2016 هو عام انتخابات الرئاسة الأمريكية عن جدارة. فعلى الرغم من أن عام 2015 شهد البدايات المبكرة للمعارك الشرسة للفوز بالبيت الأبيض، إلا أنه كان بمثابة التمهيد للمعارك الأكثر شراسة وعنفا التى سيشهدها 2016، بدءا من تحديد أهم القضايا وحتى تسليط الضوء على أبطال نهائيات المعركة الانتخابية. وبقدر ما كانت الفضائح وحملات التشهير، التى استهدفت وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون المرشحة الديمقراطية المحتملة لمنصب الرئاسة، هى أبرز ما شهدته الانتخابات فى عام مضى، إلا أن القضايا الانتخابية وخاصة كل ما يتعلق بالإرهاب وسبل التصدى لإرهاب تنظيم "داعش" ، بل والسياسات الأمريكية المتوقعة فى الشرق الأوسط هى السلاح الرئيسى الذى سيشهره المرشحون الأمريكيون على مدار عام مقبل. فعلى مدار الأشهر الماضية، نجحت كلينتون فى التصدى لأسوأ حملة تشهير تعرضت لها على مدار تاريخها. فقد واجهت اتهامات بالخيانة والاستخفاف بالأمن القومى للبلاد من خلال فضيحة بريدها الإليكترونى الخاص، الذى احتفظت به واستخدمته أثناء عملها فى منصب رسمي. وهو ما يعتبر انتهاكا للقانون والأعراف المعمول بها. والطريف ، أن الاعتذار والاعتراف بما ارتكبته من خطأ هو السياسة التى انتهجتها كلينتون للخروج من الأزمة والاحتفاظ بتعاطف الناخبين وثقتهم. ويبدو أنها استفادت فى ذلك من تجربة زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون ، عندما واجه غضبا عارما بسبب إخفائه فضيحة علاقته المشينة مع مونيكا لوينسكى المتدربة آنذاك فى البيت الأبيض. وكان الاعتراف بما ارتكبه والاعتذار عما اقترفه هو الطريق الآمن للخروج من المأزق ، بل والفوز بفترة رئاسة جديدة فيما بعد. أما الملياردير الأمريكى دونالد ترامب المرشح الجمهورى المحتمل لانتخابات الرئاسة، فيستحق وعن جدارة لقب بطل المعسكر الجمهورى على مدار 2015. فقد نجح ترامب، الذى يفتقر للخبرة السياسية ، فى تصدر استطلاعات الرأى من خلال آرائه المثيرة للجدل حول السود والرئيس الحالى باراك أوباما وأخيرا تصريحاته الأكثر إثارة حول المسلمين ومنعهم من دخول الولاياتالمتحدة. ولكن يبدو أن مرحلة الإثارة والتشهير فى الانتخابات الأمريكية قد ولت مع انقضاء عام 2015، وتحول التركيز الآن إلى السياسات التى سينتهجها المرشحون لمواجهة الخطر الأكبر الذى تتعرض له أمريكا والعالم أجمع، ألا وهو الإرهاب. وقد بدأ المرشحون بالفعل فى طرح رؤيتهم السياسية حول كيفية التصدى لشبح الإرهاب المحدق، وإذا ما كان يتمدد بالفعل من الشرق الأوسط الذى يعانى من تداعيات الربيع العربى أم أنه ينبع من داخل المجتمعات الغربية نفسها. ومن ناحيتها، أكدت كلينتون على ضرورة توسيع نطاق الحرب على "داعش" وتكثيف القصف لمعاقل التنظيم الإرهابى فى سوريا والعراق. وأكدت أن الحرب لابد وأن تكون عسكرية وإليكترونية، لقطع الطريق أمام التواصل بين العناصر الإرهابية وإفقاد التنظيم عنصرا فعالا ساعده فى تجنيد المئات واستقطاب الكثيريين على مدار العامين الماضيين. ولكن يبدو أن هذا الاقتراح ليس متفقا عليه ، فهناك أيضا من يدعو إلى دعم دول المنطقة لخوض معاركها بنفسها ، بدلا من تورط أمريكا فى هذه الحرب. وهذا ما يقود إلى تعديل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة ، بل ويثير العديد من التساؤلات حول الموقف الأمريكى المثير للجدل حول بقاء الرئيس بشار الأسد فى السلطة من عدمه. وفى خضم هذه المناقشات والجدل حول السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، اعترف المرشحون الواحد تلو الآخر بأن أمريكا هى الأم الشرعية للإرهاب فى العالم. فهى التى مولت تنظيم "القاعدة" الإرهابى ودعمته فى الماضى ، وهى الآن التى تواصل الدعم بطريق أو آخر ل"داعش". إن العام الجديد لايزال يحمل فى جعبته الكثير والكثير من المفاجآت التى ستغير شكل معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية..ولكن السؤال الآن هل ستتغير معها فعليا السياسات الأمريكية أم لا؟.