وضع بيان مجموعة الأربعة، وهى اليابان وألمانيا والبرازيل والهند والمعروفة حول ضرورة إصلاح مجلس الأمن وذلك خلال الدورة السبعين لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قضية إصلاح المجلس من جديد على رأس الأجندة الدولية، وطرح معه السؤال هل فعلا عملية الإصلاح ممكنة أم أنها ستلقى مصير المبادرات السابقة بالفشل؟ ولاشك أن المطالبات بإصلاح مجلس الامن امتدت لأكثر من عقد ونصف وتراوحت ما بين الصعود والخفوت أكثر من مرة, وقدمت عشرات المبادرات لإصلاح مجلس الأمن سواء تركيبه أو آلية اتخاذ القرارات فيه خاصة المتعلقة بحق استخدام الفيتو، بل إن مجموعة ج4 قدمت مشروعا فى عام 2005 يتضمن زيادة أعضاء مجلس الأمن من 15 إلى 25 عضوا، واقترح المشروع أن تضم العضوية الجديدة ستة أعضاء دائمين وأربعة أعضاء غير دائمين وأن يتم منح عضوين دائمين لكل من إفريقيا وآسيا وعضو دائم جديد لدول أمريكا اللاتينية والكاريبى ومقعد لأوروبا الغربية، وقد قوبل المشروع آنذاك بالرفض من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة. كما قدمت العديد من التصورات المختلفة للإصلاح لكنها جميعا لم تترجم حتى الآن إلى أرض الواقع، وذلك لعدة عوامل, الأول: عدم وجود توافق دولى حول صيغة محددة للإصلاح نتيجة للاختلاف حول معايير الانضمام أو صلاحيات الدول التى سوف تنضم وهل ستحظى بالفيتو أم لا. والثانى: معارضة الدول الكبرى صاحبة العضوية الدائمة فى المجلس لأى إصلاح قد ينتقص من المزايا التى تتمتع بها وأبرزها حق الفيتو, فإصلاح المجلس يتطلب تعديل الميثاق وهذا بدوره يتطلب موافقة تلك الدول أولا. والثالث: التأثير السلبى للنظام السياسى الدولى والتفاعلات بين الدول الكبرى على النظام القانونى الدولى المتمثل فى الاممالمتحدة ومجلس الأمن والذى ظهرت ملامحه فى حالة الاستقطاب الشديدة والتناقض فى المواقف حول الأزمات العديدة التى يعيشها العالم وكيفية التعامل معها نتيجة لانخراط هذه الدول فى تلك الصراعات، كما حدث فى حالة أوكرانيا وسوريا والقضية الفلسطينية وغيرها, وهو ما أدى إلى تعطيل وشل مجلس الأمن عن أداء دوره المنوط به فى حفظ السلم والأمن الدوليين نتيجة لاستخدام حق الفيتو ومنع المجلس من التعامل مع تلك الأزمات. لكن هل يعنى ذلك أن عملية إصلاح مجلس الأمن باتت مستحيلة أمام تلك العقبات؟ الواقع أن عملية إصلاح المجلس أصبحت ضرورة حتمية تفرضها المتغيرات الكبيرة التى شهدها العالم فى العقد الأخير, وأولها: التغير فى النظام الدولى حيث لم تعد الولاياتالمتحدة القطب الوحيد فيه، بل برزت قوى أخرى مثل روسيا والصين واليابان والهند والبرازيل, وهذه الدول تحظى بمقومات اقتصادية وعسكرية وسياسية كبيرة وتمارس دورا متصاعدا فى تفاعلات النظام الدولى وأزماته, وبات من الضرورى أن يعكس المجلس التوازنات الجديدة فى النظام الدولى، وثانيها: بروز المصادر الجديدة غير التقليدية لتهديد السلم والأمن الدوليين وعلى رأسها الإرهاب الدولى الذى تمثله التنظيمات المتشددة كداعش وتنظيم القاعدة وغيرها, وتصاعد ظاهرة الحروب الأهلية كما هو الحال فى بعض دول الربيع العربى وأوكرانيا والعديد من الدول الإفريقية, وتنامى ظاهرة الهجرة غير المشروعة ومشكلات اللاجئين وانتشار اسلحة الدمار الشامل، وضحايا هذه المصادر تفوق ضحايا المصادر التقليدية مثل الحروب العالمية والحروب بين الدول. وثالثها: التوسع الكبير فى صلاحيات مجلس الأمن الدولى بعد انتهاء الحرب الباردة خاصة المادة 39 التى تعطى المجلس صلاحية تقدير مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين والتى أدت لتوسيع هذا المفهوم وإدراج العديد من المصادر مثل جرائم الحرب وجرائم الإبادة الإنسانية لاعتبارات عرقية ودينية وطائفية، وانتهاكات الديمقراطية، كذلك التوسع فى استخدام الفصل السابع من الميثاق الذى يتضمن فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على الدول والجماعات التى تشملها قرارات المجلس، والتى انحرفت عن مسارها فى كثير من الحالات، كما أنها أدت لتدخل الدول الكبرى فى شئون الدول النامية والصغرى تحت مظلة انتهاكات الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكل هذه المتغيرات تشكل تهديدات حقيقية وخطيرة للسلم والأمن الدولى, وتطلب تطوير نظام جديد للأمن الجماعى مختلف عما هو موجود فى الميثاق, والذى لم يطبق فعليا على الأرض، خاصة أن مجلس الأمن الحالى بتركيبته ونمط اتخاذ القرار فيه والذى يتطلب إجماع الدول الكبرى، أصبح عاجزا عن التفاعل بإيجابية مع المصادر الجديدة لتهديد السلم الدولى نظرا لاستخدام الفيتو من جانب الدول الكبرى، ولكونه خضع للتسييس من جانب الدول المسيطرة عليه خاصة الولاياتالمتحدة, والتى تسمح له بالتدخل بفاعلية فى الأزمات التى تريد له التدخل فيها وتمنعه من الأزمات التى تعد هى طرفا فيها. ولذلك فإن عملية إصلاح مجلس الأمن ممكنة, لكنها ينبغى أن تكون فى إطار رؤية شاملة وواضحة وتستهدف ترشيد صلاحيات المجلس ومنع تسييسه، وأن يكون ضمن توافق دولى حقيقى، وأن تسهم توسعة العضوية الدائمة وغير الدائمة فى تحقيق التوازن داخل المجلس، وليس تعقيده أو شله وتقليل فاعليته، وأن يكون عاكسا للتوزيع العادل للقوة فى النظام الدولى ولقاراته الخمس وضم دول مثل مصر والبرازيل والهند واليابان وألمانيا, وأن تكون هناك رقابة قانونية وسياسية من جانب الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية لمنع انحراف المجلس عن أداء وظائفه، ولكى يكون دوره أكثر فاعلية فى تحقيق السلم والأمن الدوليين فى ظل المخاطر والتحديات الكبيرة التى يواجهها العالم حاليا. لمزيد من مقالات د . أحمد سيد أحمد