تسعى مصر للحصول على عضوية مقعد غير دائم فى مجلس الأمن الدولى لفترة عامين (2016-2017) من خلال خوضها لسباق الانتخابات المزمع عقدها فى 15 أكتوبر القادم، والتى من المفترض أن تضم خمسة أعضاء غير دائمين جدد بدلا من الخمسة المنتهية مدتهم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصر سبق لها الحصول على هذا المقعد أربع مرات كان آخرهم منذ ما يقترب من عشرين عاما وتحديدا فى عامى 1996-1997, إذ تريد مصر تجديد دورها واجندتها فى الدورة المقبلة بما يضخ دماء جديدة فى عروق المنظمة الأممية. أهداف مصر يبدو أن الهدف الرسمى المعلن للنظام السياسى المصرى الجديد من الحصول على المقعد غير الدائم فى مجلس الأمن هو الاقتراب مباشرة من مطبخ القرارات الدولية المنتظر إقرارها فى الفترة المقبلة، وخاصة فيما يتعلق بالمنطقة العربية. حيث أنه من المنطقى أن تقوم كل دولة من العشر دول غير الدائمين فى المجلس بدور الممثل الرسمى للنطاق الجغرافى الذى تمثله. وبما أن مصر هى مرشح منطقة شمال افريقيا بالإضافة الى الدول العربية، حيث أنه فى حال فوزها ستكون هى الدولة العربية والشمال أفريقية الوحيدة المتواجدة فى المجلس، فهذا يعنى أنه من المنطقى أن يكون لها دور بارز فى كل من الأزمة السورية والليبية واليمنية وبالطبع القضية الفلسطينية. بالإضافة الى ذلك ومن واقع الكتيب الذى أعدته وزارة الخارجية المصرية وعمدت على ايصاله وشرحه لكافة السفارات الأجنبية فى القاهرة. وأيضا إلى سفارات مصر فى الخارج والمندوبين الدائمين فى الأممالمتحدة. فإن مصر تهدف خلال عامى عضويتها داخل المجلس فى التعبير عن عدة مبادئ وأسس، أهمها ما تؤكده مصر دومًا بشأن رؤيتها لتعزيز جهود حماية السلم والأمن دوليًا وإقليميًا مع ربط ذلك بتحقيق التنمية المستدامة، والتعامل مع التهديدات الناشئة، كالإرهاب والتطرف العابر للحدود الوطنية، والتى تواجه الدول الصغيرة والمتوسطة، وكيفية معالجة الربط بين تثبيت الاستقرار الداخلى وتحقيق التنمية المستدامة، خاصة فى ضوء الإعداد الجارى لأجندة التنمية لما بعد العام 2015، فضلاً على تعزيز دورالمرأة فى تسوية النزاعات وصنع السلام. من جانب آخر، هناك هدف غير معلن للنظام المصرى من الحصول على هذا المقعد، وهو التأكيد على شرعيته الدولية. فعلى الرغم من نجاح الدبلوماسية المصرية فى تغيير الرأى العالمى المتشكك من شرعية النظام المصرى بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسى فى 3 يوليو 2013. إلا أنه لا يمكن اغفال بعض الاتهامات الدولية للنظام المصرى فيما يخص قضايا العدالة والحريات وحقوق الانسان والتحول الديمقراطى، وهو ما يفسر – فى أحد أبعاده - قرارات العفو الرئاسية الصادرة بحق 100 شاب أغلبهم من الفتيات من النشطاء السياسيين –غالبا بسبب انتهاك قانون التظاهر- قبيل سفر الرئيس السيسى إلى نيويورك. وعلى هذا الأساس، فإن الدبلوماسية المصرية عملت طوال عام كامل ليس فقط للحصول على العضوية، بل أيضا للحصول على الترشيح بنسبة عالية من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن الخارجية المصرية تسعى للحصول على ما يزيد على 160 صوتا مؤيدا من الجمعية العامة، ليكون بمثابة تأييد دولى واسع للنظام المصرى الجديد. خطوات الطريق كانت الخطوة الأولى فى طريق الوصول إلى عضوية المجلس، خلال كلمة السيسى فى الدورة 69 من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى العام 2014، حيث طالب الرئيس المصرى أعضاء المجلس أن تمنح مصر أحد مقاعد إفريقيا ضمن المقاعد غير الدائمة بالمجلس. أما الخطوات التالية كانت من بطولة مؤسسة الخارجية المصرية، والتى اعطت توجيهات واضحة لكافة مكاتبها ودبلوماسيها فى الخارج للترويج طوال العام الماضى لهذا الهدف. ويعد من أهم الخطوات الدبلوماسية قيام وزير الخارجية سامج شكرى بزيارة نيويورك فى ابريل الماضى للتواصل مع المندوبين الدائمين فى الأممالمتحدة لتحقيق هذا الغرض. كما استضافت مصر المندوبين الدائمين ل55 دولة عضو فى الأممالمتحدة، لحضور ملتقى نظمته وزارة الخارجية المصرية ما بين 28 اغسطس الماضى وحتى أول سبتمبر الحالى، لدعم الترشح المصري. ويبقى بعد هذا الجهد الدبلوماسى والرئاسى الممتد طوال عام أن يتم التصويت على قبول ترشيح مصر للعضوية غير الدائمة من قبل الجمعية العامة. وفى حالة حصول مصر