أضحت قضية إصلاح مجلس الأمن من القضايا التقليدية المطروحة دائما على الاجتماع السنوى للجمعية العامة الأممالمتحدة, دون أن تفضى إلى خطوات ملموسة لاعتبارات سياسية وقانونية, بالرغم من التحديات والتحولات الخطيرة فى مصادر تهديد السلم والأمن العالميين. فخلال فترة الحرب الباردة كان المصدر الأساسى لتهديد السلم العالمى هو الحروب بين الدول برغم أن سياسة الردع النووى والاستقطاب بين الكتلتين الشرقية والغربية قد ساهم فى تحجيم هذا التهديد إلى حد ما, وبعد الحرب الباردة أصبحت الحروب الأهلية داخل الدول هى المصدر الرئيسى للسلم العالمى, حيث شهدنا موجات عديدة من الحروب الأهلية فى قارات العالم المختلفة, تمثلت فى حرب البلقان الناتجة عن تفكك يوغسلافيا التى شهدت ارتكاب مجاز جماعية فى البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسوفو, والحروب الطاحنة فى جورجيا ودول كثيرة فى آسيا الوسطى, ونزاعات الانقلابات العسكرية فى أمريكا اللاتينية, واحتلت أفريقيا النصيب الأكبر من الحروب الأهلية فى رواندا وبورندى والكونغو والسودان وغيرها, وتباينت أسباب تلك الحروب من صراعات عرقية وقبلية وما بين صراعات سياسية ودينية. لكن الأخطر أن مصادر جديدة لتهديد السلم الدولى قد أخذت فى التصاعد منذ بداية القرن الحادى والعشرين, وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر, وعلى رأسها خطر الإرهاب, وانتشار الحركات الأصولية والدينية المتطرفة والجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة التى تكاثر من التنظيم الأم فى أفغانستان, إلى حركات إقليمية منتشرة عبر أماكن كثيرة من العالم كجماعة بوكو حرام فى نيجيريا وحركة أنصار الدين فى مالى وأفريقيا الوسطى وحركة شباب المجاهدين فى الصومال وتنظيم القاعدة فى جزيرة العرب فى اليمن والجماعات الإرهابية فى سيناء مثل بيت المقدس وأجناد الأرض, ثم أضيف إليها مؤخرا تنظيمات أكثر تطرفا وعنفا مثل تنظيم داعش فى العراقوسوريا وجماعة أنصار الشريعة وغيرها. وتزامن مع ذلك تزايد الصراعات الناتجة عن تعثر التحول الديمقراطى فى العديد من الدول خاصة بعد ثورات الربيع العربى, وكذلك فى مناطق مثل أوكرانياوجورجيا, وتمثل تهديد حقيقى للسلم العالمى, فعدد ضحايا الإرهاب والصراعات الجديدة يصل إلى مئات الآلاف من الضحايا من القتلى والجرحى وملايين النازحين وتدمير البنية الأساسية, كما حدث فى سوريا وليبيا والعراق واليمن, وهى أعداد تفوق ضحايا الحروب التقليدية بين الدول, كما إنها تهدد كثيرا من الدول بالتفكك والتحلل مع تزايد النزعات الانفصالية والصراعات المذهبية والدينية, حيث أصبح الشرق الأوسط الآن فى الكثير من مناطقه ساحة للحروب والأزمات المشتعلة وحالة عدم الاستقرار. ورغم التحول فى مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين لم ينجح مجلس الأمن الدولى فى أداء دوره المنوط به فى حماية السلم العالمى, لاعتبارات سياسية تتعلق بهيكل النظام الدولى وسيطرة الولاياتالمتحدة عليه, وتعامله بازدواجية, فهى تفعل دور المجلس إما بالتدخل العسكرى المباشر أو من خلال العقوبات وفقا للفصل السابع, فى الأزمات التى تريد تفعيله فيها مثلما حدث إبان غزو العراق عام 2003 وتدخل الناتو فى ليبيا, وتشل قدرة المجلس على التدخل فى الأزمات التى لا تريده التدخل فيها, وأبرز مثال على ذلك العدوان الإسرائيلى المتكرر على الفلسطينيين كما حدث فى غزة عدة مرات فى السنوات الأخيرة, وهناك اعتبارات قانونية تتعلق بآلية اتخاذ القرار داخل مجلس الأمن واستخدام حق الفيتو والذى جعل المجلس عاجزا إزاء العديد من الأزمات الخطيرة مثل الحالة السورية بسبب الفيتو الروسى. ورغم أن المادة 39 من ميثاق الأممالمتحدة قد أعطت مجلس الأمن صلاحيات واسعة لتقدير مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين, بما ذلك الاعتبارات الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وكذلك الاعتبارات الديمقراطية, إلا أن هيمنة الولاياتالمتحدة على المجلس قد أخرجته عن نطاق دوره الأساسى, وأصبحت تلك القضايا مدخلا للتدخل الغربى والأمريكى فى شئون الدول الأخرى تحت غطاء حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان. وزاد من صعوبة دور المجلس أن تعديل الميثاق يتطلب موافقة الدول الخمس الكبرى. وإجمالا أصبح العالم يعيش الآن واقع جديد من تصاعد خطر الإرهاب والتطرف والنزعات الانفصالية وتداعيات تعثر التحول الديمقراطى, وهو واقع يختلف عن ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية التى كتب فيها ميثاق الأممالمتحدة, وأصبحت الحاجة ضرورية إلى إعادة مراجعة دور مجلس الأمن وإصلاحه بشكل حقيقى للتكيف والتعامل مع هذه الأخطار الجديدة للسلم والأمن العالميين, يضاف إلى ذلك خطر الأمراض مثل الإيبولا فى أفريقيا, وتطوير آلياته ونمط اتخاذ القرارات فيه بعيدا عن الاعتبارات والازدواجية السياسية وتوازنات القوى وأجندات المصالح التى تسعى الدول الكبرى لتحقيقها وعلى رأسها الولاياتالمتحدة. ومعضلة إصلاح مجلس الأمن لن تتحقق إلا بإرادة جماعية دولية وتنسيق بين دول العالم الثالث للضغط الحقيقى لإصلاح المجلس سواء عملية صنع القرار وترشيد استخدام الفيتو, أو توسيع العضوية وإدخال دول جديدة تحظى بالعضوية الدائمة مثل مصر والبرازيل والهند لتحقيق التوازن داخل المجلس وتفعليه فى أداء دوره الأساسى فى حفظ السلم والأمن الدوليين. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد