معجزة. أخيرا جاء وزير زراعة يحاول أن ينتصر لحقوق الفلاحين، و يحاول مواجهة الفساد والتصدى لمافيا الاستيلاء على أراضى صغار ملاك الإصلاح الزراعي. أبواب جهنم التى فتحت عليه وهو يحاول تغيير القيادات والقيام بحركة تطهير فى أجهزة الوزراة أمر مفهوم، فالفساد الذى يلتهم أراضى الفلاحين يمثل شبكة ضخمة من المصالح المستقرة التى تتشابك خيوطها بين الهيئة العامة لاستصلاح الأراضى ووزارة الداخلية والأوقاف وأجهزة الحكم المحلي. الفلاحون يأجرون بالشكوى من نزع ملكيات أراضيهم التى قاموا بدفع ثمنها بالكامل على مدى عقود طويلة وتوارثوها منذ آلت إليهم بموجب قوانين الإصلاح الزراعي، و يطردون الآن منها بالقوة الجبرية إما لحساب الأسر الاقطاعية القديمة أو لحساب جمعيات إسكان تابعة «لجهات سيادية»! العقود والوثائق الرسمية التى تثبت ملكية الفلاحين للأراضى لا تجدي. أحكام القضاء التى تنتصر لهم وتؤكد أحقيتهم بملكية الأرض لا تجدي. وكأن الأمر ثأر قديم مع الفلاحين ومع قوانين الإصلاح الزراعي، وإصرار على محو كل آثارها. السيناريو المتكرر لنزع الملكيات هو الطرد الجماعى باستخدام القوة لمئات الفلاحين ذوى الملكيات الصغيرة التى لا تزيد فى معظم الأحوال عن فدان أو اثنين، ولكنها تمثل فى مجموعها مساحات كبيرة من الأرض تصل إلى عشرت وأحيانا مئات الفدادين. استخدام القوة يتم إما بتأجير بلطجية تابعين للإقطاعى القديم الذى يريد إعادة الاستيلاء على الأرض أو الرأسمالى الجديد الذى قام بشراء الأرض بعقد مزور بمعرفة أحد المحامين محترفى عمليات الاستيلاء على الأراضي، أو لحساب جمعية إسكان تابعة لإحدى الجهات السيادية النافذة التى اشترت الأرض بعقد عرفى من الأوقاف. فى كل السيناريوهات تدخل الشرطة لترهيب الفلاحين الذين يمتنعون عن ترك الأرض وتلفيق الاتهامات بالاعتداء على «صاحب الأرض» وإتلاف الممتلكات، بل وسرقة المحاصيل التى تخص الفلاح نفسه!هذه الاتهامات بالتحديد تم توجيهها لسبعة وثلاثين فلاحا من الفيوم صدرت عليهم مؤخرا أحكام غيابية بالحبس ستة شهور، فى نزاع على ملكية أراضيهم مع عائلة يوسف والي! حكايات الفلاحين لا تنتهى عن التنكيل البدنى بأمهات وزوجات من يقاوم التنازل عن الأرض. الفلاحون يعرفون أسماء من يقومون بذلك وعلاقتهم بمن يجرى انتزاع الأرض لحسابه، كما يعرفون مساحة الأراضى التى كوفئ بها البعض مقابل خدماتهم!. مجلس إدارة الهيئة العامة لاستصلاح الأراضى تم إعادة تشكيله، ليحل محل المجلس القديم الذى أكدت المحكمة الإدارية العليا تواطؤه فى إجراء تصالح صورى مع الإقطاع القديم على حساب الفلاحين. فلاحو قرية سورسو بمحافظة الدقهلية الذين تم التنكيل بهم لحساب ورثة الإقطاعى القديم داخوا ولفوا على طوب الأرض لتنفيذ أحكام القضاء التى تعزز ملكيتهم لأراضيهم. أخيرا وبالتحديد فى التاسع من يوليو الماضى بشرهم مدير الهيئة العامة لاستصلاح الأراضى أن مجلس الإدارة الجديد قد استند إلى حكم القضاء وأصدر قرارا لصالحهم. هلل فلاحو سورسو من الفرحة وانتعشت الآمال فى أن يكون القرار فاتحة خير لعودة الحق لآلاف الفلاحين الذين يتعرضون لانتزاع ملكياتهم فى الفيوموالدقهلية والبحيرة والغربية والقليوبية. ولكن .. يا فرحة ما تمت. مافيا شبكة المصالح ترفض أن تتخلى عن مكاسبها وتستخدم سلاح البيروقراطية العتيد لتحويل أى قرار لمجرد حبر على ورق، حتى ولو كان مجلس الإدارة الذى أصدره يضم فى تشكيله وزير الزراعة ورئيس الهيئة العامة لاستصلاح الأراضى واثنين من مستشارى مجلس الدولة. صغار موظفى الهيئة دفنوا القرار. حتى الآن وبعد مضى أكثر من شهر عجز الفلاحون ومحاموهم عن الحصول على نسخة من القرار أو حتى معرفة محتواه!. وفى مثال صارخ على قوة مافيا المصالح واستخدامها سلاح البيروقراطية العتيد، اختفى ملف كامل قدمه فلاحو الفيوم لكل من وزير الزراعة ومدير هيئة الإصلاح الزراعى بشأن تسوية أوضاعهم وتمليكهم الأراضى التى تقع فى حيازتهم لمدد تتجاوز خمسة عشر عاما، طبقا للقانون. مدير الهيئة العامة لاستصلاح الأراضى أخبر الفلاحين منذ أكثر من شهرين أنه سيتم تشكيل لجنة لفحص وتسوية أوضاعهم. حتى هذه اللحظة لم يصدر قرار باللجنة ولا تشكيلها، والأخطر أن الملف اختفى أصلا! البعض تبرع بتحذير الفلاحين من المضى قدما فى محاولة إثبات حقهم وتوفيق أوضاعهم. قيل لهم صراحة ابعدوا عن عائلة والي!. الفلاحون مصممون على الدفاع عن أراضيهم. أما كبار الملاك الذين خضعوا لقوانين الإصلاح الزراعى فقد تم تعويضهم من جانب الدولة. و بالنسبة لمن لم يتم تعويضه أو كان مستحقا لتعويض أكبر فقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن الدولة هى الجهة المنوطة بدفع ذلك التعويض. إذن حتى لو فرض وكان لأحد الملاك القدماء حق فهو قبل الدولة وليس قبل الفلاح الذى آلت إليه الأرض ودفع ثمنها على مدى عقود، ويستميت الآن فى الدفاع عنها. المطلوب تفعيل حكم المحكمة الدستورية العليا. المطلوب تنفيذ أحكام القضاء الصادرة لصالح صغار ملاك الإصلاح الزراعي. المطلوب تقنين أوضاع الفلاحين وتمليكهم الأراضى التى ظلوا حائزين لها لعشرات السنين. المطلوب أن يتأكد مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى من تنفيذ ما يصدره من قرارات لصالح الفلاحين. المطلوب الالتفات إلى سلاح البيروقراطية الصغيرة الكفيل بإجهاض أى محاولة للتصدى للفساد. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى