كثيرة هي الكتب التي صدرت عن الثورة, وإن تشابهت في محاولة الإمساك بتفاصيل أيام ستظل مسجلة في التاريخ بحروف من نور لتضيء مستقبل أجيال قادمة وتدفع الحماس في أجيال حالية لتستكمل ما بدأته. فبعض الكتب حاول أن يجعل الثورة خلفية لمحتواه أو ربما تكون هي البطل, وعلي الرغم من كون التجربة مازالت حية وطازجة فمازلنا نعيش تفاصيلها المتجددة يوما بعد يوم خلال تلك المرحلة الفاصلة من تاريخ مصر ونحن علي أعتاب جدل كبير حول إعداد الدستور وتشكيل لجنة المائة, وجدل آخر حول انتخابات الرئاسة ومن سيكون الرئيس القادم; يأتي هذا الكتاب المميز الثورة الآن.. يوميات من ميدان التحرير الذي ربما يوحي عنوانه بأنه مجرد يوميات كتبها مؤلفه لأيام الثورة الأولي التي عاشها في ميدان التحرير مع ملايين المصريين في انتظار اللحظة الحاسمة لسقوط الفرعون الأخير, إلا أن قارئه سيكتشف أنه بجانب تلك اليوميات هناك تفاصيل آخري. برؤية المثقف الثائر والأديب المهموم يرصد المؤلف تفاصيل11 يوم قضاها في ميدان التحرير بقلم يلهث متسارعا لتدوين كل ما أحاط بالثورة في لحظة الاندلاع, القلق, والإعلام المزيف, والأدباء, والقصائد, ولحظات المرارة, الأمل والإحباط قبل وبعد خطابات مبارك, اللهفة للحرية, وحرارة اللحظات الثورية الساخنة, وتفاصيل الحياة داخل الميدان, والحركة في الشوارع, من ميدان التحرير, وطلعت حرب, وميدان مصطفي كامل,الرحلة اليومية من وإلي الميدان والمشاهدات الجانبية التي تخللت تلك الرحلة وكان لها مغزاها, الشعارات التي لاتخلو من الطابع الساخر العميق للشعب المصري الذي استخدم السخرية سلاحا للاحتجاج أبهر به العالم, أيضا بعض المراسلات المتبادلة بين المؤلف وأصدقاء الخارج, وكيف رأي هؤلاء ممن كانوا خارج مصر ثورتها, مشيرا إلي أن الفضل في كتابه هذا يعود إلي الفيس بوك حيث استطاع أن يعتمد علي التعليقات والإشارات التي كتبها علي صفحته أثناء تدوين تلك اليوميات مما ساعده علي تذكر التفاصيل وربطها بسياقها التاريخي. وبجانب تلك التفاصيل الإنسانية كانت هناك المواقف المعلنة والسرية للتيارات والأحزاب, ووضع السلطة المأزوم, ومواقف الدول الأجنبية أمريكا وإسرائيل وغيرهما, كما كشف الكاتب المتحولين والمتلونين من الإعلاميين والمثقفين الذين كانوا مع السلطة وانقلبوا عليها وركبوا موجة الثورة, فتحدث عن المداحين والهتيفة لمبارك ونظامه موثقا ما كتبوه وتصريحاتهم قبل الثورة مباشرة دفاعا عن المخلوع مبارك, بالإضافة لكتابات وتصريحات أخري لنفس الأشخاص يمجدون فيها الثورة بعد أن بدا لهم أن اتجاه الريح يستعد لاقتلاع السلطة عن هؤلاء الذين قابلهم مبارك واستضافهم حزبه وخرجوا ليكتبوا مقالات في مدحه بعدها, فهناك من راهن علي أن مبارك سيقود أحلام مصر ليكتب بعد سقوطه لو حكم علي مبارك بالإعدام في حالة إدانته فسيكون ذلك شيئا عظيما وهناك من انقض علي الثورة في لحظات ولادتها ليؤكد بعد نجاحها أنه لم يكن هناك حل إلا بالثورة الشاملة وغيرهم من المثقفين والإعلاميين الذين باتوا يقدمون أنفسهم علي اعتبار كونهم من صناع الثورة أو علي الأقل شاركوا فيها وأيدوها منذ اندلاعها, ويبرز المؤلف كيف ندم علي ما كتبه قبل تنحي مبارك عندما اقترح أن يشارك عقلاء الأمة بجمع10 ملايين توقيع يتعهدون فيها للرئيس بخروج آمن من السلطة, معتذرا عن ذلك في كتابه. يوضح الكتاب كيف كان يتم استغلال السلطة الناعمة لتدعيم السلطة السياسية الديكتاتورية لمبارك ونظامه وكيف تحول جنود في كتيبة نظام مبارك الإعلامية إلي جنود في الفضائيات الجديدة التي كرست نفسها للتعبير عن صوت الثورة ليدسوا السم في العسل ويصبحوا جنودا للثورة المضادة. تأليف: سعد القرش صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة