عائد من لندن بعد زيارة استمرت طوال الاسبوع الماضي وسط حالة من الضباب والغيوم التي سادت أجواء لندن وكان اللون الرمادي فيها هو البطل في تفسير كثير من الأحداث وانتقل تركيزي فيها من الاهتمام بالسياحة إلي السياسة بعد أن لاح في الأفق أن هناك ما يمكن أن نسميه حالة تربص أو مخطط لضرب السياحة المصرية واقتصاد مصر بدا واضحا في الاعلام الانجليزي صحافة وتليفزيون وبعض الأوساط السياسية.. لا بل أكثر من هذا محاولة لحصار مصر وقائدها الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد أن استطاع أن ينجو بها من فوضي الربيع العربي ومن حكم الاخوان. لكن أقولها بداية إن شعب مصر بكل تاريخه وحضارته قد استوعب المؤامرة ولن يترك مصر تسقط أبدا فقد انتهي ذلك العصر وسيلتف الشعب حول قائده.. ومن يقرأ التاريخ يدرك أن المصريين قادرون علي عبور الأزمة. لقد قضيت هذا الاسبوع في لندن تملؤني مشاعر متناقضة.. أولها حالة من الحزن الشديد علي الاسلام والمسلمين والثانية حالة من الخوف علي بلدي مصر لكن الثالثة كانت في ذات الوقت هي حالة من الرفض لهذا الخوف وإصرار علي التحدي.. أما الرابعة فكانت حالة من الحزن والغضب علي ما حدث للسياحة المصرية. كنت قد وصلت لندن للمشاركة في بورصة لندن الدولية للسياحة في نفس الاسبوع الذي شهد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي العاصمة البريطانية لندن وكانت كارثة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء تسيطر علي المشهد والكلام في الأوساط الصحفية لا ينقطع عن هذه الكارثة والتحليلات تذهب في كل اتجاه ولا أحد ينتظر نتائج التحقيق وبدأت أشعر بأجواء التحريض ضد مصر في وسائل الاعلام وفي الحوارات مع بعض الإعلاميين والتي يقودها بالطبع «لوبي» اخواني قوي جدا ومسيطر جدا هناك علي الاعلام سواء بالمال أو القدرة علي الحوار المضلل ومسيطر أيضا علي بعض من صانعي القرار الانجليزي في البرلمان وغيره. سألت أحد الخبراء أو المفكرين المهتمين بشئون الاخوان في لندن عن سر هذا الوجود الاخواني القوي في لندن زيادة عما أعرفه من أن الاخوان صناعة الانجليز وإحدي أدواتهم المهمة في الضغط علي مصر.. فقال لي يا سيدي لك أن تتصور أن الاخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي يمتلكون 632 مكتبا أو مؤسسة مفتوحة وتعمل في لندن رغم كل ما يعرف عن ارتباطهم بالارهاب في مجالات متعددة وتحت مسميات مختلفة وأغلبها في مجالات الاعلام وحقوق الانسان وكلها تعمل ضد مصر وأن جميعها منذ أن نجح عبد الفتاح السيسي في ازاحة الاخوان من حكم مصر لا هم لها سوي التحريض ضد مصر والرئيس السيسي واستعداء الغرب عليه.. وأن مصر يا سيدي كما قال تحت ضغط قوي من الاخوان من كل الجنسيات الذين تفتح لهم لندن كل أبوابها بحجة الديمقراطية وحرية الرأي. لكن المذهل الذي جعلني أحزن علي الاسلام والمسلمين هو ما سمعته من بعض الاخوة العرب المقيمين في لندن وكان أحدهم سوريا يبكي علي بلده وعلي الاسلام حين قال لي.. تصور يا أستاذ أن خطبة الجمعة الماضية يوم 30 أكتوبر في جميع مساجد لندن كلها كانت تحريضا صريحا ضد الرئيس السيسي وضد مصر ودعوة من كل خطباء المساجد إلي أن يخرج الجميع للتظاهر ضد الرئيس السيسي عند وصوله إلي لندن.. إن الخطبة بدلا من أن تكون تعريفا بقواعد الاسلام وسماحته كانت تحريضا ضد مصر والسيسي وقد حزنت جدا علي ذلك خاصة أن الخطبة نصفها بالعربية والأخري بالانجليزية. والعجيب كما قال الرجل إن الخطباء لا يعرفون مصر وحتي إذا كان بعضهم من مصر فإن غالبيتهم من الباكستانيين والأفغان ومن جنسيات مختلفة فبالله عليك ماذا يعرفون عن مصر وما شأنهم بها وما شأنهم بسوريا مثلا.. لقد كرهنا صلاة الجمعة لأن الخطبة كلها في السياسة ولا علاقة لها بالدين.. إن هذا حرام واساءة للاسلام والمسلمين.. إن هذا شغل مخابرات يا سيدي لتسوية الاسلام ومحاولات لأن يستمر المسلمون في الحروب والقتال بينما هم في الغرب مشغولون بالعمل والتقدم ولا أحد يتحدث في الدين انها كارثة ألا نفصل بين الدين والسياسة. لقد كانت كل هذه الأجواء التحريضية في المساجد والاعلام من الاخوان وبعض الانجليز نتيجة للعلاقات المتشابكة والسرية بينهما هي المسيطرة علي المشهد قبل زيارة الرئيس السيسي..