ما لاحظته خلال تغطيتى لاخبار طائفة " الأرمن " بمصر سمة نادرة الوجود فى هذا الوقت من الحياة وهى سمة " الوفاء " فلاحظت ان هذا الشعب ، شعب " وفى " بدرجة غير عادية ، فالوفاء اصبح نادراً ولكن ما شاهدته من قبل عندما ذهبت معهم لمدينة بورسعيد للاحتفال بوضع النصب التذكارى الذى تم عمله بمقابر الاقباط ببورسعيد من أجل إحياء ذكري مخيم أرمن جبل موسي وإعادة افتتاح النصب التذكاري لأرمن جبل موسي ببورسعيد. فهؤلاء هم الذين أقاموا في الشاطيء الشرقي لقناة السويس بمنطقة الكارنتينة (بورفؤاد حاليا)، في الفترة من 1915-1919 . شهدت الاحتفالية حضور الدكتور أرمن ميلكونيان ، السفير الأرمني بالقاهرة، ومطران الأرمن الأرثوذكس ومطران الأرمن الكاثوليك بالقاهرة، ليس هؤلاء فقط انماحضر لفيفا من أحفاد أرمن جبل موسي في لبنان الذين عاش آباؤهم في بورسعيد خلال فترة التهجير يترأسهم رئيس اللجنة المنظمة لاحتفالات مئوية أرمن جبل موسي بلبنان و رئيس بلدية "عنجر" ، وكوكبة من رجال الدين المسيحي المصريين في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد. كما شهدت توافد أعداد كبيرة من الأرمن المصريين في القاهرة والإسكندرية .فما رأيته من حضور كثيرون من اماكن مختلفة سواء شباب او كبار كلاً منهم لديه مشغولياته الخاصة ، فكونهم يتركون كل هذا ويأتون من أجل احياء ذكرى هكذا فهذا إن دل على شئ فهو يدل على " الوفاء " فنحن نعيش مرحلة تكبير الدماغ من جميع المراحل وخاصة الشباب الذى اذا قلت له شئ مثل هذا بالنسبة للمصريين يقول لك الشاب او الفتاة " كبر دماغك " بعكس هؤلاء الذين رأيتهم يأتون برغبة وحب للحضور والمشاركة مما جعلنى أرى أن هذا الشعب هو شعب مميز فى وفائه واهتمامه بموتاه ، فتحية لهؤلاء الذين يرثون فى اجيالهم قيم الاحترام والوفاء
فمن وفائهم ايضاً اعترافهم بالجميل لمصر والشعب المصرى متمثلاً فى الشعب البورسعيدي ان لهم دور إنسانى لاستقبالهم أجداد الأرمن علي ارض المحروسة و ايواءهم اثناء محنتهم في عام 1915. ثم قدم رءيس بلدية عنجر درعا تذكاريا لمطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة يشكرون فيها ارمن مصر لإقامة النصب التذكاري و مساعدة اجدادهم في المخيم و احياء الذكري بعد 100 عام.
وقد أقام الأرمن هذا النصب التذكاري والمقبرة الجماعية تخليدا لذكري الذين ماتوا من أبناء الشب الأرمني الذين قاوموا القوات العثمانية في منطقة جبل موسي ، غربي أنطاكية علي سواحل البحر المتوسط. واعتصم هؤلاء الأبطال بجبل موسي 45 يوما ، ظلوا يقاومون فيها القوات العثمانية ونجحوا في احتلال منحدرات جبل موسي . وأمام حصار القوات التركية ونفاذ ذخيرة الأرمن والمؤن، طلب الأرمن النجدة من إحدي السفن الفرنسية التي كانت تمر بالبحر المتوسط. واستطاع دارتيج قائد السفينة بالتنسيق مع السلطات البريطانية إيواءهم في مصر علي الشاطيء الشرقي لقناة السويس بمنطقة الكارانتينة ( بورفؤاد حاليا) واستمروا فيها من عام 1915-1919، حتي زالت المخاطر وعادوا إلي أوطانهم سالمين.
ولم تنتهى القضية بالاحتفال بالمئوية للابادة الجماعية للأرمن بل سيعرض " فيلم وثائقى " عن أول إبادة جماعية في القرن العشرين يوم الثامن من نوفمبر الحالى ، تم تصويره في ثلاث دول مع عرض وثائق مهمة للمرة الأولي.ويعتبر أقوى فيلم وثائقي عن الإبادة الجماعية للإعلامية مريم زكي و اخراج محمد حنفي. سيحضر عرض الفيلم سفير ارمينيا بمصر، اساتذة تاريخ و قانون دولي، أعضاء لجنة احياء ذكري الإبادة و لفيف من مسؤلي الجالية الأرمنية و شخصيات عامة. د. ارمين مظلوميان . فاتحية لهذا الشعب الذى نتمنى أن نحتذى به فى وفائه حتى لموتاهم . لمزيد من مقالات شادية يوسف