. من الحلم للواقع.. من الحياة للحيّة.. من ريش النعام لمفصلات السكة الحديد.. من أم السن الضاحك لأم أربعة وأربعين.. من المستحية للقوية.. من الحفاوة والنقاوة والشقاوة والدم الشربات للقتامة والرذالة وكثرة التنبيهات والممنوعات ولافتات المحظورات.. من أوراق الورد للصبار.. من الطزاجة الساخنة للعيش المقدد البايت.. من الفراشة للدودة الشريطية.. من الباشا للكماشة.. من الحلاوة الزاعقة الطرية على القلب للماسخة الكابسة على المراوح.. من الحوار للخرسْ.. من «أوامرك يا بيه» ل«ماتخلصنا عايز إيه؟».. من التلميذة النجيبة التي يدربها علي منهاجه الخاص فتطلع الألفة، لحضرة الناظرة التي تشعره بالذنب وتسقطه في الملحق.. من المستقبل لغياهب التاريخ. من الأغانى للتعديد.. من الحلم الشفيف لمنبه فزعة اليقظة.. من السذاجة والبساطة والعباطة والطعامة والحلاوة والبغاشة والنغاشة للشخط والنطر والحذلقة وبابا مين وجدى مين وعمى مين وخالى مين وعيلتى فوق فوق المستوى..
كان حلماً يراوده عندما ينهى مدة خدمته الرسمية التى قضاها شاغلا عدة مناصب مرموقة آخرها كانت تتعقبه فيه العدسات المهرولة وتلهث الميكروفونات الشغوفة لتسجيل اللقاءات المهمة وتمتلئ الشاشات المتعطشة، وأى جملة من فم سيادته كانت تؤخذ على محمل التصريح، وأى تصريح يدلي به بمثابة المانشيت، وأى تقطيبة على الجبين تنبئ عن حقيقة وضع، أما فى حالة ما إذا فرد وشه فالحمد لله قدر فلطف وزالت الغمة، والسحابة انقشعت، والدخان تبدد والآشية معدن والخير قادم وكل شىء تمام وتوصلنا للحل وجميع الأطراف متلاقية وأحسن من كده يبقى بطر، وليس فى الإمكان أبدع مما كان، والجهد المبذول أخيرا قد أتى بالثمار التي ستطرح قريبا بمشيئة الله صرحا للأجيال القادمة وقطاع الشباب بالذات.. الحلم الذى راوده وفتح بابا للخلاص.. «بيت فى البرارى».. هجر الحضر ومعيشة الأرياف.. أن يفتح صفحة جديدة خضراء يذهب فيها بعيدا للريف ليعوم في بحر الخضرة.. ينام في مغطس براعم الحقول الواعدة.. يتأرجح بين أفئدة اللوز المفتح فى الغيطان.. يتنفس الطبيعة البكر. يمد يده يأكل خيارة من الأرض. يسن أسنانه برأس فجلة بطين الغيط. يمسح علي ظهر طمطماية بكمه ويزلطها بالهنا.. يدش فحل بصل ياكله بزخم أصعدته للنخاشيش مع البتاو.. يلم توت من الأرض يسفه بترابه. يدخل براسه جوّه بطيخة ينحتها. يقزقز زعزوعة عود قصب في شمس الشتاء. يتمطى تحت الجميزة يملأ السمع بناى الشادوف.. ينام علي مصطبة ليلة صيف. يهز الطلمبة ويشرب فى حفانه الماء الزلال. يأخذ المقود من يد عيّل علي رأس الترعة ويعود علي رأس كوكبة البهايم للزريبة. يستنشق بارفان الزبدة السايحة. يركب حمارة بدون بردعة ويهز رجلين تكنس الأرض علي جسر مغربية والشمس ترسم بحمرتها لوحة غروبها فى بطن الجبل. يشرب خمسينة شاى تموين مقطوع نفسه من الغليان ويشد أنفاس المعسل من خشبة بوصة متلبسة في كوز الصفيح، ويملأ بطنه بدون جزع ولا خوف ويلغ في الدسم بلا وجل ويقضم قالب الزبد بقلب حديد وينحت كوزين ذرة ويتجشأ بألف هنا وشفا.. يبنى له أودتين وصالة ودورة مياه. شاليه بمستلزمات الضرورة بشرفة عريضة خشبية بناصية بحرية هواها يرد الروح وناصية تضرب فيها عين الشمس طول النهار صحة وأشعة فوق فوق البنفسجية، ومن حوله قطعة أرض يزرعها بمزاج ويرويها بمزاج ويشوف بعينه النبتة الخضراء زرع إيديه تشق أديم الأرض وتشب برأسها الوليد تتطلع للسما توحد الخلاق تستنشق أول هواء في الرئات تصرخ بدمعه ندى تنمو في سلام يؤرجحها هواء الريف العليل بعيدا عن سحابات المدينة ودخانها وسواد جوها وناسها من جوّه.. ياه.. حلم.. يعيش أيام الهدوء ينعم بلا زيف يكتب خواطره بصراحة يقرأ كتب محفوظ يسمع الست وموسيقى كلاسيك وليت للبرّاق عينا لأسمهان وكارم وعبدالمطلب والشيخ إمام ونجاة ووردة وفايزة وسيد مكاوى وفريد.. يقوم من النوم ينام تانى.. يلبس جلابية بلدي مرحرحة يمد إيده في سيّالة يطلع بجميزة، ويمد إيده فى التانية ماتطلعش.. يتمطى ويتثاءب ويطرقع أصابع يديه ورجليه.. يبصق على الأرض والحائط.. يصحو طول الليل سقفه النجوم أو ينام من المغرب.. يقعد ساعات مبلم مايرمشى.. يلف يجرى يقف يحط رأسه لتحت ورجليه لفوق يطلع لسانه لروحه في المرآة يسيب ذقنه تطلع وشعرة الوحمة تطول والكيس الدهنى في خده يمتلئ بلا ضغط منه للتنظيف.. يصلى ساعات.. ويصوم ساعات.. ويقعد على السجادة يستغفر ويبتهل لساعات.. وساعات تطلع في نافوخه يؤذن أو يرفع صوته الأجش بموال غرام حرّاق.. يربى كلب ويدلل قطة ويطعم عش عصافير ويراقب ذيول سمك ألوان في حوض غواية تسرق حركته العين ويشرب لبن معيز على الريق ويرسم لوحة حصان ويصبّر فراشة ويربط الدبور بدوبارة ويرد السلام واتفضل شاى.. يفتح دولاب الهواية يرص في الألبومات ورقة بوستة تاريخها من أيام نابليون والخديوى والياصابات وزواج فريدة بفاروق، أو يمسك بمفكاته الدقيقة يفك راديوهات قديمة وماكينات حلاقة قديمة ومكاوى قديمة وساعات قديمة.. يخبط بالشاكوش يصلح كراسى ورجل الدولاب وينشر بمنشار أورمة خشب يقعد عليها يراقب عشة أرانب من النوع الجبلى المتوالدة هريرات.. يعيد ذكرى والده والسادة الجدود أيام المضايف وولائم الحزب وخطب الزعيم، أيام ملكية الأبعدية الزراعية قبل ما يفكها الأحفاد أرصدة بالاسترلينى والدولار في بنوك برّة ويصرفوا ريعها فى فازات سيفر وجاليه وبسكويه وأطقم لوى كانز ولوحات سينييه وساعات رولكس وسجاد شيرازى وكيشان بخمسمائة عقدة..
همس بحلمه للهانم فى ليلة قمرية كان فيها هيكلها السلويت مع الضوء الفضى يخفى واقعها المر، فظن أن الشاعرية تسود، وأن سحر الكون قد لمس جارته بعصاه السحرية وأنها مش هى هى وإنما جنية مستخبية.. قال لها: إيه رأيك يا هانم نعيد اللى كان. نقول للزمان ارجع يا زمان. أخدك ورايا على حصان الأحلام، ونعيش سوى أنا وأنت وبس فى بيت صغنن بغيط صغنن علي طرف ريّاح بحيرى فى زمام قليوب في حزام القاهرة الكبرى فى مساحة أرض صغنونة اشتريتها لكم مفاجأة وما عندى مانع أكتبها لك باسمك مع التسجيل. نزرع فيها أكلنا بإيدنا، نطبخ سوى ونأكل سوى لقمة في بقى ولقمة فى بقك، نبعد عن الناس ونعيش فى سلام، نشرب ميه من الزير الساقع، ونطلع برج الحمام، ننصت للهديل، ونخطف لنا جوزين ندسهم في برام أرز معمّر.. وننام يسرحنا الهواء والقمر يغطينا.
الهانم اطفأت القمر... ضربت على صدرها وكفا بكف: قوم قوام قيس حرارتك.. انت سخن.. عندك حمى أكيد.. أسيوية ولاّ خنازير؟!! مؤكد عندك خلل أو مبادئ زهايمر ولابد عرضك على الدكتور وعمل تحليل للسكر وقياس للضغط، وأفضل من كل ده أخدك يومين على دار الفؤاد بستة أكتوبر أو علي عيادة الطوارئ بمستشفي الجلاء يفحصوك من فوق لتحت للاطمئنان عليك.. يا مصيبتى.. عايزنا يا راجل نبات في تيار هواء يكفينا علي وشنا ويجيب لنا التهاب رئوى.. هوّه انت ناقص بلاوى ما كفاية اللى فيك ولاّ أنا سليمة.. هى دى مكافأة آخر خدمتى عندك تاخدنى للمنفى تودينى وراء الشمس.. ده انت ماشى يا راجل بالقُدرة وصوت شخيرك بالليل يقطع الخميرة من البيت.. تقعدنى في بيت طاعة بزير وحصيرة وحبة ملح.. هات لى سبب واحد يقنعنى أهجر بيتى مملكتى وعيلتى وبناتى وأختى والأحفاد والنادى والكروكيه والشلة والكوافير والجمعية والتكييف والجاكوزى والانتركوم والمساج وصاحباتى وطباخى والشوفير وقعدة التراس ع النيل مع شفطتين نسكافيه ووحدتين ساليزون وقطمتين كانابيه وعودين باتون ساليه أو حتتين دانش أو جاتوه سواريه.. اقنعنى يا بتاح أبراج الحمام بسبب واحد يخلينى أعيش فى الفلاحين مع البراغيث والضفادع والناموس ورائحة السباخ والعيش المرحرح أتملىّ فى طلعة جنابك بوزى في بوزك.. ليه وعشان إيه.. طيب انت مزاجك كده أنا ذنبى إيه. روح يا حياتى وحدك وشد الرحال واشرب انشالله من الترعة.. من الزير.. اشرب من كيعانك.. نام ولحافك قمر وناموسيتك كحلى، بس ابقى وحياة أبوك اتغطى كويس، ودوّر عندك هناك على هدوءك النفسى اللى وقع منك بس على شرط وقت ما نستدعيك اوعى تتأخر بحجة إن البهيمة عشار وطالب لها بيطرى، أو أن الفرخة عليها بيضة، أو أن حمارتك العارجة رجلها ورْمت وعندها هشاشة، وإياك تنسى تجيب لى معاك بقرة فريزيان تحلب وتسقينى بالمعلقة الصينى.. بطلوا ده واسمعوا ده بقى يا سعادة البيه عاوزنا نشم طين وناكل طين ونعيش في طين وندخل سباق براغيث ويورمنا الناموس ونتكفى ننام من المغربية على مزيكة الضفادع وخوار البقر، ونفز نقوم من الفجر على مظاهرة ديك أرعن طلع فى مخه يقلق المرتاح» يا راجل اختشى.
