الحج ركن من أركان الإسلام وشعيرة من الشعائر العظام تهفو إليه الأفئدة وتحن إليه القلوب، وتتوق فى أشهره النفوس إلى زيارة تلك البقاع الطاهرة تحقيقا لقول الله عز وجل (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا)، وقوله (وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ). ويتدافع الحجاج كل عام يحدوهم الشوق إلى تلك البقاع الطاهرة وكلهم أمل فى أن يرجعوا من ذنوبهم كاليوم الذى خرجوا فيه من بطون أمهاتهم؛ (فالحج يهدم ما كان قبله«، و«من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». فما هى صفات الحج المبرور وشروطه، وكيف يتحقق؟. يؤكد علماء الدين أن الحاج إذا عزم على السفر إلى الحج أو العمرة استحب له أن يوصى أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل، وأن يكتب ما له وما عليه من الديْن، ويشهد على ذلك، كما يجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب، وإن كانت عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم، أو تحللهم منها قبل سفره، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحلل اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). وأضاف العلماء أنه ينبغى للحاج أن ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال، لما صح عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا)، وروى الطبرانى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله فى الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله فى الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور). ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، إن ما يفعله الحاج قبل سفره، إذا أراد الحاج أن يكون حجه مبرورا وأن يكون ذنبه مفغورا فإن عليه قبل أن يسافر إلى بيت الله الحرام أن يقوم بعدة أشياء: أولها التوبة النصوح على ما سلف من الذنوب، ويدخل فيها أن يعزم عزما أكيدا على أن يعود من حجه على حالة أحسن من التى فارق بلده عليها قبل الحج، وأن يرد الحقوق إلى أصحابها قبل أن يسافر وبخاصة الحقوق المالية، فكثير من حجاج البيت الحرام يفهمون أن الحج يكفر الذنوب جميعا، ولا يعلمون تحقيق الأمر فى هذه القضية، وتحقيق الأمر أن الذنوب التى تتعلق بالحاج وبين العباد، يؤخرها الله تعالى إلى يوم القيامة حتى يقتص للمظلوم من ظالمه، وثبت هذا فى حديث طويل عن النبي، صلى الله عليه وسلم. وأضاف، أنه يجب أن يتحرى الحاج الحلال فى المال الذى يكسبه بوجه عام, والذى يحج به بوجه خاص, لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا), وأن يرد المظالم لأهلها، وليستغفر الله تعالى, فقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه), وأن يزيل كل خصام كان بينه وبين الناس, وأن يعهد إلى أحد الصالحين بتولى أمر ماله وعياله حال غيبته, وأن يكتب وصيته ويشهد عليها, فربما وافته المنية فى سفرته تلك, لحديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه, يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده), وأن ينوى بأداء الحج المفروض أو التطوع أو المنذور القرب من الله تعالى, والتوسل به إلى مرضاته, وزيادة أعماله الصالحة, وأن يتجرد من شواغل الدنيا. توخى النفقة الحلال وفى سياق متصل يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إنه من المقرر شرعا أن عند الشروع فى عبادة من العبادات أو قربى من القربات إخلاص النية لله عز وجل، فقال تعالى: (فاعبد الله مخلصا له الدين) سورة الزمر، وقال أيضا، (قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت) الأنعام، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) ويجب تحرى وتوخى النفقة الحلال، فمن المأثور إذا وضع الحاج رجله فى الرحل، ولبى محرما بالنسك، فإن كانت النفقة حلالا بشر بالقبول، وإن كانت خبيثة، قيل له السعى مأزور والحج مردود، ويجب عليه أن يرد المظالم والحقوق لأصحابها، لإبراء العهدة والذمة، لأن حقوق العباد فى التشريع الإسلامى مبنية على الشح والضيق، فلا خلاص منها إلا بأدائها إلى أصحابها، أو مسامحتهم له، وترك النفقة الملائمة لمن تلزمه نفقتهم، والنية على عدم الفسق ولا الجدال، ولا الدعاوى السياسية، ولا النعرات المذهبية، ولا الطائفية، فالحج بعيد عن ذلك كله. الاستعفاف والاستغناء ويرى الدكتور أحمد حسين وكل كلية الدعوة بجامعة الأزهر، أنه ينبغى للحاج الاستغناء عما فى أيدى الناس والتعفف عن سؤالهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتى يوم القيامة وليس فى وجهه مزعة لحم)، كما يجب على الحاج أن يقصد بحجته وعمرته وجه الله والدار الآخرة، والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال فى تلك المواضع الشريفة، ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك، فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لإحباط العمل وعدم قبوله.