توجد ثمة عناصر إيجابية ذات دلالات عميقة فى أعمال المتابعة من المنظمات الدولية للانتخابات البرلمانية المصرية، فى القراءة التحليلية لتقييماتها وتقاريرها الأولية فى مرحلتها الأولى التى أجريت فى أكتوبر 2015، والتى حملت بالأدلة التى ظهرت خلال مجريات العملية الانتخابية التى شهدتها 14 محافظة أن مصر تتمتع بإرادة سياسية للوفاء بتعهداتها التى قطعتها على نفسها بإجراء انتخابات حرة ديمقراطية، تلاها حدوث ظواهر إيجابية تشهدها الانتخابات البرلمانية فى تطبيق المعايير الدولية وقواعد إجراء الانتخابات النزيهة بها. وتضمنت النتائج الأساسية التى توصلت إليها بعثات المنظمات الدولية خلال متابعة هذه المرحلة ، أن اللجنة العليا للانتخابات والقضاة يعملون باستقلالية وحافظوا على ضمانات تنظيم الانتخابات ، كما أن الجيش والشرطة قدموا نموذجا جيدا فى حماية وتأمين اللجان والصناديق والناخبين والحفاظ على الهدوء واستقرار العملية الانتخابية، وأن الأجهزة التنفيذية والمحلية التزمت الحياد وعدم التدخل لمصلحة أى من المرشحين. وأسهم هذا المناخ العام السياسى والتشريعى والتنفيذى فى مصر فى توقيت المرحلة الأولي، فى قيام المنظمات الدولية بعملها بحرية وتنقلها دون قيود فى حركتها الميدانية بين اللجان فى جميع المحافظات التى أرادت زيارتها، و إزالة أى معوقات واجهت عملها بسرعة ،لكى تلمس البعثات الدولية بنفسها حجم الضمانات التى تم توفيرها لكى تخرج الانتخابات البرلمانية بصورة جيدة . وتمتعت البعثات الدولية بحرية واسعة فى القيام برصد وتوثيق جميع الأحداث ولقاء الأحزاب والسياسيين والأكاديميين واللجنة العليا للانتخابات وقيادات المجتمع المدنى ، وتكرر الأمر نفسه فى حرية حركة ممثلى 61 سفارة أجنبية منها 28 سفارة أوروبية للاتحاد الأوروبى معتمدة فى القاهرة داخل اللجان ، وقيام السفير الأمريكى بنفسه بتفقد لجان فى الدقى والمهندسين والتصوير مع الناخبين وهو ما يعطى انطباعا بأنه لا قيود وضعتها الحكومة المصرية على اختيار اللجان التى ترغب المنظمات الدولية فى زيارتها . كما امتدت حرية عمل بعثات المنظمات الدولية إلى السماح بالشراكة مع المنظمات المحلية المصرية، وقد عمل المراقبون الدوليون مع المراقبين المحليين فى متابعة الانتخابات ، وهى ظاهرة إيجابية جديدة فى مصر تحدث للمرة الثانية بعد ثورة 30يونيو، وتعطى قوة لمتابعة الانتخابات المصرية على المستوى الدولى بأنها لا ترى فقط بعيون أجنبية ولكن بعيون مصرية معها ، حيث قامت بعض البعثات الدولية بالتعاون مع المنظمات المصرية فى أعمال المتابعة للانتخابات،ومنها بعثة الكوميسا لشرق إفريقيا التى دخلت فى تعاون مع مؤسسة ماعت للسلام وحقوق الإنسان والبعثة الدولية المحلية، كما تعاونت المنظمة المسكونية لحقوق الإنسان بجنيف مع المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. وجاء ذلك لسبب جوهرى ناضل من أجله لسنوات طويلة الدكتور بطرس غالى والسيد محمد فائق لإقناع الحكومات المتتالية قبل ثورة 25 يناير بقبول المتابعة الدولية للانتخابات ، حتى قبلت بها الحكومات بعد الثورة. احترام إرادة الناخبين وحرصت البعثات الدولية على عدم إصدار أى توقعات عن المرحلة الثانية وعدم استباق الأحداث قبل إجراء هذه المرحلة أو تعميم أى تحليلات من المرحلة الأولى عليها ، فضلا عن أنها لم تبن أى وجهة نظر للأحزاب والمرشحين فى المرحلة الأولى خلال تقييمها للبيئة القانونية والسياسية التى تجرى فيها الانتخابات لكى تستطيع أن تصدر وثيقة مستقلة ومحايدة عن جميع أطراف العملية الانتخابية تحظى بقبول دولى ، وتعزز من مصداقيتها أمام دول العالم فى نتائج متابعتها للانتخابات المصرية . ولم يصدر أى منها تقييما منهجيا متكاملا حتى الآن، حيث ستصدر تقاريرها المجمعة فى نهاية الانتخابات للحكم بصورة مجردة على جميع مراحلها وإجراءات تنظيمها . وقامت البعثات الدولية فى تطبيق المعايير الدولية على الانتخابات البرلمانية المصرية فى مرحلتها الأولى ، رغم قلة عدد المراقبين الدوليين الذين لم يزد عددهم على 600 متابع على أقصى تقدير، نتيجة قيام عدد من البعثات بتخفيض عدد مراقبيها ومنها البعثة الدولية المشتركة ومنظمة الديمقراطية الأمريكية، بينما جاءت مشاركة بعض البعثات ومنها البرلمان العربى بعدد رمزى من المراقبين، لكن التزمت البيانات الصادرة عن بعثة الجامعة العربية وبعثة الاتحاد الإفريقى ثم بعثة الكوميسا بصورة جيدة ومهنية وموضوعية فى تطبيق المعايير الدولية للأمم المتحدة. قلة المراقبين المحليين بينما لاحظت البعثات الدولية قضية بالغة الأهمية وهى انخفاض أعداد المراقبين المحليين من المنظمات المصرية فى معظم اللجان التى تفقدتها بصورة ملحوظة ولافتة، وقلة الاعداد المشاركة منها بتلك الانتخابات وضعف خبراتهم، وانصراف عدد من المنظمات المصرية المعروفة بمتابعتها للانتخابات هذه المرة عن متابعتها، وضعف مستوى التقارير الصادرة عن المنظمات لعدم تغطيتها جميع الدوائر، ولم تطغ الملاحظات السلبية فى المرحلة الأولى على بيانات البعثات الدولية التى اعتبرتها لم تخرج عن كونها جزءا من الميراث الانتخابى السلبى من قبل، الذى تراجع نسبيا لكنه مازال موجودا بآثاره الباقية من ظهور الرشاوى الانتخابية ،وتوجيه للناخبين خارج اللجان، ونقلهم بسيارات إلى مقر التصويت، وكلها تجاوزات تمت من أنصار المرشحين، وبمعنى أوضح أن الأجهزة التنفيذية للدولة لم ترتكب أى مخالفة بالتدخل فى الانتخابات والتزمت الحيادية، و لم ترصد بعثات المنظمات الدولية أى حالات لتزوير الانتخابات وتزييف فى إرادة الناخبين. ما يعنى بدقة اعتراف البعثات الدولية بالتزام الدولة المصرية بما تعهدت به من نزاهة الانتخابات، و هو ما يدفع المجتمع المصرى للقبول بنتائجها ويجعل المجتمع الدولى متقبلا لما أسفرت عنه، ويضع مصر فى مصاف الدول الناشئة فى الديمقراطيات الحديثة بعد ثورتيها الشعبيتين. الانزعاج من التجاوزات واقتصرت النقاط الرئيسية التى أوصت بها البعثات الدولية من اللجنة العليا لتطوير عملها فى المرحلة الثانية على ضرورة بذل مجهود أكبر فى التوعية الانتخابية من تعريف المواطنين بالمرشحين والنظام الانتخابى وطريقة التصويت لتشجيعهم على المشاركة السياسية من أجل الإسهام فى معالجة مشكلة ضعف الإقبال وخاصة بين الشباب، ولم تغلف البعثات الدولية تلك التوصيات بانتقادات حادة مراعاة للظروف التى يمر بها المجتمع المصرى فى المرحلة الانتقالية والتحديات التى تعترض مسيرته بسبب الإرهاب. وأبدت كل البعثات الدولية لمتابعة الانتخابات اهتماما ملحوظا بدور القوات المسلحة والشرطة فى تأمين الانتخابات فى أثناء التصويت. البعد عن التصنيف وابتعدت جميع البعثات الدولية فى بياناتها عن إجراء أى تصنيف للمرشحين والفائزين فى الجولة الأولي، من حيث انتماءاتهم الدينية خاصة الأقباط أو اتجاهات التصويت للناخبين تجاه المرشحين، واكتفت بإشارة خفيفة عن حزب النور، ولم تتحدث عن وجود صراع بين أحزاب ما قبل الثورة أو الأحزاب الجديدة، حتى لا تتهم تلك المنظمات بقيامها بمتابعة أداء فصيل سياسى أو أنها تسيس تقاريرها، وهى الإشكالية الصعبة التى وقعت فيها عدة وسائل مصرية للإعلام فى تغطيتها للانتخابات فى قيامها بالتصنيف بين المرأة والأقباط والنور والمصريين الأحرار ونواب الحزب الوطنى القديم، وهذه إشكالية أوجدت نفورا لدى قطاع من الناخبين ابتعد عن المشاركة فى التصويت. بينما وجد جانب من العناصر الإيجابية التى رصدتها البعثات الدولية تمثل فى ارتفاع نسبة مشاركة المرأة فى عملية الترشح والتصويت ونجاح عدة مرشحات نتيجة منطقية لارتفاع معدل تصويت المرأة، واهتمام المجتمع المصرى بعد الثورة بدعم حقوق المرأة، بينما دعت بشدة إلى توفير تسهيلات أكبر لعمليات تصويت كبار السن والمعاقين وجعل التصويت لهم فى الدور الأرضى بدلا من الأدوار المرتفعة لتمكينهم من ممارسة حقهم الدستوري. إهمال شكاوى الانتخابات كما انتقدت البعثات الدولية المشكلة نفسها فى عدم فحص شكاوى عدد من المنظمات المصرية، منها شكوى الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية من أن البلاغات التى قدمتها للجنة العليا للانتخابات لم يتم فحصها بدليل أنها لم تتلق الردود عليها.