راح لابنته الكبرى قال لها يا حبيبة بابا هاتى جوزك وعيالك وتعالى لك يومين فى مزرعة صغيرة اشتريتها لكم لقضاء الويك إند على بُعد كام كيلو على الطريق الدائرى.. فسحة فى الريف وتغيير جو وانشاء الله ابنى لكم فيها عن قريب حمام سباحة لمتعة الأولاد.. ردت الابنة بنفس منطق القدرة التي تكفيها على فمها تطلع لأمها: «مستحيل يا دادى.. مدحت عنه شغل والأولاد عندهم حساسية من ريحة الفلاحين.. فى شم النسيم رجعوا عندهم سعال ديكى من عزبة أبوواحد صاحب مدحت عامل زى ما بتقول فيلا فلاحى وسط فدادين فلاحى وبيقدم للضيوف أكل فلاحي والفلاحين ذات نفسهم بيقدموا لنا الأكل.. عمرى ما حانسى الغلب اللى شفته من بعد الفلاحين دول، تصور يا دادى الولد بعد ما شاف فلاحة بتحلب جاموسة بطل يشرب لبن، ومدحت ذات نفسه فضلت بطنه مقلوبة شهر، وأنا بقيت شامة الريحة في هدومى بعتها التنترليه، والبنت بعدما شافت الفرخة بتبيض قعدت تقلدها يا كسوفى قدام ضيوف مدحت الأجانب».
راح لابنته الصغيرة المخطوبة يرجوها: ياروح بابي تعالى معايا يومين تركبى خيل وتعزمى خطيبك ومامتك وعيلة جوز أخته وشلة أصحابك لفسحة وسط الزرع والخضرة تلعبوا وتهيصوا وتاكلوا وليمة فولكلور بمشلتت وحمام محشى وقشطة وعسل.. البنت بترت الدعوة الحالمة بحركة اعتذار من يدها بإشارة أن يكلمها في موضوعه بعدين بعدين عندما سارعت ترد على الموبايل الذى استدعتها موسيقاه الصاخبة.
سكن المزرعة وحده.. لا لم يكن وحده بل في خضم المؤانسة والمحادثة والوصال.. عم إبراهيم الخفير دفع بابنته الشابة شلبية لتلبى كافة طلبات البيه من طلعة الفجر لفجر يليه ويليه ويعقبه.. عم إبراهيم عنده من البنات سبعة وأصله من بحرى ولا يمتلك جمل مهيب يحمله وراء هنادى وآمنة كما فى دعاء الكروان لأجل يأخذ ثأره من الباشمهندس.. عم إبراهيم قام بتوزيع خمسة من البنات على بيوت العاصمة ليسافر مع كل طلعة شهر للمرور عليهن للاطمئنان وجمع المحصول والذى منه، فإذا ما أن تحين طلعة العيد يعود بهن جميعا: «أصل أمهم عمّالة تزن نفسها تشوفهم وقرينا الفاتحة خلاص مع أولاد عمهم» ويتم تفنيط البنات كورق الكوتشينة لإعادة توزيعهن علي بيوت جديدة بزيادة جديدة فى الماهية وحلاوة للأب وعيدية للفقراء ومشاركة فى إجراء الجراحة العاجلة المطلوبة فى المركز وأجرة لمواصلة رايح جاى، وتدير وعود عم إبراهيم الخفير ظهرها لدموع هانم مصر الجديدة وعائلة أكرم بك فى المهندسين وفيللا حلوان وشقة مدام جمالات: «الله يخليك ويعمر بيتك يا عم إبراهيم، أنا موظفة وعندى عيل رضيع وإجازاتى خلاص خلصت العارضة والمرضية بدون مرتب وفاضل لي الفصل لو بنتك مارجعتشى بعد العيد».. ويتبقى لعم إبراهيم ابنتان الصغيرة آخر العنقود التى نسى أن يحقنها بالمصل فطعن الشلل ساقها وتركها مهيضة، لكن مصائب قوم عند قوم فوائد حتى ولو كانت الفائدة عائدة من البنت لحم البطن، فالمشلولة غدت ذراع أمها فى الدار وعصا جدتها تتعكز عليها، أما الأكبر منها شلبية فقد وظفها عند البيه فكانت جمرة قايدة سخونة ونشاط ومسح وكنس ورى ظمأ لبلابة المدخل وياسمينة السطح وطلبات البيه.. وسط الهزار لا ممكن أبدا تنسى نفسها تروح فطيس أو تتناسى حجمها فى المستوى، ولأنها عارفة بالسليقة وبوصية الحاجة أمها سر سحرها تظل أبدا تدلل السيد كجارية ملك اليمين، فإذا ما ساقت دلالها عليه فمن موقع المحظية للسلطان المتفضل علي ابنة الرعية بلحظات من عمره المديد.. الطبخ طبخت.. والرقص رقصت، وهزى وسطك يا شلبية.. حاضر يا بيه.. اشربى عبّى.. حاضر.. تعالى هنا جنبى، أوامرك، ارتاحى فى القعدة. مرتاحة مادام في قعدتى راحتك. إيه رأيك في محسوبك. يوه جتك إيه يا سعادة البيه قيمة ومركز واللهم صلى على حضرة النبى من شر حاسد إذا حسد ألفين صلاة.. ده اللى يشوفك يا بيه يحطك جوّه عينيه مش عارفة أنا دايخة ليه فيك ولاّ فى الشكلاتة اللى ساحت وراحت مطرح ما راحت.. هاتى ايديك أبوسها.. يا عيب الشوم.. طب عينك أبوسها.. يا كسوفى.. لا.. لا يا بيه لا ممكن.. فى الحلال ممكن. قومى فزّى يا شكالاتة قولى لأبوكى يجيب المأذون.. رهوانة يا بيه.. ومن الصباحية شلبية ست البيت وست الشاليه وست برج الحمام وست تكعيبة العنب، وست سرب البط، وست التلاجة، والغسالة والفرن الكهرباء وست البيه وتاج راسه.
ومالَ صاحب مزرعة على الطريق الدائرى على أذن صاحب مزرعة مجاورة عندما التقي الاثنان في عمر مكرم بسرادق عزاء والد واحد من الكبار لو كان هو ذات نفسه ارتحل ما كان أحدا قد حضر. سأله ما بين قراءة وقراءة الله يرحم الجميع.. وكلنا لها.. فين أراضيك؟.. النكتة حبكت لتأتى بالرد الجاهز: بجوار أراضيك.. ولأن ما بينهما شبه الحبل السُرى السِّرى عندما قام صاحبنا للانصراف دوغرى التحم به الآخر للوقوف لحظات في انتظار قدوم العربة الخاصة بسائقها لكل منهما مروح؟!.. رايح المزرعة!! دلوقت!!.. وحشتنى.. وحياتك ومين سمعك.. آدى انت شايف الدنيا فانية وساعة الحظ ماتتعوضشى.. إيه رأيك فى ليلة الخميس الجاى. نسهر سوى عندى على دقة الصاجات وشيشة معتبرة وسرفيس حمام بالفريك وطبق عكاوى بالدمعة وسلطة بالجرجير ومخلل زيتون خرج بيت، تقولشى كلاماتا عمايل صوابع الشكالاتة ماتقولشى لعدوك عليه، وعلى فكرة هات الجماعة معاك.. أصل أصل الهانم بنت أختها عملت حادثة فى مارينا.. فتح مخك يا سعادة البيه جماعة هنا غير جماعة هناك ما انت عارف وأنا عارف والطريق الدائرى كله عارف.. هات شلبية تسهر مع أختها.. أيوه.. أى نعم.. حصل وكان من البد يحصل.. تركنا الغفير في القاهرة وناسبنا غفير المزرعة. كتبت على بنت إبراهيم أبو البنات ربنا يفرج عليه زى ما فرج علينا كلنا فى إجازة العيد الكبير.. قلت لجماعة القاهرة تعالوا نقضى يومين العيد في المزرعة كل واحد طلع لى باعتذار قبلته عن طيب خاطر ودبحت هناك وجيت أدبح هنا.. عرفى أو شرعى كلها قنابل موقوتة تبقي تنفجر براحتها علي مهلها بعدما نموت يا صاحبى وما أحلاه الموت غرقاً فى العسل.. الله يمسيك بالخير يا إبراهيم.. يا أبوخليل.. يا أبوالبنات يا عترة!
[email protected]
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.