على هذا القبول ينتقل طلب الترشيح إلى المجلس ليتم التصويت عليه فى 15 أكتوبر القادم. وتحتاج الدولة للحصول على 9 أصوات من أصل 15 صوتا، بشرط عدم استخدام حق الفيتو من الخمسة الدائمين للاعتراض على العضوية. الموقف الإفريقى يبدو ان الموقف الإفريقى قد حسم مبكرا وذلك خلال اجتماع وزراء الخارجية الأفارقة فى القمة الإفريقية التى عقدت فى اديس ابابا فى يناير من العام الحالى، حيث قرروا دعم ترشيح مصر كممثل عن افريقيا. ولمزيد من التوضيح فإن القارة الإفريقية قد التزمت فى السنوات الأخيرة بالتنسيق فيما بينها لضمان الحصول على مقعدين غير دائمين فى المجلس وذلك من خلال الاتفاق المبدئى فيما بينهم حتى لا تتعدد الترشيحات الافريقية المطروحة على الجمعية العامة. وحاليا لدى افريقيا ثلاث دول داخل المجلس هم تشاد ونيجيريا وانجولا. ستخرج كل من تشاد ونيجيريا لاكمالهما عامين من العضوية وستبقى فقط أنجولا. ومن ثم، فإن مصر تضمن إلى حد كبير تصويت كافة الدول الافريقية لصالحها فى الجمعية العامة، بالإضافة إلى 3 أصوات افريقية داخل المجلس فى حالة الوصول إلى التصويت النهائي. وعلى الرغم من قرار القمة الافريقية فى مطلع العام إلا أن مجهود الدبلوماسية المصرية ظل مستمرا طوال العام على المستوى الثنائى حتى كثرت التصريحات الافريقية بصورة فردية بدعم مصر فى الانتخابات القادمة لعضوية المجلس. الموقف العربى على المستوى العربى يبدو أن الأمر أكثر حسما، حيث انه ليس هناك اى منافس عربى قدم طلب للترشح لهذا المقعد، ومع الاخذ فى الاعتبار ان الأردن (العضو العربى الوحيد داخل المجلس) سوف تنتهى عضويتها هذا العام، بالإضافة الى الدور النشط الذى تقوم به الأردن لدعم ترشيح مصر. نجد ان حصول مصر على دعم الدول العربية أمر منطقى لا بديل عنه. وفقا لما سبق يظهر أن حصول مصر على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن أمر مضمون الى حد كبير نظرا لكون مصر مرشح افريقيا والدول العربية الوحيد. بالإضافة إلى الحشد الدولى الذى نجحت الدبلوماسية المصرية فى الحصول عليه من كتلة كبيرة تبلغ 33 دولة هى الدول اللاتينية، والممثلة بمقعدين غير دائمين فى المجلس (شيلى وفنزويلا). ولكن يبقى موقف الدول الخمس الدائمة، والتى تملك كل واحدة منهم الحق فى استخدام الفيتو لمنع مصر من الحصول على هذا المقعد حتى وأن اجتمعت كافة الدول على الموافقة. وفعليا فقد حصلت مصر على وعود من روسيا والصين وفرنسا على الموافقة على ترشيح مصر. وعلى الرغم من عدم التأكد من موقف الولاياتالمتحدة إلا أنه من الصعب جدا استخدامها للفيتو ضد ترشح مصر. ولكن من المهم الإشارة إلى أن هذا الضمان لا يعنى انتهاء مهمة الخارجية المصرية والتى صرح وزيرها سامح شكرى قبيل عقد القمة الحالية للأمم المتحدة: «لدينا خريطة تصويت تجعلنا مطمئنين، لكننا سنظل حتى يوم 15 أكتوبر نسعى ونتواصل مع كل المعنيين». مكافحة التطرف خلاصة القول أنه حتى وإن كانت مسألة حصول مصر على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن معركة سهلة، إلا أنه لا يمكن اغفال حقيقة أن نجاح مصر فى تحقيق هذا الهدف هو نجاح لمؤسسة الخارجية المصرية التى عملت بمهنية واحتراف واختراق طوال العام المنصرم بمهارة شديدة. من جانب آخر، يبدو جليا أن النظام المصرى الحالى دأب على توصيل رسالة إلى دول العالم مفادها أن دعم ترشيح مصر خطوة هامة لنجاح الحرب الدولية ضد الإرهاب، حيث طرحت مصر نفسها باعتبارها فاعلا محوريا ورئيسيا فى مواجهة الأزمات الاقليمية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالإرهاب والتطرف الدينى، وخاصة فى أزمتى ليبيا وسوريا والتى يسعى النظام المصرى إلى لعب دور بارز فى معالجة الأوضاع هناك حيث يعتبرهما من أهم الأزمات تأثيرا على الأمن القومى المصرى. ولكن يبقى السؤال هل يمكن أن تكون عضوية مصر غير الدائمة ذات تأثير حقيقى على مجريات الأمور فى الأزمتين السورية والليبية؟ أم أن مسار الأزمتين مرتبط أساسا بمواقف الدول الكبرى صاحبة الفيتو فى مجلس الأمن والتى تمتلك مواقف متباينة إزاء اطراف الصراع فى أزمات الدول العربية؟ كما يعد التساؤل منطقيا، خاصة اذا ما عدنا إلى تحليل الدور المصرى من توجيه مسار القضية الفلسطينية باعتبارها القضية العربية الأهم خلال عضويتها الأخيرة فى المجلس ما بين عامى 1996-1997.