بعد خمسة أشهر من الاستقرارتمتعت بها حكومة رئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي, تغوصالبلاد في بحر جديد من الرمال مع تصدع التأييد البرلماني لحكومة التكنوقراط بقيادة مونتي بسبب إصلاح قانون العمل. تسود التوقعات في إيطاليا بلجوء مونتي, الذي جاءت حكومته في نوفمبر الماضي, اليطلب التصويت بالثقة علي حكومته في البرلمان من أجل تمرير القانون الجديد, وذلك بعدماأثار موجة معارضة شديدة في البلاد مؤخرا, بسبب تسهيله اجراءات التسريح من العمل, وبالرغم من توالي الاشادات الدولية بمونتي الذي شبهته وال ستريت جورنال بالبريطانية مارجريت تاتشر, أصبح مونتي في موقف المواجهه مع الأحزاب التي كانت أشد تأييدا له داخل البرلمان وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي اليساري وحزب شعب الحرية. وتتمثل اكبر العقبات امام القانون الذي يعد أبرز ملامح خطة مونتي لانعاش الاقتصاد في ادخال تعديلات علي الفقرة18 تتيحالفصل التعسفي من العمل, في حالة استناد ذلك الفصل إلي أسباب اقتصادية وليسلأسباب تتعلق بالاضطهاد أو التمييز. ورغم تعثر المفاوضات بين الحكومة والنقابات العمالية اكثر من مرةفي هذا الصدد, تتمسك الحكومة بموقفهامن أجل تنشيط سوق العمل, حيث تحجم غالبية الشركات في البلاد عن توظيف المزيد من العمال و الموظفينخشية زيادة الالتزامات و الأعباء عليها في وقت يمر فيه الاقتصاد الايطالي بأزمة مالية شديدة. وتري الحكومة أن التعديلات المقترحة لقانون العمل سيكون لها تأثير ايجابي واسع, تصلمزاياهلمن هم خارج سوق العمل, من خلال تحفيز الانتاج والنمو الاقتصادي و جذب الاستثمارات الأجنبية,وبالتالي زيادة فرص العمل خاصة للنساء والشباب. في المقابل,هددت أكبر المنظمات العماليةوفي مقدمتها الاتحاد العام لعمال إيطاليا الذي يبلغ عدد أعضائه5.5 مليون عامل باللجوء إلي اعلان الاضراب الشامل في كافة قطاعات البلاد دفاعا عن المادة رقم18 في صورتها الأصلية التي تمنع الفصل التعسفي. وربما تضع تلك التطورات مونتي في حرج في الوقت الذي جاب فيهبين العواصم الآسيوية الكبري لطمأنتهم إزاء أداء اقتصاد بلاده وأزمة منطقة اليورو, داعيا إلي دفع آسيا و أوروبا إلي مستوي جديد من التكامل المتبادل ليس في مجال التجارة وحسب, بل والاستثمارات أيضا, ويحاول مونتي بث الثقة لديهم إزاء جهود روما وشركائها الأوروبيين لاعادة تشكيل السياسات الاقتصادية الأوروبية, خاصة في ضوء المؤشرات الاقتصادية الجيدة التي أعطتهاخطته لانقاذ إيطاليا, وصار المشهد السياسي في البلاد مضطربا, مع تلويح مونتي خلال جولته الآسيوية بمغادرة منصبه حال سقوطحزمة التعديلات التي تدفع بها حكومته علي بلاط البرلمان, مؤكدا أنهلن يكون ذا معني أن يستمر في المنصب حتي ربيع2013( الموعد المقرر لإجراء الانتخابات العامة) دون التمكن من تنفيذ أجندته الاصلاحية. وتسعي خطة انقاذ إيطاليا التي أعدها مونتي الي استعادة التوازن في ميزانية الدولةبحلول عام2014, فضلا عن اجراءات أخريلدفع النمو الاقتصادي أهمها اصلاح سوق العمل, وتعاني البلاد من تضخم حاد في الدين العام, حيث بلغرقماقياسيا العامالماضي متجاوزا1890 مليار يورو. وبالرغم من اتفاق غالبية الاقتصاديين عليضرورة التعديلات المقترحة, إلا أن الأمر بالنسبة للأحزاب السياسية يختلف في وقت تعد فيه العدة لخوض الانتخابات العامة خلال أشهر, فضلا عن اقتراب موعد الانتخابات المحلية المقررة في مطلع مايو المقبل, وأصبح خطاب الشارعيعلو صوتافوق رأي الخبراءمع اظهار استطلاعات الرأي مؤخرا أن67% من الايطاليين يعارضون صيغة قانون العمل الجديدة, وهو ما دفع الأمور إلي طريق يبدو حتي الآن منغلقا في وقت تحاول فيه الأحزاب الرئيسية رفع شعبيتها في الشارع بعد أن وصلت الي مستويات متدنية تكاد تصل الي30% من التأييد. وأرجأ البرلمان التصويت علي تعديلات قانون العمل الي شهر مايو المقبل علي الأرجح لحين مناقشته. وهو ما ينذر بدخول مونتي في مواجهه مع الأحزاب الداعمة لحكومته في البرلمان و التي تصادمت ارادتها إزاء التعديلات الجديدة مما وضع البلاد علي أعتاب المجهول. وللمفارقة فان المادة18 ذاتها من قانون العمل, فشل رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكوني زعيم حزب شعب الحرية في تعديلها بسبب المظاهرات العمالية المناهضة, حتي انتهي الأمر بتقديم استقالته. فمن ناحية ظهر الشقاق الي العلن من جانب الأحزاب الرئيسية الداعمة للحكومة بالبرلمان. ووقعت الحكومة بين كفي الرحي في البرلمان, فبعد أن قبلت باجراء تغيير طفيف علي حزمة الاصلاح استجابة للحزب الديمقراطي اليساري بشكل يسمح بعودة المفصولين إلي عملهم اذا لم يحصلوا علي التعويضات الكافية, أعلن حزب شعب الحرية أكبر أحزاب البرلمان معارضته للتغيير مناصرا لأرباب الأعمال و مطالبا بالغاء مبدأ العودة الي العمل تماما لمن تم تسريحهم, في حين, تتصاعد تهديدات اتحادات العمل يوميا عبر وسائل الإعلام, رافضة بشكل قاطع اتاحة الفصل التعسفي عن العمل. ومع ذلك, فلا يبدو أن هناك أيا من الأحزاب مستعدللمغامرة باسقاط الحكومة والانجراف بالبلاد إلي عاصفة اقتصادية جديدة,الا أنه بالتأكيد ستكون الأيام القادمة في عمر الحكومة الحالية أصعب.