لا يمر أسبوع واحد ، دون أن تطفو على سطح العلاقات العربية مشكلات صيادى الأسماك الذين يقومون بالصيد بسفنهم سواء بالمخالفة أو بغير المخالفة فى المياه الإقليمية العربية ، فتصبح فى حالات فقدان الصيادين أو موتهم أو غرق أو إحتجاز سفنهم وهم على متنها ، مادة مثيرة ومحفزة لاستجواب الحكومات فى البرلمانات العربية ، كما تسبب تلك المشكلات فى حالة تفاقمها حرجا شديدا بين الحكومات العربية قد يصل إلى حد الأزمة التى تتصدر الأجندة الدبلوماسية إن لم تتصدر الأجندة الرئاسية أحيانا. ونظرا لحساسية تلك المشكلات وتأثيراتها السلبية على علاقات الدول العربية وماتمثله من ضغوط شعبية على الحكومات، خاصة بعد احتجاز السلطات فى دول: اليمن وليبيا والسودان والسعودية والصومال وتونس العديد من سفن الصيد العربية والمصرية لأكثر من مرة بتهمة اختراق مياهها الإقليمية دون إذن مسبق ، فقد أهابت الخارجية المصرية أكثر من مرة فى بيانات عديدة كان آخرها يوم 9 أغسطس الماضي، بالصيادين المصريين احترام سيادة الدول العربية المجاورة وعدم اختراق مياهها الإقليمية، وحذرت من القيام بأى أنشطة داخل المياه الإقليمية لدول أخرى دون الحصول على التصاريح اللازمة، حيث يعد ذلك خرقا لقوانين تلك الدول ، وشددت الخارجية على ضرورة عدم ممارسة الصيد غير المرخص فى المياه الإقليمية بالدول المجاورة، خاصة التى تشهد صراعات داخلية كاليمن وليبيا أو الدول التى تواجه تهديدات إرهابية حيث ترفع سلطات خفر السواحل درجات الاستعداد إلى الدرجة القصوى تجاه كل الاختراقات بإطلاق النار فوراً . فدخول المياه الإقليمية دون إذن مسبق تهمة جاهزة وفقا للقانون الدولي، خاصة عندما لا تراعى ولا تقدر الدولة العربية الشقيقة عند احتجازها المراكب بمن عليها من صيادين ، تعرض تلك المراكب فى أثناء الصيد فى المياه الدولية لسوء الأحوال الجوية وارتفاع الأمواج ومحاولة الصيادين النجاة من الموت وغرق مراكبهم باضطرارهم إلى الدخول فى المياه الإقليمية على سبيل الخطأ عند الضرورة ، حتى لا تتحول مراكبهم غير المجهزة بوسائل الرصد الجوى والبحرى والصيد الحديثة إلى «نعوش عائمة» وهنا يمكن القول بوجود تجاوزات واتهامات متبادلة بين طرفى المشكلة: السلطات المعنية والصيادين، حيث تتهم السلطات الصيادين دائما بانتهاك القوانين السيادية بدخول المياه الإقليمية والصيد فيها دون إذن، وتلك «جريمة عائمة» تستوجب بالضرورة معاقبة مرتكبيها ، بينما يتهم الصيادين من جانبهم وفى أثناء التحقيقات معهم السلطات بانتهاك القوانين وذلك باعتراض القوارب بصياديها فى المياه الدولية وإجبارهم على الدخول فى المياه الإقليمية وتجريمهم ، بهدف زيادة موارد دخل الدولة، وذلك ببيع حصيلة الصيد وتشغيل القوارب لمصلحتها لفترات طويلة أو تحصيل غرامات مالية كبيرة أو طرح القوارب للبيع أحيانا فى حالة عدم سداد الغرامات. ونتيجة لهذه المشكلات ونقص الاستثمارات وعدم وجود تجارة بينية عربية سمكية وعدم تطوير قوارب ووسائل الصيد ونقص مستلزمات الإنتاج والتخزين والتصنيع والتسويق، توقف الإنتاج العربى السمكى عند 4.6 مليون طن وانخفض استهلاك الفرد العربى منه إلى ( 4كجم) عن المتوسط للدول النامية (10كجم) والعالمى (24كجم) رغم امتداد الشواطئ العربية بطول 22.7 ألف كم ووجود جرف قارى غنى بالأسماك مساحته 608 آلاف كم مربع وأنهار تمر بالأراضى العربية طولها 16.6 كم ومستنقعات وبحيرات داخلية مساحتها أكثر من 3 ملايين هكتار, والمطلوب من البرلمان العربى أن يقدم إلى الجامعة العربية تشريعا باتفاقية عربية مشتركة للصيد تنظمه وتقننه وتشجع على تجارته البينية والتعاون والاستثمار فيه كخطوة اولى لمواجهة الفجوة الغذائية العربية ، فمن لا يملك غذاءه لا يملك قراره .. كما أن الأمة التى لا تملك غذاءها تهون على أعدائها. لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين