من أكثر نقاط الضعف التى يستند إليها تنظيم القتلة (الإخوان) فى خطته لإسقاط الوطن تلك التى تنبع من عشوائية أداء الدولة فى مواجهة خطط التنظيم الدقيقة، وللحق فإن التنظيم يدرك من اللحظة الأولى أن مصر وطن تم تجريفه على مدى عقود. ولهذا لا تندهش عندما تعلم أنه خلال الفترة التى سبقت 25يناير 2011م، كلما كان يتم طرح قضية مساعى توريث الرئاسة لجمال مبارك، يكون رد الفعل التنظيمى داخلياً هو السخرية، وشخصياً أتذكر تعليق محمد مرسى فى أحد اجتماعات القسم السياسى المركزية عندما قال (هوا -يقصد مبارك- عايز يورثه إيه .. دى خرابة حد يورث ابنه خرابة). ورغم هذا التوصيف الذى كان يتم تصديره فإن التنظيم سرعان ما ركب ثورة 25يناير ليصل على أكتاف شهدائها، إلى محطة التفاوض التى يرث بعدها «الخرابة»!. ولا تستهدف هذه السلسلة من المقالات الفاضحة لخطة استهداف الوطن التنظيمية إلا إثارة التنبه فى كل الأوساط. وما تم ذكره فى المقالين السابقين، وما يحمله هذا المقال يستند إلى وثائق رسمية تنظيمية داخلية، مثلت على مدى العام الماضى ما يسمى (خطة المراحل الثلاث)، وبالتأكيد يبقى عموم الجمهور الإخوانى مستهدفاً بهذه المقالات لأنه بالتأكيد لم تصله إلا أجزاء منها، وهى الأجزاء التى تخص دوائر عمله، لكن الخطة العامة تبقى فى تفاصيلها حكراً على قادة التنظيم. ومن المهم فى هذا الأسبوع أن نقف على أن الاستراتيجية العامة للمرحلة الحالية والتى بدأت تحديداً من 15 ديسمبر الماضى وتمتد إلى 11 فبراير المقبل هى (التجسير والتشبيك وصولاً بالشارع إلى حالة ثورية كاملة تنجح فى التكامل مع الآخر والالتحام بمكونات المجتمع مع الاتفاق على أن يظل هدف تثوير الجماعة هدفاً عاماً). وهذه الاستراتيجية باختصار تعنى أن التنظيم يسعى لاستثمار أزمات الواقع الحالى -أسهم خلال العام الماضى فى تأجيج بعضها مستثمراً بعض الأداءات الإدارية والإعلامية والسياسية والأمنية- عبر إقامة جسور -تجسير-مع كل منتقدى النظام الحالى حتى وإن كانوا من مكونات نظام مبارك، سعياً ل (تجبيه) الجميع فى مواجهة النظام المصرى باعتبار أن أية تحركات ضد ثبات الدولة ولو كانت من (أمناء الشرطة مثلاً) ستبقى داعمة للوصول إلى صناعة أجواء ما قبل 25 يناير 2011م، فى حين يظل هدف تثوير الجماعة أى تطوير استخدامها للعنف المسلح ذيسميه التنظيم تثويراً للتمويه- هدفاً عاماً تؤمن قيادات التنظيم أنه لابديل عنه لحماية فعاليات التنظيم والقضاء على خصومه. وفيما يخص تقييم التنظيم للوضع المصري، فإن مكونات المشهد حسب خطة التنظيم تشير نصاً إلى أن (النظام مرتبك ومأزوم اقتصادياً ومدعوم دولياً)، فى حين ترى الخطة أن (الإخوان فى الشارع بصعود نسبياً ومرشح للازدياد)، بينما (رفقاء الثورة فى موقف أقرب من ذى قبل) وهم تحديداً كل من ينتسب إلى ثورة يناير ممن لم يتم استدماجهم داخل نسيج المشهد السياسى الحالي، ويعتمد التنظيم كثيراً على مواقف المعارضين المصريين بغض النظر عن توافقه معهم ولو فى القضايا المبدئية، فلا مانع من أن يتاجر بقضايا مثل (حرية الرأي) أو حتى (حرية الاعتقاد) مادام أن ذلك يدعم أصواتاً تخصم من رصيد شعبية النظام وهو ما يؤدى إلى ثبات الموقف الشعبى الذى يقيمه التنظيم بأنه (بداية حالة من السخط وبدء رفع صوت الشكوي)، فى حين يرى أن الشباب المصرى (رافض لجميع الأطراف وفاقد الثقة فيهم ومؤهل للاستثمار و تثويره). إن هذا التقييم هو الذى ينطلق من خطة التنظيم لإفشال الدولة، وبناء عليه يعمل على مد كل ما يستطيع من جسور ذولو غير مباشرة- مع كل مكونات المشهد، سعياً لتجبيه الجميع ضد النظام، وحال تحقق ذلك سريعاً ما يستخدم التنظيم طاقته العددية والتسليحية والعلاقات الدولية لفرض واقعه على مصر كلها، بشرط التخلص من الخصم الوحيد القادر على مواجه (جيش التنظيم)، وهذا التنظيم هو (الجيش المصرى)، ولذا فالخطة تعتبر عنوان الموجه الحالية ( هو تأجيج روح الغضب العامة ضد قادة الجيش من منطلق حالة وطنية جامعة)، هذه الحالة قد تكون ترويجا لاتهامات بالفساد، والعمالة والخيانة وشتى أنواع التهم التى يمكن لماكينة التنظيم الإعلامية (فبركة) ما تستطيع من (وثائق - شهادات - تسريبات) لدعمها، وبالتأكيد تدعم حملات التشويه آليات أخرى أكثر عنفاً نفرد لها المقال القادم-، لكن استهداف التنظيم إحداث وقيعة حقيقية بين الجيش وشعبه، يتوازى معه هدف آخر ينص على (إشعال وقيادة الحراك الفئوى والمهنى المعيشى البحت بهدف تثوير جميع الفئات المتضررة لاستعادة مصالحها)، ويمكن للقارئ هنا مراجعة المقال الأول فى هذه السلسلة للوقوف على كيف تسهم قواعد التنظيم فى إشعال أزمات المواطنين لاستثمار غضبهم. وتضع المرحلة الحالة من خطة التنظيم، تواريخ بعينها لاستخدامها فى تصعيد أشكال مواجهة الدولة المصرية، فيما تعتبر الخطة أن يوم 16 يناير المقبل هو أحد ما تسميه (المحطات الثورية)، الممهدة ليوم 25 يناير، مستهدفة الحشد لتظاهرات مركزية فى القاهرة (مظاهرتين على الأقل)، وأخرى فى كل محافظة، ويتم الإعلان عنها عبر (متحدث رسمى يعلن الانطلاقة فجأة)، على أن يكون الشعار (الثورة تجمعنا - الحكم ل25 يناير من جديد)، على أن تكون الفعاليات الأكبر حشداً يوم 25 يناير، وتستند على تواريخ فاصلة فى رحلة الثمانية عشر يوماً الأولى للثورة وما تلاها مثل ( جمعة الغضب - مذبحة بورسعيد - أحداث وزارة الداخلية - موقعة الجمل - 11/2 ذكرى التنحي). أخرجت الثورة أنبل ما فينا تماماً كما أخرجت الأسوأ، غير أن استثمار التنظيم لثورة لم يزرعوا مبادئها، ولم يُنبتوا شجرتها، يؤكد أنهم كانوا التنظيم الذى تطفل عليها ليحكم، ويتطفل عليها اليوم ليهدم، لكن مصر المحروسة بحقيق وعد الله لها بالأمان، تظل إعادة بناء أركانها المنشودة، مرهونة بقدرة ولاة أمرها على التنبه، لاستنهاض أسباب الممانعة فى مواجهة خطة شيطانية ما عاد الجهل بتفاصيلها عذراً، ولا تجاوز الزمن أسباب امتلاك أدوات إفشالها. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى