لم تعد التهديدات الأمنية الرئيسية هى التى تتعلق بصراعات السلطة السياسية والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والتمردات المسلحة، بل تزايدت موجة من التهديدات «فوق التقليدية» Supra Tradition Threats، والتى انتشرت بشكل غير مسبوق فى السنوات الماضية، من حيث الوجود أو الحدة، مثل تجاوز الحدود الوطنية ووقوع الهجمات الإلكترونية وندرة الموارد المائية وتفشى الأمراض الوبائية وتدويل القضايا العمالية وتصاعد التغيرات المناخية، وهو ما يفرض إعادة تقييم مصادر التهديد التى تواجه الدول، وفق التقديرات المستندة على سيناريوهات أسوأ حالة، لاسيما أن البشرية تعيش عصر «وحدة المصائر». وفى هذا السياق، تنعقد قمة المؤتمر الحادى والعشرين للأطراف الموقعة على اتفاقية الأممالمتحدة للمناخ فى باريس خلال الفترة (30 نوفمبر - 11 ديسمبر) 2015، بمشاركة رؤساء دول وحكومات، لاسيما بعد إعلان الأممالمتحدة أن الكوارث الطبيعية أودت بحياة 600 ألف شخص فى السنوات العشرين الماضية، فضلا عن تزايد عدد المتضررين من الظواهر المناخية السيئة كالفيضانات والأعاصير والعواصف، سواء من أصيبوا بجروح أو فقدوا مساكنهم أو أصبحوا فى حاجة إلى مساعدات عاجلة، الأمر الذى يستلزم – وفقا لرؤية بان كى مون- التحرك سريعا ببلورة خطط مناخية وطنية ذات أهداف محددة، للتقليل من مستوى الانبعاثات، والتحول المنخفض الكربون فى الاقتصاد العالمى وتحقيق التوازن بين دور الدول المتقدمة ومسئوليات الدول النامية، وتوفير التمويل والتكنولوجيا إلى الأخيرة. من هذا المنطلق، تخصص صفحة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحليلين مكملين، إذ يشير د.أحمد قنديل رئيس برنامج دراسات الطاقة بالمركز إلى العدالة المناخية المفقودة حيث أصبحت الدول النامية الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، ويعد من أبرز نقاط الاختلاف، تأكيد وتمسك الدول النامية بمبدأ «مسؤوليات مشتركة لكنها متباينة» ومطالبتها الدول المتقدمة بتعزيز الدعم المالى والتكنولوجى لها، بينما تدعو الدول المتقدمة الدول النامية الصاعدة، كالصين والهند، بتحمل المزيد من المسؤولية المتعلقة بالتكاليف المادية والفنية لمواجهة ارتفاع درجة حرارة الأرض. وهنا، لن تتمكن الدول النامية فى المستقبل من خفض الانبعاثات إلا بخفض الإنتاج، وهو ما لا يتوافق مع طموحات التنمية التى لن تتنازل عنها الدول النامية مستقبلاً، وكذلك بتوطين التكنولوجيا الصديقة للبيئة، والتى تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لشرائها. لذا، فإن هناك صعوبة فى التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم لمواجهة التغير المناخي، نتيجة الفجوة الكبيرة التى لاتزال قائمة بين مواقف الدول النامية والمتقدمة بشأن أفضل السبل لمواجهة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهو ما يتفق معه تحليل د.معتز سلامة رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز حيث يؤكد أن المسألة لا تنحصر فى الخلافات بين الدول النامية والمتقدمة بل برز طغيان المصالح الخاصة بالدول الصناعية على موقفها من مسألة التغير المناخي؛ فحرصت على تجنب تقييد نفسها بالتزامات بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، غير أن الإرهاب وانهيار الدول وتدفقات اللاجئين يشكل أوضاعا ضاغطة على الدول المتقدمة للتجاوب مع أفكار خفض الانبعاثات، حيث إن استمرار موقفها المعاند يعنى اضطرارها لاحقا لمواجهة مشكلات أكبر فى صميم أمنها الخاص، ما يعنى أن ما ستسعى لتجنبه على صعيد الخسائر الاقتصادية والتنموية اليوم برفضها تخفيض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، ستضطر لمواجهته فى الغد على صعيد استقرارها الداخلي، وربما وجودها السياسي، وهو ما يعبر عن تشابك التهديد.