تعطينا التجارب الدامية والعمليات الإرهابية التي شهدتها العديد من دول العالم خلال الفترة الماضية إنذارا من أجل ضرورة الإسراع في إنشاء مشروع قانون لتنظيم الإعلام الإلكتروني لكي يعمل على مراقبة وتشديد القبضة الأمنية علي شبكة الإنترنت. ولأننا لا نعمل بمعزل عن العالم المحيط بنا، فعلينا أن نلقي نظرة على القوانين المنظمة والتجارب التي سبقتنا في هذا الشأن، فهناك نماذج مهمة بخصوص القوانين المنظمة لتداول المعلومات على شبكة الإنترنت، ولعل أقدمها وأبرزها في الولاياتالمتحدة عام 1995، حيث أقر الكونجرس الأمريكي مشروع تعديل لقانون الاتصالات نتيجة المشاكل المزعجة التي تسببت فيها شبكة الإنترنت. وفي نوفمبر 2011، تم إطلاق قانون "مشاركة وحماية المعلومات الرقمية" الذي عرف باسم قانون "سيسبا" وهو مختصر الحروف "CISPA" للكلمات (Cyber Intelligence Sharing and Protection Act) ويسمح هذا القانون بمشاركة معلومات الإنترنت بين الحكومة الأمريكية وشركات التقنية، وذلك لتحري تهديدات الإنترنت وضمان أمن الشبكات ضد الهجمات. وبالفعل، استخدمت وكالة الأمن القومي الأمريكية "سيسبا" في مراقبة حركة الإنترنت، حيث كشفت وثائق المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن الهارب حاليا أن شركة الاتصالات الأمريكية "إيه تي آند تي" قدمت منذ فترة مساعدات فنية كبيرة لوكالة الأمن القومي الأمريكية لتنفيذ أمر قضائي سري يتيح التنصت على كل اتصالات الإنترنت في مقر الأممالمتحدة وهي من الجهات المشتركة لدى الشركة, ووصفت الوثائق كيف أن علاقة العمل بين وكالة الأمن القومي الأمريكية وهذه الشركة كانت مهمة على نحو خاص في تمكين الوكالة من تنفيذ عمليات مراقبة - بموجب لوائح قانونية متعددة - لاتصالات دولية وبين دول أخرى بعضها البعض عبر الإنترنت، وهي الاتصالات التي تمر من خلال شبكات في الولاياتالمتحدة. وفي لندن, قدمت تيريزا ماى وزيرة الداخلية البريطانية في نوفمبر الماضي طلبا لمناقشة مشروع قانون ما يسمى ب"سلطات التحقيق" لينضم إلى العديد من القوانين والتشريعات البريطانية والتي تمكن الحكومة من إحكام قبضتها علي الإنترنت. ويطالب مشروع قانون "سلطات التحقيق" الذي تنادي به ماي بتوفير للسلطات صلاحيات للوصول إلى نشاط جميع المواطنين على شبكة الإنترنت عن طريق جمع كل المواقع التي يقومون بزيارتها لمدة عام - وهذا سيكون بدون أمر قضائي - كما أن الشركات التي تقدم الخدمات المتنقلة والإنترنت المحلى ستكون مضطرة لمساعدة السلطات في جمع البيانات. وتأتي هذه الخطوة بعد تسريب معلومات متعددة حول أنشطة الشرطة والأجهزة الأمنية التجسسية على معلومات المواطنين, ومن أبرزها الوثائق التي نشرها سنودن والتي كشفت أن ما يعرف بمكتب الاتصالات الحكومية البريطاني GCHQ، وهي إحدى الهيئات المخابرتية البريطانية، يمتلك برنامجًا سريًا يقوم من خلاله بالتجسس على الأسلاك المسئولة عن نقل الاتصالات الهاتفية والإنترنت والحصول على كمية ضخمة من معلومات المستخدمين، ثم القيام بمشاركة هذه المعلومات مع وكالة الأمن القومي الأمريكية, ويعرف هذا البرنامج باسم بريسم PRISM وأضافت التسريبات أن مكتب الاتصالات الحكومية البريطاني عمل خلال الفترة الماضية على توسيع إمكانيات التنصت الخاصة به خلال السنوات الخمس الماضية، حيث أصبح قادرا حتى العام الماضي على التعامل مع 600 مليون مكالمة هاتفية يوميًا، ومعالجة البيانات من 46 كابلا من أسلاك الألياف الضوئية، من أصل حوالي 200 كابل تم تثبيت أجهزة التنصت عليها. وفي موسكو, وافق البرلمان الروسي أخيرا على قانون يجبر مواقع الإنترنت التي تقوم بتخزين بيانات شخصية تخص مواطنين روس، على أن تفعل ذلك داخل روسيا في خطوة يقول الكرملين إنها تستهدف حماية البيانات بينما يرى منتقدون أنها تمثل هجوما على شبكات التواصل الاجتماعي. وينص القانون على أنه اعتبارا من عام 2016 سيتعين على جميع شركات الانترنت نقل البيانات الروسية إلى خوادم "سيرفرز" مقرها روسيا أو مواجهة احتمال حظرها وحجبها عن الشبكة, مما يعني أنه من المحتمل أن يؤثر ذلك على مواقع أمريكية للتواصل الاجتماعي مثل فيسبوك. يأتي هذا القانون بعد قواعد جديدة تلزم المدونات التي تجذب أكثر من ثلاثة آلاف زائر يوميا بأن تسجل نفسها لدى هيئة للرقابة على الاتصالات وقواعد تسمح بإغلاق المواقع الإلكترونية بدون حكم محكمة مما دفع منتقدين إلى القول إن هذا القانون يمثل جزءا من عملية رقابة أوسع نطاقا. بينما يري الخبراء أن الهدف من هذا القانون هو إيجاد ذريعة أخرى شبه قانونية لإغلاق مواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب وجوجل وجميع الخدمات الأخرى, بالإضافة إلى تكميم الأفواه وفرض الرقابة على البلاد وتهيئة وضع لن يكون فيه نشاط الإنترنت قادرا على التواجد والعمل على نحو سليم. وفي الصين أيضا, أقر البرلمان مع بداية العام الجديد بالإجماع قانونا جديدا مثيرا للجدل - وذلك بعد أشهر من المداولات والاعتراضات من قبل شركات التقنية الكبرى المحلية والعالمية خاصة الأميركية - ينص على أن توفر شركات الإنترنت العاملة في HYPERLINK "http://www.aljazeera.net/home/getpage/12835b50-a872-4466-b351-a0204482c134/eeaf9267-ded0-43c4-b5b2-8e2e33169eb0" \t "_blank" الصين مفاتيح التشفير وكلمات المرور للحكومة الصينية عند الطلب، مما قد يشكل انتهاكا صريحا لخصوصية المستخدمين لكن في إطار قانوني. ويتشابه هذا القانون الجديد في كثير من النواحي بمشاريع قوانين أقرت من قبل في بريطانياوالولايات حول سيطرة الحكومات على الإنترنت ومراقبتها. وبررت الحكومة الصينية هذا القانون بأنه ضروري لمواجهة "الإرهاب"، لكن إمكانية وصول الحكومة الصينية لبيانات المستخدمين المشفرة بشكل غير مقيد ومفتوح تثير قلق الكثيرين في الغرب، وبخاصة الولاياتالمتحدة بسبب الاتهامات والادعاءات المتكررة لها في ما يخص التجسس ضد الشركات الأمريكية والوكالات الحكومية. وفي ألمانيا, تم تطبيق قانون جديد ينظم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بتطوراتها بما يضمن الاستخدام الأمثل، وأضيف لهذا القانون مواد منظمة لاستخدام الانترنت كوسيلة إعلامية، وكذلك قدم إأطارا قانونيا لتناول الاتصالات عبر الشبكة، وجاء في مواد القانون نصوص متعلقة بتنظيم وسائل الإعلام الجديد، وتم ذلك تعديل قانون المطبوعات والعقوبات ليشمل الانترنت في هذا القانون.