وكانت قمة عدم اللياقة هى حديث كاميرون عن سقوط الطائرة الروسية بسبب قنبلة أو انفجار في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس السيسي ورأيت في ذلك استمرارا لحالة الضغط علي مصر وعلي الرئيس السيسي بل التربص بمصر والسياحة فيها.. إن أبسط قواعد الدبلوماسية أو اللياقة كانت تحتم علي الانجليز احترام زيارة الرئيس والتفاهم مع مصر وتبادل المعلومات معها قبل اعلان ذلك واحترام لجنة التحقيق الدولية وعدم استباق النتائج.. لكنها كانت فرصة لهم للانتقام من مصر التي يريدون إجبارها علي عودة الاخوان للمشاركة في الحياة السياسية أو حكم مصر كما يتمنون مع أن الشعب هو الذي أخرجهم وهو صاحب قرار عودتهم كما قال الرئيس السيسي.. ولكن هيهات فالاخوان عند الانجليز أهم من شعب مصر. إن كثيرا ممن قابلتهم من الانجليز من رجال السياحة كانوا يتعجبون من هذا القرار المتسرع في إجلاء السياح الانجليز بل إن بعضهم قال لنا إن حوادث الطيران المماثلة في العالم وكذلك حوادث الارهاب كثيرة جدا ولم يحدث أن تم اجلاء السياح بهذا الشكل.. إنه نوع من التجني ومحاولة لضرب السياحة والاقتصاد وبات واضحا أن الهدف سياسى و هو معاقبة مصر على علاقاتها بروسيا وموقفها من سوريا.. فبدلا من مساندة مصر في حربها ضد الارهاب وكأن انجلترا تريد أن تعاقب مصر لا أن تساندها.. إنه لأمر عجيب! ولكن لا عجب في السياسة أبدا. ونحن نقول إنه لكي تكتمل أمام القاريء صورة المؤامرة علي ضرب السياحة بعيدا عن نتائج التحقيق.. فإن لنا أن نتصور أن شركات طيران كبري مثل لوفتهانزا وايرفرانس تسارع وتقول إن طائرتها لن تمر فوق سيناء من الآن.. لكن المفاجأة أن أحد الطيارين قال لي إن هذه الشركات لا تمر أصلا في كل رحلاتها فوق سيناء وجميع ممراتها الملاحية إلي أوروبا بعيدة عن سيناء.. ولكنها هي «الحبكة» في المؤامرة والاستغلال السيئ لحادث الطائرة الروسية. إن السياحة المصرية قادرة علي عبور هذه الكارثة الأكبر في تاريخها.. فإذا كانت انجلترا أو حتي روسيا ونحن نقدر ظروف قرارها تقوم باجلاء سياحها فإن دولا أخري مازالت طائراتها تأتي بالسياح علي أرض شرم الشيخ.. فالسياحة المصرية قد تمرض وتواجه الأخطار لكنها لم ولن تموت بإذن الله.. وحسنا فعل وزير السياحة هشام زعزوع الذي بدأ في الاجتماعات مع الشركة المنفذة للحملة الدولية لبحث التحرك في المرحلة المقبلة حيث قرر التركيز فقط علي حملات العلاقات العامة وتأجيل حملة الاعلانات كما اجتمع بقيادات القطاع الخاص من الاتحاد والغرف السياحية وأعتقد أن علينا التحرك علي عدة محاور منها تشجيع السياحة الداخلية وتنشيط الأسواق العربية والتفكير في أسواق المغرب العربي التي تخرج منها أعداد كبيرة إلي تركيا حاليا وأسواق أخري بديلة للسوق الانجليزية وكذلك التفكير في إنشاء شركة طيران خاصة شارتر للتدخل في مثل هذه الأزمات, وزيادة التسهيلات فى التأشيرات لجميع الدول بما لايضر بالأمن القومى. إن علي المصريين أن يدركوا أن التحريض من الاخوان وأعوانهم ضد مصر ورئيسها وقائدها عبد الفتاح السيسي في لندن أو غيرها من عواصم العالم لن ينجح لأن الشعب هو الذي اختار هذا الطريق وهو الذي قرر الاستمرار فيه.. وصدق الله العظيم إذ يقول «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون» لمزيد من مقالات مصطفى النجار