كما لم يكن لحزب الطاغية المخلوع أي نصيب من اسمه, فلم يكن يتسم بذرة من الوطنية أو الديمقراطية, يظهر أن حزب الإخوان المسلمين في السلطة لن يضمن لشعب مصر لا الحرية ولا العدالة. هل هو داء مصري؟ هل حكم علي شعب مصر بأن ينتقل حكمه من نظام حكم استبدادي خائن ومخاتل الي الحكم بالقهر والظلم والنفاق باسم الإسلام, والإسلام الحنيف منها جميعا براء؟ ولنتذكر أن آيات المنافق في الحديث الشريف: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف, وإذا أؤتمن خان. ويضيف البعض, وإذا خاصم فجر, وإذا عاهد غدر. والمنافقون حسب حكم القرآن الكريم سينتهون في الدرك الأسفل من النار. ولنبدأ بحزب الطاغية المخلوع. وأنوه بداية أنني قد نشرت مضمون التحليل الحالي عن حزب الطاغية المخلوع في مطلع نوفمبر 2008, وإن ليس في الأهرام بالطبع, بعد تحديث المضمون. لقد كان يحكم مصر حتي 11 2 2011 كيان أسمونه الحزب الوطني الديمقراطي. ولعمري أن هذه حالة متفردة من تركيب مثلث لما يعرف في اللغة العربية بأسماء الأضداد, من مثل أن يسمي حالك السواد بالبدر أو الفجر, أو ياقوت أو مرجان, في أحيان. فالكيان المشار إليه لم يكن له من اسمه أي نصيب. ما يذكر بالمثل العامي البليغ: اللي علي راسه بطحة يحسس عليها لكن البطحات هنا عديدة! فالكيان لم يكن حزبا بالمعني المتعارف عليه في السياسة, وهو لم يكن علي علاقة حميمة بالوطنية, وكان أبعد ما يكون عن الديمقراطية, كما أنه ظل يمارس الخداع الأشر وسيلة للتدليس علي المواطنين حتي لحظة بدء سقوطه, بل وحتي بعدها. ولننظر فيما وراء كل شق من هذا الزعم رباعي الأبعاد. أولا, الكيان لم يكن حزبا له قواعد وجماهير شعبية, مهما تبجح بضخامة العضوية الكاذبة وآلاف المقرات المغتصبة جميعا من ملاك سابقين, وبعضها لكمال التوافق اغتصب مراحيض عمومية. فالمنتمين للحزب, خاصة في مناصبه العليا, لم يكونوا إلا عصبة للحكام المتسلط علي البلاد والعباد, منتفعين من نظام الحكم التسلطي ومتوسلين بالفساد والاستبداد الذي يقوم عليه لاحتكار السلطة والثروة في البلد. والأهم أن الكيان لم يكن يعبر, من ثم, عن مصالح وطموحات قطاعات عريضة من الشعب, ولم يكن إلا جمعية منتفعين لا ينتفع منها إلا أعضاء العصبة, خاصة الشلة الممسكة بمقاليد السلطة والثروة علي قمة التشكيل العصابي الحاكم. بل للحق فإن هذه العصبة, في سعيها لاحتكار السلطة والثروة, ظلت تذيق عامة الشعب أبشع ألوان الإفقار والقهر. كانت في الواقع, مجرد وسيلة دنيئة من وسائل الحكم التسلطي المضر بمصلحة عامة الشعب والوطن. والعصبة الموصوفة لم يكن لها أي علاقة, ثانيا, بالوطنية بل هي, في سعيها الدؤوب لنيل أغراضها الدنيئة, لم تتورع عن اغتصاب خيرات الوطن عنوة واقتدارا, بل إفسادا وإرهابا, وحرمانا للغالبية الساحقة من المصريين من خيرات بلدها. بل هي لم تترفع عن تمكين نهابي الأوطان, من حثالة المصريين في عصبة الحكم التسلطي ومن العرب والأجانب, من ثروات الشعب وحتي من أرض الوطن. وفي مضمار الاستقلال والتحرر الوطني وقيادة مصر لمحيطيها العربي والإسلامي, ارتضت تبعية مشينة للمشروع الأمريكي الصهيوني في الشرق الأوسط حتي أسلمت زمام القيادة لأعداء الوطن ومواطنيه, ناهيك عن بعض توابع سابقين وحتي لصغار الدول العربية, وانحسرت قيمة مصر في ظل حكم التشكيل العصابي في الاقليم وفي العالم كله.
ولكن البطحة الثالثة والاشد في رأس هذا الكيان كانت في مجال الديمقراطية, فالكيان كان أبعد عن الديمقراطية في فهمها السليم, فرأس الحكم التسلطي ذاته كان مغتصبا للسلطة من خلال استفتاءات معينة من قبله, وجلها ضالع في اشكال الفساد كافة, وقد قاد رأس الحكم المتسلط التشكيل بأكمله, لاسيما قياداته, في أكبر عملية تخريب في العصر الحديث استهدفت اغتصاب مباديء الحرية والديمقراطية في المعمار القانوني, وعلي رأسه الدستور, وفي الممارسة السياسية, للبلاد. وتصاعدت هذه الممارسات المخربة في ظل صعود ما يسمي بالجيل الجديد من قيادات التشكيل العصابي من عيال الأمريكان في التجارة والأعمال, وعلي رأسه ولي العهد المسمي, إهدارا للنظام الجمهوري ودونما أي استحقاق. من علامات الافتقاد لآليات الديمقراطية في هذا الكيان, فضيحة تاريخية بجميع المقايس, تتمثل في أن جميع قيادات حزب يسمي نفسه ديمقراطيا, كانت غير منتخبة, بل معينة كلها من رأس الحكم التسلطي, بمن فيهم نجله الذي كان يعد لخلافته ولو كذب حول مسألة التوريث, والذي جري تصعيده في قيادة الحزب عدة مرات في سنوات قليلة بقرارات من الأب, فاقد الشرعية الديمقراطية هو نفسه. ولهذا افضل دائما تسميته حزب الحاكم وليس الحزب الحاكم. والجانب الرابع من زعمنا, أي الخداع, لايخفي علي أي متابع للكيان إياه, خاصة في سنواته. فقد دأب الكيان, خاصة قادته, علي التدليس علي الشعب برفع شعادات يعلم قليل الفطنة أنها ليست إلا ستار دخان يخفي, في الواقع, عكس الشعار المرفوع أو نقيضه. رفعوا مثلا شعار الفكر الجديد, ولم يقدموا إلا صورة مبتذلة من فكر توافق واشنطن الذي كرس للرأسمالية الطليقة والاحتكارية وجر علي مصر والبشرية جمعاء ويلات انتشار الفقر والبطالة وتفاقم سوء توزيع الدخل والثروة وصولا الي الأزمة العالمية الطاحنة, وقدموه مختزلا ومحنطا, فتبلور في مصر تحت قيادتهم في أسوأ طبعاته. وهكذا بينما دأبوا علي إدعاء أن محدودي الدخل علي رأس أولوياتهم, سخروا كل إمكانات الحكم لنهب عصابة الحاكم لثروات البلد ولتضخيم نصيبها من السلطة والثروة حتي كادوا يحتكرونهما. وإدعوا أن البلد تتقدم بينما هي تتراجع علي جميع المؤشرات, وينحط قدرها تحت قيادتهم المخاتلة. فهل اختلف سلوك حزب الأغلبية البرلمانية الحالي ذي المرجعية الإسلامية؟ المزيد من مقالات د . نادر فرجانى